Saturday 24/12/2011/2011 Issue 14331

 14331 السبت 29 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أكاد استمع إلى أجيال سعودية قادمة تتحدث مثلا إلى كبار السن في عائلتها أو بعض السياح (وقد تكون هذه الجملة من ضمن ما حفظوه أثناء التحاقهم ببعض فصول تعليم اللغة العربية) قائلة: عذرا أنا لا أتحدث اللغة العربية؟

هل هذه مبالغة ساخرة.. ربما! لكن مشاهدة ما يحدث الآن في أوساط الأطفال والمراهقين والشباب يزرع هذه المخاوف التي نتمني أن لا تتحقق.

المراهقون والصغار والشابات في معظم الأسر السعودية التي تتمتع بمستوى اقتصادي واجتماعي متوسط أو فوق المتوسط ويذهب غالبية أبنائها إلى المدارس الأهلية تتحادث فيما بينها باللغة الإنجليزية وتغرد في التويتر باللغة الإنجليزية في معظم هاشتاقاتها وترسل الرسائل النصية وتتبادل المحادثات أو مايسمى بالتشات على مختلف المواقع بلغة أخرى بديلة قد يكون فيها بعض حروف العربية لكنها لا تمت للعربية بصلة.

إنها تستمتع بالغناء الأجنبي وبالرواية الأجنبية وبالمحادثة و (الفن) بلغة أخرى غير لغتها الأم.

المشكلة أن الكثير من جيلي من الأمهات لا يضيرها أن لا يعرف أبناؤها كيف يعبرون عن نفسهم بالعربية وهي تجيبهم بالمقابل بالإنجليزية, اعترف يذهلني ذلك في كل مرة أراه.

سافرت وجبت الكثير من ربوع العالم ولم أرَ طفلا أمريكيا أو بريطانيا أو أستراليا واحدا لا يتحدث الإنجليزية بشكل سليم فماذا حدث لنا؟ اللغة هي الوسيلة الأساسية التي نعبر فيها عن أنفسنا وهي طريقة للتفكير وليست مجرد حروف وجمل وكلمات وحقا ماقاله د.محمود شاكر سعيد في الندوة الثانية التي نظمتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية حول الحاسب واللغة العربية ومحاولة إثراء المحتوى العربي على الإنترنت قبل عامين بأن اللغة العربية هي أقوى الروابط بين المسلمين، ومن عوامل قوة الأمة ورفعتها؛ وهو ما أكده مصطفى صادق الرافعي حين قال: (ما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار، ومن هذا المنطلق يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضاً على الأمة المستعمرة).

لا أحب الخطب الحماسية خاصة حين يتعلق الأمر بالأجيال الجديدة التي يجب أن نقنعها بما نرى وإلا فإنها بكل بساطة لن تنفذه سواء اعتقدنا بصحته وأثره عليها أم لا ومن جملة ذلك اللغة التي هي عصب أية أمة وحين أرى كيف يتشدد نظام التعليم الأمريكي مثلا في مسألة إجادة اللغة كتابة ومحادثة وتنقيطا وفاصلة وكيف يتوقف قبول الطلبة في الجامعات المشهورة على قدرتهم على صياغة مقالة يعبرون فيها بالإنجليزية عن هدفهم من التحاقهم بالجامعة وماذا يأملون بعدها حينها أعجب حقا كيف أن صغارنا ومراهقينا يشعرون بوحشية هذه اللغة ولا يطيقون القراءة بها أو التحدث إلا مرغمين.

في التقرير الرابع الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي مؤخرا وفي ملفها الخاص الذي أسمته (وبحق) (أزمة اللغة العربية في الحاضر) وتحت مسمى اغتراب اللغة أم اغتراب الشباب؟ وهو نتيجة لاستطلاع أجرته المؤسسة في 9 دول عربية كشفت المؤسسة في التقرير عددا من المؤشرات التي اعتبرها التقرير: مهمة ومثيرة: وكان أولها أن 53% من الشباب العربي يستخدم اللغة الإنجليزية أو لغة أجنبية أخرى في التواصل عبر الإنترنت بـ(الدردشة) ومتوصلا إلى أن الكتابة عبرالإنترنت وباستخدام أجهزة المحمول تتم بالحروف اللاتينية لمفاهيم تدرك باللغة العربية في ظاهرة رأى التقرير أنها تستدعي التوقف والقلق؟! في مقابل هذا الجحود و( قلة التقدير) احتفلت الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي الموافق 18 ديسمبر باعتباره يوما عالميا للاحتفاء باللغة العربية وهذا يصادف اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1973 والذي نصّ على إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.

وترى الأمم المتحدة أن هناك مبررات قوية لهذا الاحتفاء لعل أبرزها كون العربية أحد أكثر اللغات انتشارا في العالم (؟!) حيث يتحدثها أكثر من 422 مليون شخص ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي السنغال وإرتيريا.

اللغة العربية ذات أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدسة (لغة القرآن)، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها.

العربية هي أيضا لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.

وقد أثّر انتشار الإسلام، وتأسيسه دولاً، في ارتفاع مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية، تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.

مالعمل؟ هل هي مشكلة الخادمة المنزلية التي تولت تربية هذا الطفل؟.

بعض البحوث التربوية ترى أن تعلم اللغة يأتي أثناء تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الأكل والتنظيف ولحظات النوم أي أن الطفل يتعلم الكثير من مفرداته من خلال حوار من يقوم بالعناية به يوميا فمن يقوم بذلك وياللحسرة اليوم في الكثير من الأسر السعودية؟ إنها هذه العاملة المسكينة التي لا تدري أين تدير رأسها من زحام الواجبات ومن الطبيعي أن تجيب الطفل وتتفاعل معه بلغتها المكسرة التي نقلها أطفالنا بحرفية مخيفة وهم يتعاملون بها الآن على أنها هي اللغة التي يفهمونها ويتحاورون بها؟ أهي المدرسة التي تقدم لغتنا العربية في قوالب جامدة وغير منطقية في معظم الأحيان ومؤدلجة ويتم اختيار نصوص وأناشيد خالية من المعنى ويطالبون الطالب بحفظها فتخيل عذابه وكراهية لهذه اللغة؟ (خذ الكتب المطورة للغة العربية التي تبنتها وزراة التربية والتعليم الآن وتسميها: لغتي الجميلة وراجع بعض الأناشيد مثلا في الصف الرابع التي هي مجرد قوالب لغوية فارغة من المعنى وعلى الطفل حفظها إجبارا فكيف لا يكره لغته غير الممتعه؟! أم هي وسائل الاتصال الحديثة التي تخترع لها ما يناسبها من قوالب لغوية قد تكون اليوم فقط في مرحلة التكوين وعلينا القبول بها؟ أم هي ضريبة الهيمنة الحضارية للغرب مما مكنه من فرض لغته؟ أنا لا أعرف الإجابة ولا أميل إلى تجاهل اللغات الأخرى وممتنة بشدة لوطني الذي مكنني من الدراسة في الغرب حتى أتعلم لغتهم و أفهم بعض علومهم لكنني قلقة جدا من كل هذه الفوضي اللغوية التي تحيط بي وأجد أن اللغة العربية التي هي لغة القرآن ولغة العرب منذ عرفوا أنفسهم كانت قادرة على التعبير عن احتياجات أمم وحضارات بأكملها فما الذي حدث لنا؟.

 

عذرًا.. أنا لا أتحدث العربية
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة