Sunday 18/12/2011/2011 Issue 14325

 14325 الأحد 23 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

للوظـائف الحكومية سحرها وجاذبيتها، ولها أولوية مطلقة ومكانة في العقل وفي الوجدان، فكل من يبحث عن عمل يوجه أنظاره ويعلق وجدانه بوزارة الخدمة المدنية منتظراً الإعلان عن الوظائف الحكومية الشاغرة، ولا ضير عنده أن ينتظر وينتظر حتى ولو طال الانتظار حتى صدور الإعلان، المهم أن يحظى بالوظيفة الحكومية، قد يضطر أحدهم إلى القبول بوظيفة في القطاع الخاص، فقط من أجل أن يتلهى بها وفيها، ريثما تتاح له الفرصة في القطاع الحكومي، لهذا تجده يأتي إلى عمله في القطاع الخاص مكرها، ويعمل فيه متذمرا، ويؤدي واجباته متثاقلاً، وما أن تلوح في الأفق فرصة للتوظيف في القطاع الحكومي حتى ينقلب على صاحب العمل، وينفض يديه مستعجلا من كل صلة تربطه بعمله وإن كان واجبه الوظيفي يحتم عليه الانتظار حتى يتم توفير البديل، المهم أن ينفذ بجلده من جالدته ومؤذيته، وظيفة «القطاع الخاص» إلى مدللته ومحبوبته، وظيفة «القطاع الحكومي»، ومما يستعصي على الفهم والتفسير، أن الوظيفة الحكومية التي أقدم عليها ليست بالضرورة منافسة لوظيفة القطاع الخاص في الراتب أو في بيئة العمل وإمكانات الراحة والاستقرار، كل هذا لا يهم، المهم أن يحظى بمحبوبته التي تتسم بالكثير من المزايا، فهي المعروفة بأنها أقل جهدا، وأقل عطاء، وأقل مواظبة ومتابعة.

من غرائب الأمور أن هذا الانطباع عن الوظيفة الحكومية وتفضيلها يكاد يكون متواترا في كثير من الثقافات، يذكر مؤلف كتاب «سر تقدم الإنكليز السكسونيين» إدمون ديمولان «فرنسي»، ترجم الكتاب إلى العربية أحمد فتحي زغلول باشا، صدرت الطبعة الأولى منه عام 1899م، (إذا سألت مائة شاب فرنساوي عقب خروجهم من المدرسة، أي صنعة يريدون أن يشتغلوا بها؟، أجابك ثلاثة أرباعهم، أنهم يتطلعون إلى التوظيف في الحكومة، فأغلبهم يطمع في الانتظام في الجندية أو القضاء أو النظارات أو المديريات أو المالية أو السفارات أو المصالح الأخرى، كمصلحة القناطر والجسور والمعادن والدخان والمياه والغابات والمعارف والمكاتب العمومية ودور المحفوظات وغيرها) ثم ينوه (ولا يميل إلى الصنائع الحرة في العادة منهم إلا الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بإحدى المصالح الأميرية).

ويستشهد مؤلف الكتاب من خطاب ألقاه إمبراطور المانيا «غليوم الثاني» على جمعية المعارف الألمانية، والذي أكد فيه أن المدارس الألمانية لم تنجح في التعليم العملي، أي أنها فشلت في تكوين الإنسان الألماني وإعداده للنجاح في العمل، وأن المستوى العلمي للمدارس محبط، بسبب الإخفاق في تملك مهارات اللغة وتطبيقاتها.

بعد ذلك استعرض المؤلف فلسفة نظام التعليم في المدارس الإنجليزية وبين أنه يقوم (على الجمع بين العلم والعمل والغرض منه تحصيل المعارف النافعة للحياة) ومما ساعد على نجاح هذه الفلسفة إيمان الأسر الإنجليزية بهذه الفلسفة، ودعمهم لها بتحفيز أبنائهم وترغيبهم للعمل في القطاع الخاص، وإعطائه الأولوية على العمل في القطاع الحكومي.

كان واقع التعليم قبل أكثر من مئة عام في فرنسا واقعا مأساويا، وكذا حال التعليم في ألمانيا، أما بريطانيا فكان واقع التعليم فيها يسير في ضوء تربية جديدة، أيدتها الأسرة الإنجليزية وآزرتها وساعدتها، وبناء عليه تميز التعليم الإنجليزي وتفوق على غيره وتقدم، وسر هذا يكمن في فلسفة التعليم في المدارس الإنجليزية، فهو تعليم يعد الأجيال للحياة، تعليم جمع بين مهارات العلم وتطبيقاته العملية، وهذا ما ميز المدرسة الإنجليزية على كل المدارس والفلسفات التعليمية في أوربا، إنها ميزة تخريج أجيال تحب العمل وتؤمن به، وتتجه إليه راغبة طائعة.

إن إعداد الأجيال وفق منظور يجمع بين العلم والعمل، هو المدخل الصحيح والسرالذي يفضي إلى تربية الناشئة ويعدهم للحياة، إنه مدخل يمكن من العلم ومهاراته، ويرغب في العمل المنتج بدل حالة الاسترخاء وراء مكاتب الوظائف الحكومية.

ab.moa@hotmail.com
 

أما بعد
السر في التعليم 1 ـ 2
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة