Sunday 25/12/2011/2011 Issue 14332

 14332 الأحد 30 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

حينما يراعي رئيس دولة ما دولاً أخرى لمصالح اقتصادية، على حساب دول أخرى، فهو أمر قد نتفهمه، وحينما يراعي أحدهم مواطنين من أصول عرقية محددة، نظراً لامتلاكهم المال أو الإعلام فهو أمر أيضاً خبرناه ومرَّ علينا كثيراً، لكن أن يقوم رئيس دولة، وفي لعبة سياسية مكشوفة، بالنيل من تاريخ دولة أخرى، فقط للحصول على أصوات لحملته الانتخابية، فهو أمر غريب، فما الذي يدفع السيد الفرنسي المبجل ساركوزي إلى الحرص على إجبار تركيا، على الاعتراف بمذبحة الأرمن عام 1915م، وتجريم من ينكرها؟

لا يمكن لأحد مهما كان، أن يقدّم أعذاراً لأي مجزرة في التاريخ، هذا أمر نتفق عليه تماماً، بل يجب على الجميع الاعتراف بالمذابح كلها في العالم، والاعتذار عمَّا حدث، بل وتقديم التعويضات لذوي القتلى، لكن هناك ظروف تتباين بين مذبحة وأخرى، فلا يخفى على أحد أن ما كان يحيط تركيا آنذاك من بوادر الحرب العالمية الأولى، فضلاً عن ضعف الدولة العثمانية واقترابها من النهاية، ودفاعها ضد الغزو الروسي لشرق الأناضول، ولا نعرف إن كانت فعلاً تضامنت الميليشيات الأرمينية مع روسيا - حسب الرواية التركية- ومع أن كل ذلك لا يبرر وجود مذبحة لأي شعب في العالم، لكن ما هو تبرير السيد ساركوزي - الذي استيقظ بعد ما يقارب مائة عام، كي يركب بغلة التاريخ، لتقوده إلى صناديق الاقتراع مباشرة - لما حدث في الجزائر، لماذا لا تعترف فرنسا بتاريخها الاستعماري والمذابح التي ارتكبتها في الجزائر، بل لمَ لا يكتب السيد بال ساركوزي والد نيكولا، مذكراته في الأربعينيات حينما كان أحد جنود الفيلق الفرنسي في الجزائر، بل ماذا يقول الفرنسيون عمّن قال يوماً «إن الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا»؟ أليس في ذلك إبادة كاملة، ليست لشعب على المستوى الجسدي فحسب، بل إبادة لهوية ودين ولغة وتاريخ؟

أعترف بأن ثمّة خيوط متشابكة للعبة سياسية غامضة، من بينها طموح ساركوزي، إلى فترة رئاسية جديدة، لكن اشتغال إسرائيل قبل سنة تقريباً، على إثارة موضوع مذبحة الأرمن، حينما أثار أردوغان قضية إبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره، هو طرف الخيط الذي استلمته فرنسا مؤخراً، وأصدرت قانونها الجديد الذي يجرّم من ينكر المذبحة الأرمينية التي تتهم تركيا بالقيام بها، ويعاقب المنكر بالسجن لمدة عام، وغرامة قدرها خمسة وأربعون ألف يورو.

حتماً بهذا القانون كسب السيد ساركوزي أصوات ما يقارب نصف مليون فرنسي من أصول أرمينية، لدعمه في حملته الانتخابية القادمة، لكن السؤال الآخر ماذا خسرت فرنسا بذلك التصرف السياسي الخالص، لأنني أجزم أنه لا علاقة له بالجوانب الإنسانية؟

أليست فرنسا هي خامس أكبر سوق للصادرات التركية؟ أليست هي سادس أكبر البلدان المستوردة للبضائع والخدمات منها؟ فليست العلاقات الثنائية القديمة فقط هي ما يشفع لبقاء الود بينهما، بل حتى العلاقات والتبادل الاقتصادي المشترك يبرر أهمية هذه العلاقة.

أحياناً أجد في عدم استخدام الوسائل الدبلوماسية بينهما سبباً في تصاعد حدة الحوار والاتهام، فكلاهما متعجّل في القرار والتصريح، ساركوزي وأردوغان، وهو الأمر الذي لا يمكن قبوله ممن هم على رأس سلطة أي بلد، فكيف ببلدين مؤثّرين، أحدهما مؤثِّر في المنظومة الأوروبية، والآخر مؤثِّر في الشرق الأوسط الجديد الذي ما زال يغلي بثوراته!

 

نزهات
لا تركب بغلة التاريخ يا سار...!
يوسف المحيميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة