Thursday 22/12/2011/2011 Issue 14329

 14329 الخميس 27 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

      

قال الله تعالى في كتابه المقدس: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} البقرة 269.

وفي تفسير الآية الكريمة للإمام ابن كثير: (يؤتي الحكمة من يشاء) يعني المعرفة بالقرآن، والإصابة بالقول؛ لأن الحكمة العلم والفقه بالقرآن، وهي خشية الله. إن خشية الله رأس كل الحكمة، وهي فهم الكتاب والسنة النبوية باعتبار الحكمة والفقه في دين الله يُعنى بهما الخطاب ومعنى الكلام).

وروى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة أن الرسول الكريم قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها».

فالرجال العظام شديدو الثقة بنفوسهم. إن الشجرة يجب أن تمتد جذورها في الأرض قبل أن تزهر وتثمر، وهكذا الإنسان عليه أن يحسن الانتصاب على قدميه واحترام نفسه؛ فالاعتماد على النفس من أعظم أركان الأخلاق. لذلك كان الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الشجرة المثمرة لأسرة آل سعود في السياسة لدولة الملك عبدالعزيز الحديثة، وأوجد دولة قوية في شبه الجزيرة العربية وفي صحراء الرمال، وأوجد رجالاً لهم عقلية الدولة ولهم كفاءات لمسؤولية الحكم، وهم متعاضدون ويشاركون في تحمل مسؤولياتهم نحو وطنهم ونحو شعبهم المخلص لعقيدته السماوية.

كما كان رحمه الله أباً لأسرة كبيرة، هي شعبه، وهو مسؤول عن هذه الأسرة.

يقول خير الدين الزركلي، أحد مستشاري الملك عبدالعزيز، في مؤلفه (الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز): «الملك عبدالعزيز لا يلقي القول جزافاً، وقد سُمع في مناسبات متعددة يذكر أنه لا يرى نفسه أكثر من أب لأسرة كبيرة، هي شعبه، وأنه مسؤول عن هذه الأسرة أمام الله».

وكان يعبِّر عما في قرارة نفسه حين يكرر في خطبه القول المألوف «الملك لله وحده»، كما كان يصغي إلى الكبير والصغير من شعبه، ويستمع إلى أحاديثهم، ويشارك المسرور منهم في سروره، ويتوجع لألم المحزون، فينسون أنهم بين يدي ملك «يتمتع بحقوق السيادة»، ولا يشعرون إلا بأنهم بين يدي «أب» طالما قال وبرهن على القول بالفعل: «الكبير منكم أخ لي والصغير من أبنائي».

لقد التزم أبناء الملك الراحل بتلك المزايا الطيبة لوالدهم، ومن بينهم الأمير سلمان بن عبدالعزيز، من خلال مسؤوليته أميراً للرياض العاصمة، التي قضى فيها أكثر من نصف قرن، يعالج الأمور بحنكته السليمة؛ فهو رجل من التاريخ السعودي الأصيل، وشخصية محبوبة في أرجاء المملكة، له جاذبية خلاقة، وفكرة صائبة، واستقامة تامة في كل منجزاته الكبيرة.

وكان للأمير سلمان في موقعه الرسمي دور بارز؛ يشارك في صناعة القرار السعودي الحكيم، ودور متواصل في السياستين الداخلية والخارجية، عربياً ودولياً، ووقف سموه الموقف الصحيح والسليم ملتزماً بالثوابت السياسية والعامة التي وضعها الملك عبدالعزيز محافظاً على سيادة واستقلال الوطن السعودي وحريته في التعبير عن أصالته العربية والإسلامية؛ ليحافظ هذا الكبير على مصلحة المملكة حضارياً من خلال مشاركته في صنع قرارات إيجابية في كل مشورة تُعرض عليه من قيادات الوطن.

قال المؤرخ الغربي جورج سارتون: لقد سبق للعرب أن قادوا العالم في مرحلتين طويلتين من مراحل التقدم الإنساني، طوال ألفي سنة على الأقل قبل أيام اليونان، ثم في العصور الوسطى مدة أربعة قرون تقريباً، وليس ثمة ما يمنع هذه الشعوب من أن تقود ثانية في المستقبل القريب أو البعيد.

وعندما أكتب عن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز فلأنني تعرفت على سموه منذ خمسة عقود من الزمن من خلال زياراتي المفتوحة من معالي السيد عمر السقاف وزير الدولة للشؤون الخارجية، بهدف تغطية النشاط السعودي في صحيفة الحياة اللبنانية في عهد صاحبها الشهير كامل مروة؛ لأنها تقول الحق في المواقف العربية وسياساتها مع العالم الغربي. وكان من واجب الصحفي الزائر للمملكة أن يقدم أوراقه أولاً لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز؛ باعتباره أمير الصحافة في الداخل والخارج، وهذه اللفتة الكريمة كانت من السيد عبدالله الملحوق الملحق الصحفي في سفارة المملكة في لبنان، الذي منحني تأشيرة زيارتي للمملكة للمرة الأولى.

وأكد لي الملحوق - رحمه الله - أن الأمير سلمان له دور بارز في القضايا السياسية في الداخل والخارج، ولاحظت بعد زيارتي للأمير سلمان أن لديه أفكاراً سياسية واسعة، وأنه محبب لدى رجال الصحافة في العالمين العربي والدولي، ولم يكن أميراً للرياض فحسب، بل له نظرة متكاملة لمواقف المملكة في الشأنَيْن العربي والدولي، وهو ملتزم بما وضعه والده لنظام الدولة.

ولاحظت أن سموه محافظ على سياسة الباب المفتوح للقيادات السعودية وأمراء المناطق لمعالجة شؤون الشعب؛ لأن السياسة السعودية تقوم على العدل والمساواة بين الحاكم والمحكوم، والواجب على الدولة الاجتهاد لإصلاح أحوال الوطن والمواطنين والحفاظ على الهوية السعودية الإسلامية.

لقد عرف عن القيادات السعودية محاسن عديدة، أهمها عدم البُعد عن المشورة لسماع النصيحة من أصحاب الفضيلة العلماء وهيئتهم من كبار العلماء، والجميع لا يخشون في الحق لومة لائم، وهدف الجميع إقامة المجتمع السعودي الواحد على أساس من المساواة والعدل والاستقامة والحرية الشخصية التي نصت عليها الشريعة السمحة؛ حتى تكون السيادة لكل مواطن سعودي؛ لأن السياسة السعودية إنما هي من تعاليم الإسلام في قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} المائدة 49.

لقد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مناسبات عديدة بقوله: «إن مكانة العالم الإسلامي بين الأمم رهن بتمسكنا بأعظم رسالة سماوية، فقد كرمنا الله بأعظم دين، وحمَّلنا أمانة ومسؤولية أبت حملها الجبال لهداية البشرية إلى طريق الحق والخير والسلام؛ لذلك عزنا ومكانتنا بين الأمم بهذه الرسالة وأدائها على أكمل وجه، وماضينا المشرق وحاضرنا المعتم إلا خير دليل على ذلك».

لقد أكد الأمير سلمان بن عبدالعزيز في منتدى عبدالرحمن السديري، بمناسبة تكريم سموه بوصفه شخصية المنتدى لهذا العام، الذي عقد في الأسبوع الماضي بقوله: «إن المملكة تعيش في أمن واطمئنان كأسرة واحدة، واندماجنا نحن المواطنين أوصلنا لما نحن عليه».

إن الخطاب الإلهي «القرآن» العظيم هو الخطاب الإنساني للبشرية، قال تعالى في سورة البقرة الآية 252 مخاطباً رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}.

لقد أتيح لي أن أحضر المجالس المفتوحة لقيادات المملكة، ومجالس الأمير سلمان أمير الرياض سابقاً، ولاحظت أن تلك المجالس تقوم على أسس ديمقراطية للشريعة الإسلامية؛ باعتبارها تفتح آفاق التعاون بين المسؤولين والمواطنين، وهي تقضي بحل الكثير من مطالب الشعب السعودي للعيش بكرامة وراحة بال.

لذلك التزمت القيادات السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز بما نصت عليه الشريعة الإسلامية في آيات القرآن، ومنها ما جاء في سورة الإسراء الآية 70 في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.

إن دستور المملكة إنما يقوم على نص القرآن العظيم مع السنة النبوية التي وضعها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، وهما الحكمان على أرض المملكة العربية السعودية.

لذلك كانت الجزيرة العربية أعظم تاريخ للحضارة الإنسانية في العالم بسبب اللغة العربية التي نزل بها القرآن العظيم، الذي اتخذه الملك عبدالعزيز دستوراً ثابتاً للمملكة، وقامت الدولة السعودية دولة متطورة في كل معاني الحياة، لتحقيق الرفاهية لشعبها العربي الإسلامي الأصيل، وهي تقوم على الحضارة الإنسانية في ضوء تمسك القيادات بالشريعة الإسلامية نصاً وروحاً.

ومن حكمة الأمير سلمان وأفكاره المميزة قيام دارة الملك عبدالعزيز لتوثيق وتسجيل التراث الحضاري بهدف التعرف على مشاهير الرجال العظماء في الوطن السعودي الذين ساهموا في استمرار الحضارة السعودية على هذه البقعة المباركة، ومن صلب التربية الوطنية الحديثة في الدول المتحضرة، ومن أعظم الحوافز للشباب الواعي من أبناء الملك عبدالعزيز وأحفاده من الأمراء، ومن واجبهم متابعة السير على دروب من سبقهم من القادة نحو طريق الخير والرفاهية في بناء هذا الوطن، والاستفادة من التاريخ الحافل بالمنجزات في مرحلته الأولى في عهد المؤسس الراحل الذي شق طريق المستقبل لإقامة تاريخ الآباء والأجداد، والدور الكبير لملوك المملكة في الإصلاح والرقي وإقامة موازين العدالة وصيانة الحريات للشعب السعودي؛ باعتبار أن المملكة اكتسبت احترام دول العالم الغربي، وأصبحت المملكة تشارك في صناعة القرار للعالم المتحضر ولشعوب الأمم لإقامة السلام والأمن على كوكب الأرض؛ لذلك وضع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رؤية المملكة حاضرة في نظام العالم الجديد، وإنعاش الوضع الاقتصادي العالمي، وتبادل المنافع بصورة أفضل.

وأكد خادم الحرمين الشريفين في مناسبات عديدة: لن تكون المملكة على يمين أحد أو شماله.

ومن الخطوات التي قام بها الأمير سلمان في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي جولته في العالمين العربي والدولي حاملاً تاريخ المملكة الحديث في عواصم تلك الدول ومنجزات الوطن السعودي، شارحاً لشعوب وقيادات تلك الدول حضارة المملكة في الماضي والحاضر، وفي معرض متنقل أطلق عليه (معرض المملكة بين الأمس واليوم)، وكان المعرض صورة ناطقة عن التاريخ السعودي الذي عرف بالصحراء، وكيف تطورت السعودية وقامت على أرضها المشاريع الإنمائية والصناعات الثقيلة لتأمين حاجات الوطن السعودي، وكيف كانت أرض الجزيرة رمالاً وانتقلت إلى مشاريع عملاقة في سنوات قليلة تخدم متطلبات الشعب السعودي، ثم أصبحت المملكة دولة مصدِّرة للعالم الخارجي بمنجزاتها الكبيرة لخدمة شعوب الدول الأخرى.

وقد أتيح لي أن أرافق صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بجولاته في دول العالم وهو يتحدث مع كبار المسؤولين في تلك الدول وأيضاً مع شعوبها عن التاريخ السعودي؛ لذلك قدم أمير الرياض بأسلوبه المميز حقيقة تاريخ المملكة في الماضي والحاضر محققاً لتلك الشعوب رغبتها في مشاهدة المملكة وكيف تطورت وأصبحت معجزة فوق الرمال. إن نشاط الأمير سلمان خلال توليه منصب أمير الرياض يعتبر مرحلة مهمة لتاريخ المملكة، ويحتاج لمقالات عديدة لكشف تاريخه الحافل الذي وظفه لخدمة الوطن العزيز عليه، وسيكون له في منصبه الجديد وزيراً للدفاع دور آخر لمتابعة ما وضعه وخطط له الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - لتطوير القوات المسلحة التي ستكون الحارس الأمين للدفاع عن حدود المملكة، وهي الحافظ الأمين للوطن السعودي.

 

خواطر عن شخصية الأمير سلمان بن عبدالعزيز وحكمته المميزة
مطيع النونو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة