Wednesday 21/12/2011/2011 Issue 14328

 14328 الاربعاء 26 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

خير الكلام ما قل ودل، ولكن من الذي يلتزم بذلك إذا كان عربياً. كتاب الزوايا الصحفية مطلوب منهم الالتزام بالاختصار لإفساح المجال للإعلانات والدعايات وأخبار آخر ساعة في الصفحة الأخيرة بالذات. تطلب منك هيئة التحرير أن تلتزم بأربعمائة كلمة فلا تزد عنها وإلا!. وإلا حشروك وضغطوك في مربع صغير ببنط أصغر. القارئ ينفر عادة من قراءة المقال المكتوب بالبنط الصغير لأنه يعتقد أن التصغير ينم عن تفاهة الموضوع، وكثيراً ما يكون محقاً في ذلك. لكن الغريب أنك إن كتبت القليل تحصل في الجريدة على حيز أكبر. حينئذ تفرغ لك الجريدة نصف الصفحة وتجعل بين كل كلمة وكلمة فراغ كلمة افتراضية وتكبر الحروف بحيث يستطيع القارئ استيعابها وهو مستلقٍ على قفاه ودون نظارة.

المشكلة أن هموم الجريدة تختلف عن هموم الكاتب. كاتب الزاوية يعتقد أن ما سوف يكتبه على غاية الأهمية ولابد من الشرح والتفصيل لضمان دقة التوصيل وتحاشياً للقراءة الباطنية التي تستخرج من بين السطور ما ليس فيها. كلما زاد ضغط الفكرة واختصار الكلام زادت مخاطر سوء الفهم واحتمالات سوء المنقلب. الكاتب تحكمه الفكرة ومدى شعوره بأهميتها، ولا يتوقع ذكاءً حاداً أو ثقافةً واسعةً عند القارئ، لأنه يعتقد دائماً أنه أحَدَّ ذكاءً وأوسع اطلاعاً منه، ولذلك يقوم بمهمة الكتابة. النتائج معروفة، بعض القراء يمط شفتيه ويتساءل عن مغزى كل هذه الثرثرة من الكاتب ولماذا اللف والدوران. لكن بعض القراء يطلب من الله الهداية للقارئ وأن يوسع في صدره لكي يشرح فكرته بتفصيل أكثر ودقة أكبر.

ماذا يفعل الكاتب في مثل هذه الظروف. هو ينتمي أصلاً لحضارة أكثر إنتاجها كلام في كلام وفعلها قليل، باستثناء السنين الغابرة حين كان العكس هو الصحيح. الناس تحب الثرثرة وتزويق الكلام، والصحيفة تطلب الاختصار وبعض القراء ليس لديه الوقت الكافي وبعضهم لديه فراغ هائل ويطلب نصوصاً طويلةً لملئه. هموم الصحيفة في وادٍ وهموم الكاتب في وادٍ آخر والقراء أشكال وألوان.

المفتاح عند النجار والنجار يبي فلوس والفلوس عند العروس والعروس تبي ولد والولد يبي حليب والحليب عند البقر والبقر يبي حشيش والحشيش يبي مطر والمطر عند الله. المهم هنا هو النجار (الجريدة) التي تريد فلوساً من الإعلانات والدعايات، ثم العروس (القارئ) الذي يريد ولداً (مقالةً جيدة)، والبقر (الكتاب) الذين يريدون مطراً والمطر عند الله. الله يجيب المطر والسيل. هل أحصيتهم كم كلمة تحتوي هذه المقالة؟، أربعمائة وعشر كلمات، سامحونا على الزود.

 

إلى الأمام
أربعمائة كلمة، ثم ولا كِلْمَة
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة