Wednesday 21/12/2011/2011 Issue 14328

 14328 الاربعاء 26 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قرأت يوماً في إحدى الصحف المحلية بأن وكالة للبحوث الطبية بالولايات المتحدة الأمريكية ترعى 27 معهداً ومركز بحث متخصص، وتُشغل 27 ألف باحث وموظف بينهم 17 ألف متفرغ، وتقدر موازنتها السنوية بأكثر من 28 بليون دولار أمريكي بمعنى أن الولايات المتحدة تخصص للبحث العلمي 3% من موازنتها مخصصة للأبحاث الطبية فقط والجميل في الأمر أن هذه الوكالة

يرأسها عربي أمريكي يدعى البروفيسور إلياس زرهوني هو رئيس مراكز الأبحاث العلمية بالولايات المتحدة الأمريكية ومستشار الرئيس الأمريكي وعضو مجلس أمنا جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.

وفي استقراء سريع عبر الشبكة المعلوماتية اكتشفت أن جميع الدول المصنعة بدون استثناء خصصت أموالا طائلة للاستثمار من الناتج المحلي تتراوح ما بين 10% و20% في البحث العلمي (Scientific Research) والتطوير وإنتاج المعارف الأساسية التي تنفذها على مستوى الجامعات وبعض الهيئات والمراكز البحثية المتخصصة واستطاعت من خلال هذه الاستثمارات الوصول إلى ما وصلت إليه الآن من مكانة وريادة دولية كون أن البحث العلمي يعد الركيزة الرئيسية لتقدم وتطور الدول والمجتمعات وخارطة طريق لمواكبة تحديات العصرويمثل قاعدة الانطلاق لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والمعرفية في المجتمعات.

التوجه الجديد للبحث العلمي بالدول المتقدمة يجعل هيئات ومنظمات بحثية تؤسس جامعات تابعة لها بحيث تطرح من خلالها مناهج دراسية تتأقلم مع النظم العالمية المبتكرة، وتقدم فرصاً للدراسات بأساليب إبداعية وحديثة ومتميزة لأن ظاهرة العولمة وتبعات الثورة العلمية والتكنولدجية التي يعيشها العالم المعاصر اليوم جعلت من البحث العلمي ليس فقط مقياسا لتقدم الأمم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وإنما أصبح البحث العلمي المنفذ الوحيد لمواجهة التحديات والمتغيرات العديدة والمنافسة المتسارعة نحو التفوق العلمي والتقني والتكنولوجي والمعرفي للأمم ومن خلاله فقط تتحقق الريادة عالميا، وبالتالي فإن دعم البحث العلمي والطاقات العلمية المنتجة للمعارف يمثل رهانا اقتصاديا واجتماعيا وإستراتيجيا يخول هذه الدولة أو تلك للمنافسة والريادة الدولية.

النظام العالمي الجديد جعل الأمم تواجه تحدياً حضارياً كبيراً في مجال البحث العلمي خاصة بعد ظهور ما يسمى بالمجتمع المعرفي بسبب انتشار وسائل الاتصال والمعلوماتية، وإذا أخذنا ألمانيا نموذجاً من خلال استعداداتها للمنافسة العالمية انطلاقاً من مبدأ أن العلم والمعرفة والابتكار هم رأسمال المستقبل نجدها تحتل اليوم المكانة الثالثة لجهة الإقبال على الدراسة، بعد الولايات المتحدة وبريطانيا، وتعتبر مبادرة التميز واحدة من إستراتيجيات متعددة التي بدأت ألمانيا بتطبيقها والتي تهدف في مجملها إلى جعل ألمانيا مكاناً متميزياً ومحبباً للدراسة بحيث يزيد عدد الباحثين فيها عن 250.000 وتعتبر بذلك من أكبر الأمم الباحثة في العالم، ويبلغ مجموع ما خصصته الحكومة الاتحادية لدعم أحدث التقنيات والأبحاث حتى العام 2009 حوالي 15 مليار يورو، والنتائج الأولية إيجابية تبشر بالخير حيث زادت نسبة الاستثمار في مجالات البحث والتطوير بشكل مطرد وحققت ألمانيا هدفها الإستراتيجي وأصبحت ألمانيا واحدة من أكثر البلاد إبداعاً وابتكاراً ومن أفضلها في مجالات الأبحاث.

المملكة العربية السعودية أصبحت تمتلك ثروة ورأسمال بشري وبنية تحتية في مجال البحث العلمي تتقارب مع مثيلاتها في الدول النامية التي حققت نجاحات ملحوظة في مجال التقدم العلمي وأهلتها للتغلب على معظم الصعوبات التي تعترض خطط التنمية فيها وأهلتها كذلك للانطلاق في مسيرة البحث العلمي نحو التنافسية العالمية في مجالات عدة ولم يعد ينقص المملكة إلا توظيف هذه الثروة العلمية البشرية في مجال البحث العلمي وفق سياسات وخطط محددة واضحة المعالم وكذلك رفع نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج الإجمالي الذي يعد متدنيا جداً مقارنة مع مثيلاتها في الدول الأخرى.

هناك عوامل عدة تعيق ازدهار البحث العلمي لا يمكن معالجتها في الدول التي تسعى للريادة والتنافسية العالمية إلا من خلال تبني سياسة للبحث العلمي تضع تصورا شاملا عن أهمية البحث العلمي والتطور التكنولوجي والمعرفي من أجل بناء وإرساء القواعد الأساسية اللازمة لمجتمع عصري يواكب متطلبات مجتمع المعرفة تعنى بالتخطيط لإقامة البحوث الوطنية والمشتركة وتنسيقها وإدارتها ومتابعتها وتسويقها وتشجيع نشر ثقافة المشاريع البحثية، وزيادة نسبة الإنفاق من الناتج الإجمالي على البحث العلمي، الاهتمام بتشجيع الباحثين وضمان استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي من خلال منحهم حوافز عينية ومالية، العمل على رفع تأهيل الباحثين العلمي باستمرار من خلال إعطائهم فرص التفرغ للبحث العلمي في جامعات عالمية وتسهيل آلية تنقل الباحثين بين مؤسسات التعليم العالي والهيئات والمنظمات والمؤسسات البحثية الأخرى، ودعوة القطاعين العام والخاص لتمويل البحوث العلمية وخاصة التطبيقية، إعداد دليل وطني للرأس المال البشري والمراكز البحثية والتكنولوجية في ميدان البحث العلمي، إنشاء واحات وحاضنات علمية بها معامل متطورة تقنياً لتنفيذ البحوث المتخصصة، تطوير قاعدة للبيانات والنظم المعلوماتية من خلال توفير منافذ على شبكات المعلومات العلمية في كافة المجالات والتي تخدم العلمي، وتوفير المراجع والدوريات الضروية لتلك البحوث.

أحد أهم العوامل التي تعيق ازدهار البحث العلمي بالمملكة واستثماره تكمن أن هنالك مشاريع بحثية أقيمت في مجالات كثيرة أهدرت الملايين من المال العام لأن نتائجها لم توضع موضع التنفيذ الفعلي كونها افتقدت من الأساس عناصر مثل الإدارة والتنسيق والتقييم والمتابعة والتسويق وبالتالي لم يتم توظيفها في الخطط التنموية رغم أن خطة التنمية الثامنة للمملكة عززت دور البحث العلمي من خلال ما نصت عليه صراحة بتبني «إنشاء الحدائق العلمية في الجامعات ومراكز الأبحاث، وتوجيه المزيد من الاهتمام لتشجيع التمويل المشترك وبرامج الأبحاث المشتركة بين الصناعة ومؤسسات القطاع العام، وقيام حاضنات الأعمال بهدف تحويل نتائج الأبحاث إلى تطبيقات تجارية وصناعية».

وانطلاقاً من هذه المعطيات التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله- لتطوير قدرات المملكة في ميدان البحث العلمي والتطور التكنولوجي والمعرفي أصبح من الضرورة تعزيز الدور لهذه الجهود والكفاءات والكوادر البشرية والمنشآت والهيئات ذات الصبغة البحثية ودورها الإستراتيجي في بناء الوطن ومواجهة مختلف التحديات الناتجة عن ظاهرة العولمة من خلال إنشاء وزرارة دولة تعنى بالبحث العلمي داخل مجلس الوزراء تسند لها كل هذه المهام أو تغيير مسمى وزارة التعليم العالمي إلى وزارة تسمى «وزارة التعليم العالي والبحث العلمي» أو استحداث مجلس أعلى يترأسه الملك المفدى يعنى برسم إستراتيجية شاملة تحتضن برامج البحوث العلمية وتخطيطها وتنسيقها ومتابعة تقويمها وتنفيذها وزيادة نسبة الإنفاق من الناتج الإجمالي على البحث العلمي باستقلالية إدارية ومالية كما تتولى آلية التنسيق مع الهيئات والمؤسسات البحثية المحلية والعربية والإقليمية والدولية في القطاعات المختلفة لدعم توجهات الخطط التنموية للدولة وبما يحقق النهضة الفكرية والعلمية والمعرفية، وبذلك يربط البحث العلمي بالتنمية من خلال التواصل بين صانعي القرار والباحثين ولنعطي الأبحاث العلمية فرصة لتنفيذها وتحويلها من مجرد حبر على الورق إلى كيان اقتصادي مستقل ندخل من خلاله إلى مجتمع الاقتصاد المعرفي وحتى نلتقي.

«ملخص القول: إيجاد بيئة إبداعية وتمكينية وتحفيزية للبحث العلمي هو الطريق الوحيد لتحقيق طموحات الأمم وتقدمها».

(*) أستاذ الإعلام الجديد المساعد، قسم الإعلام جامعة أم القرى

profalamadani@gmail.com
 

وزارة دولة تُعنى بالبحث العلمي
د. أسامة غازي زين المدني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة