Wednesday 21/12/2011/2011 Issue 14328

 14328 الاربعاء 26 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بالنظر إلى مطالب شــــعوب دول الثورات العربية، وأدبيات وأفكار الليبراليين العرب نجد قواسم مشتركة متعددة، لكنها أكثر تحديداً في ثلاث مسائل رئيسة هي: (إقرار الحريات العامة)، و(تطبيق العملية الديمقراطية)، و(فرض سيادة القانون). كما أن تلك الثورات قد أسهمت في جمع التيارات الفكرية المتخاصمة وبالذات التيارين الليبرالي والإسلامي فوقفا على أرضية واحدة، واتجها نحو هدف واحد يتمثل بالعمل على الانتقال السلمي للسلطة إلى عهد ما بعد الاستبداد السياسي، الذي كان يسوس أنظمة الحكم في مصر وليبيا وتونس واليمن وسورية، فضلاً عن الفساد الاقتصادي، الذي انكشفت عورته بالأرقام الفلكية لأرصدة أقطاب تلك الأنظمة، فلا عجب أن يُعلن الليبراليون ابتهاجهم ويطير الإسلاميون فرحاً بتلك الثورات، ويتسابقون على مدارات الإعلام للتحليل والتنظير والتعليق ونسج الأماني.

غير أن الشهور الأخيرة من عمر الثورات العربية الملتهبة كشفت حالة من القلق الحقيقي لدى الليبراليين، وهم يشاهدون مداً في ساحة الجماهير لصالح الإسلاميين مقابل جزراً لديهم، بل إن نتائج انتخابات تونس التي أفضت إلى فوز الإسلاميين بنزاهة واقتدار قد دقت جرس الإنذار بشكل مدو عن فرضية استبدال أنظمة عسكرية جائرة بأخرى دينية متطرفة في حال وصل الإسلاميين لسدة الحكم في مصر تحديداً، التي كشفت تقدماً كبيراً للإسلاميين، ولم يقف الأمر عند الإخوان المسلمين من خلال حزبهم (الحرية والعدالة)، فحتى السلفيين كان لهم نصيباً انتخابياً يفوق الليبراليين، أضف إليه أن ذلك القلق الليبرالي مرتبط بتأثير مصر الإقليمي باعتبارها قلب العرب النابض، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي وثقلها الدولي، بل حتى غيرها من بلدان عربية تعيش ثوراتها، سيظل القلق الليبرالي موجوداً إذا ما وصل الإسلاميون الحكم وهو ما حذر منه القذافي سابقاً، والأسد حالياً كوسيلة لتخويف الغرب من الإسلاميين.

فهل يعني ذلك أن الليبراليين قد حل خريفهم السياسي؟ وتساقطت أوراقهم الانتخابية عن دولة القانون والديمقراطية، وذبلت شعاراتهم الحضارية عن قيم الحرية والعدالة والمساواة؟ لأن تداعيات واقع الثورات العربية تتجه نحو الإسلاميين، وموقف الدول الغربية (الجديد) من الحركات الإسلامية، الذي بدا متصالحاً معها أو على الأقل محايداً، ونجاح تجربة الحركة الإسلامية في تركيا، فضلاً عن افتقار التيار الليبرالي لإنجاز واحدُ يحسب له في مقاومة استبداد الأنظمة العربية، بدلالة أن وقود تلك الثورات هم شباب (الإنترنت) وليس أعضاء الأحزاب الليبرالية واليسارية والقومية.

يبدو من المشهد السياسي العربي العام أن الليبراليين العرب فعلاً أسُقط في أيديهم، لأنهم أصبحوا أمام خيارين أحلاهما مُرّ، إما أن يواصلوا إعلان مبادئهم الحضارية الموجودة في أدبياتهم السياسية، التي تنادي بالديمقراطية، وتطالب بالحرية، وتدعو للعدالة وتكريس الإنسانية، بالاستمرار في دعم الثورات العربية حتى صناديق الانتخابات مهما كانت نتائج هذه الصناديق، على الرغم من أن هذه المجازفة تضعهم في اختبار حقيقي بالنسبة لرصيدهم التاريخي وثقة الجماهير بهم مقابل الإسلاميين، الذين يستعدون لالتهام الكعكة الديمقراطية بحصص انتخابية كبيرة وفقاً لمؤشرات الواقع السياسي، أو ينقلبوا على تلك المبادئ، سواءً بالتراجع عن دعم تلك الثورات والوقوف في منتصف الطريق، فيخسروا شباب الثورات ويكون انتحارهم السياسي، أو بالتضامن مع الأنظمة السابقة أو ما تبقى منها، وبهذا ينقضوا كل القيم الإنسانية والمبادئ الحضارية، التي طالما نادوا بها وتحدثوا عنها، منذ أن تلقفوا الفكرة الليبرالية من الغرب في القرن التاسع عشر الميلادي، وصنعوا لهم أحزاباً وإعلاماً وشعارات.

kanaan999@hotmail.com
تويتر @moh_alkanaan
 

الليبراليون في امتحان خريفهم السياسي!
محمد بن عيسى الكنعان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة