Friday 30/12/2011/2011 Issue 14337

 14337 الجمعة 05 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أبو عبيدة: اسمه عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري، واحد من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخيار، وكل الصحابة خيار، كيف لا وهم خير القرون في تاريخ أمة الإسلام، ورفع الله مكانتهم، وبين رسول الله فضلهم عامة وخصوصية أفراد منهم، كأبي عبيدة هذا، الذي سماه رسول الله الأمين، فقد أخرج البخاري ومسلم عن خذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ابعث إلينا رجلاً أمينا، فقال: «لأبعثن رجلاً أميناً حق أمين»، فاستشرف لها الناس، قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح (جامع الأصول لابن الأثير 9-21).

كان من السابقين الأولين للإسلام، وممن عزم الصديق على توليته الخلافة، وأشار به يوم السقيفة، لكمال أهليته عنده، وقال عمر: إنْ أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته، فإن سألني ربي عز وجل لِمَ استخلفته على أمة محمد؟ قلت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل أمة أميناً، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح» (سير أعلام النبلاء: 1-10).

وصفه الذهبي بصفات عديدة، خِلْقِيّة وخُلُقِيّة، فقال: كان رجلاً نحيفاً معروف الوجه، خفيف اللحية، طوالا أحنى أشرم الثنتين، وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة، وكان من زُهده وورعه، كان رجلاً حسن الخُلق، لين الشيمة حليماً متواضعاً، متبعاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، روى أحاديث معدودة، وغزا غزوات مشهودة، وكان ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أحياء بالجنة، ومناقبه جمة مشهورة، (سير أعلام النبلاء للذهبي (1-ص5-7).

أما الزركلي فقد أجمل سيرته بكلمات، عندما قال: الأمير القائد، فاتح الديار الشامية وبلغ الفرات شرقاً، الصحابي أحد العشرة المبشرين بالجنة، قال ابن عساكر: داهيتا قريش: أبوبكر وأبو عبيدة، وكان قبله أمين الأمة، ولد بمكة وشهد المشاهد كلها، وولاه عمر بن الخطاب قيادة الجيش الزاحف إلى الشام، بعد خالد بن الوليد، ففتح له الديار الشامية، وبلغ الفُرات شرقا، وآسيا الصغرى شمالا، ورتب البلاد للمرابطين والعمال، وتعلقت به قلوب الناس، لرأفته وإناثه وتواضعه، وتوفي بطاعون عمواس عن 58 عاماً، عام 18هـ، ودفن في غور بيسان وانقرض عقبه، له في الصحيحين 14 حديثاً، وفي وقعة أحد انتزع بأسنانه نَصْلا من جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار أهْتم. (الأعلام 4-21).

وقد أورد الإمام أحمد بن مناقبه، أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر حديثاً أوردها في مسنده وهذا من مكانته وفضله رضي الله عنه (فضائل الصحابة 2-738 - 743).

ولما هاجر أبو عبيدة إلى المدينة، آخا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي طلحة الأنصاري، وقد أدرك الذهبي مكانته، فكان أول شخص يبدأ بترجمته وإيراد سيرته في موسوعته: سير أعلام النبلاء التي تعتبر من أوسع التراجم في أحوال الرجال.

وقد ذكر ابن الأثير قصته مع أبيه. فقال: لما كان أبو عبيدة ببدر يوم الوقعة، جعل أبوه يتصدى له، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر أبوه تقصّده قتله أبو عبيدة، فأنزل الله فيه: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ} الآية (المجادلة: 22).

وقد كان الواقدي ينكر هذا ويقول: توفى أبو عبيدة قبل الإسلام، وقد رد بعض أهل العلم قول الواقدي كما جاء في كتاب أسد الغابة (3-128).

وقد روى عنه رضي الله عنه من كبار الصحابة: العرباض بن سارية، وجابر بن عبدالله وأبو أمامة الباهلي، وأبو ثعلبة الخُشني وسمرة بن جندب وغيرهم، وقد جاء في كتاب الزهد لابن المبارك: أن عمر بن الخطاب قدم الشام، فتلقاه الأمراء والعظماء، فقال عمر: أين أخي أبو عبيدة؟ قالوا: يأتيك الآن، قال: فجاء على ناقة مخطومة بحبل فسلم عليه، ثم قال للناس انصرفوا عنها.

فأسرّ معه حتى أتى منزله، فنزل عليه، فلم يرفى بيته إلا ترسه ورحله وسيفه فقال له عمر: لو اتخذت متاعاً، أو قال شيئاً، فقال: يا أمير المؤمنين إن هذا سيبلغنا المقيل (أسد الغابة: 3-129).

وعن فراسته وذكائه، وفراسة عمر بن الخطاب، أخرج الحاكم على شرط البخاري ومسلم، أن عمر كتب إلى أبي عبيده في الطاعون: أنه قد عرضتْ إلي حاجة، ولا غنى لي عنك فيها، فعجل إلي، فلما قرأ الكتاب، قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين، إنه يريد أن يستبقي مَنْ ليس بباقٍ، فأجابه بكتاب جاء فيه، إني قد عرفت حاجتك، فحللني من عزيمتك، فإني في جند من أخيار المسلمين، لا أرغب بنفسي عنهم.

فلما قرأ عمر الكتاب بكى، فقيل له: مات أبو عبيدة؟ قال: لا. وكأن قد، فتوفي أبو عبيدة وانكشف الطاعون، بعد ذلك. قال المروزي: زعموا أن أبا عبيدة، كان في ستة وثلاثين ألفاً من الجند، فلم يبق منهم إلا ستة آلاف رجل، وكان في آخر عمره يقول: رضي الله عنه: لودَدْتُ أني كَبشاً يذبحني أهلي، فيأكلون لحمي ويحسون مرقي. (سير أعلام النبلاء 1-19).

وقد تمنى الموت في هذا الطاعون، قال عروة بن الزبير: لما نزل الطاعون بعمواس كان أبو عبيدة معافى مِنْه وأهله، فقال: اللهم نصيبك في آل عبيدة، قال: فخرجت بأبي عبيدة في خنصو بثرة، فجعل ينظر إليها، فقيل له: إنها ليست بشيء، فقال: إني لأرجو أن يبارك الله فيها، فإن الله إذا بارك في القليل كان كثيراً، فقيل إنه انطلق يريد الصلاة، ببيت المقدس، فأدركه أجله بفحل - موضع بالشام- فتوفي بها. (أسد الغابة 3-13).

وقد استخلف على الناس، عندما حضره الموت معاذ بن جبل رضي الله عنه.

وفي المجال الفقهي، والمعرفة بشرائع الإسلام، نرى الكتاني يعتبره واحداً من فقهاء الصحابة، وينقل عنه بعض المسائل الفقهية التي تبين مكانته وقدرته في استظهار الحكم بدليله ففي مسألة القوذ اختلف الصحابة ومن بعدهم في الذمي والمستأمن هل يقاد به أم لا؟ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لا يقتل مؤمن بكافر، وبمثل هذا قال أبو عبيدة بن الجراح وجُملة من الصحابة، حيث قضى بعضهم بتغليظ الدية، أما عمر فقضى في يهودي قتل غيلة، باثني عشر ألف درهم، ومعاوية في رجل ذمي بألف دينار.

ومثل هذا رُوي عن عثمان رضي الله عنه. (معجم فقه السلف 12-18).

وفي الجناية على الحيوان والرقيق: يرى أكثر العلماء: أن على الجاني ما نقص من قيمته بالغاً ما بلغ، فإن كانت الجناية على الدابة في عينها، فقد قضى عمر وعلي والشافعي ومالك: بأنها بربع الثمن وحجتهم ما روى زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم: قضى في عين الفرس بربع ثمنه.

ويرى أبو عبيدة رضي الله عنه: أن جناية العبد على مولاه، وأخذ هذا مالك عندما قال: جناية العبد في ماله، إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فحينئذ يرجع لسيده. (معجم فقه السلف 5-46).

وفي الصلاة على جزء الميت: رؤي أن أبا عبيدة بن الجراح، صلى على رأس، كما روي أن عمر بن الخطاب صلى على عظام، وأبا أيوب الأنصاري، وأبا موسى الأشعري صليا على رجل إنسان. (معجم فقه السلف 3-33).

وفي فضول الأموال: اختط أبو عبيدة منهجاً سليماً، في رعاية أحوال المسلمين بعضهم لبعض، حيث صح عنه رضي الله عنه وثلثمائة: أن زادهم مني، فأمرهم أبو عبيدة، فجمعوا أزوادهم في مزودين، وجعل يقوتهم إياها على السواء. (معجم فقه السلف 3-179)، ومن هذا يلاحظ أن أكثر فقه أبي عبيدة رضي الله عنه يرتبط بما حصر نفسه فيه، وهو الجهاد في سبيل الله حتى لقي ربه.

وفي طبقات ابن سعد جاء هذا الحديث: «إن لكل نبي أمين، وأميني أبو عبيدة بن الجراح».

وجاء عن عياض بن عطيف قال: مرض أبو عبيدة، فدخلنا عليه نعوده، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الصيام جُنة ما لم يخرقها»، وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة غير مرة منها: المرّة التي جاع فيها عسكره، وكانوا ثلاثمائة، فألقى لهم البحر الحوت الذي يقال له العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا نحن رسل رسول الله، وفي سبيل الله فكلوا، فأكل منه الجيش ثماني عشرة ليلة، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنُصبا، ثم أمر براحلة فرُحِلَتْ ثم مرّت تحتهما، فلم تصبهما» أخرجه البخاري وأخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي.

 

رجال صدقوا
أبو عبيدة بن الجراح
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة