دعوة خادم الحرمين الشريفين للانتقال من مرحلة التعاون في دول مجلس التعاون الخليجي إلى مرحلة الاتحاد بين دول المجلس هي دعوة وقراءة للمستقبل الخليجي بعد الربيع العربي الذي بدأت تظهر نتائجه، والركود الاقتصادي في أوروبا وأمريكا وتنامي النفوذ في دول جنوب وشرق آسيا: الهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية، والاضطرابات المتزايدة في باكستان وأفغانستان وسواحل بحر العرب.

ومن تاريخ العرب القديم يمكن أن نتعلم ونستوعب الدروس عندما كانت الخلافة الإسلامية مسيطرة على أجزاء كبيرة من العالم القديم، حيث هضمت الإمبراطورية الفارسية وهددت الإمبراطورية البيزنطية وقضت عليها فيما بعد, ووصلت الفتوحات الأموية ثم العباسية والعثمانية إلى أواسط أوروبا. ثم كيف انهارت الخلافة الإسلامية في أواخر الدولة العثمانية في الربع الأول من القرن العشرين, وتم تقسيم الوطن العربي إلى خطوط حمراء وزرقاء وأصبحنا كعرب غنائم لفرنسا وبريطانيا وإيطاليا ولم نعرف الاستقلال إلا بعد الحرب العالمية الثانية عندما أنهكت الحروب دول الاستعمار.

كما يمكن الاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي في الحروب الأخيرة: تحرير الكويت وحرب أفغانستان والعراق وليبيا. حيث شكل الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي رأس الحربة في الحروب التي عرفتها المنطقة العربية وأفغانستان...

إذن الكيانات الصغيرة قد لا تكون لها مستقبل في ظل الكيانات الكبيرة والخليج العربي يجمعه تاريخ واقتصاد ولغة وثقافة وهموم واحدة ومشتركة, واندماجه في اتحاد كما في الإمارات العربية والاتحاد الأوروبي سيساعد دوله على تجاوز أزمات مصيرية مستقبلية وأيضا قد يساعد على إنشاء اتحادات وتكتلات جديدة مثل الاتحاد العربي واتحاد حوض البحر الأحمر واتحاد المنظمة الإسلامية واتحاد دول الجزيرة العربية واتحاد غرب آسيا...

الخليج يتمتع بوحدة سكانية وثقافية ويحتاج إلى الاندماج الاقتصادي والسياسي من أجل تحسين أوضاعه وحمايته، كما ذكر ذلك الملك عبد الله تحسين التطوير والإصلاح الشامل وتعزيز الوحدة الوطنية وتطوير التعاون الاقتصادي والأمني والدفاعي وتعميق الانتماء المشترك لشباب الخليج والتأكيد على هويته وحماية مكتسباته... وإذا تأخرنا عن الاتحاد فإن الخليج سينكشف بفعل الضغط والاستهداف والمطامع, بينما يشكل له الاتحاد - بإذن الله - سياجا يحمي كياناته وشعوبه, ولعل الاتحاد الخليجي مقدمه للاتحاد العربي والإسلامي بين دوله, كما هو الحال الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي.