ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 03/01/2012/2012 Issue 14341

 14341 الثلاثاء 09 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كنت في طريقي للخروج من البنك وإذْ بي أقابله وجهاً لوجه.. سلّمت عليه وسألته عن سر غيابه الطويل وانقطاعه عنا نحن المجتمع الأكاديمي وعدم زيارته لنا في الجامعة، فقال لي وعلى الفور، بصراحة إنني غير راضٍ عن الجامعة، وعدم تواصلي معكم وانقطاعي عن زيارتها في الأساس قضية مبدأ مبني على قناعة تامة بأنّ ما يجري في جامعتكم من تدريس باللغة الإنجليزية خطأ كبير لا يمكن أن تغفره الأجيال، فأنتم بهذه الطريقة تخسرون العقول وتنفرون الطلاب وتقضون على آمالهم وطموحاتهم، إنكم تجعلون اللغة التي لا تعدو أن تكون مجرّد وسيلة سداً منيعاً أمام جيل بأكمله يتطلّع ويتوق إلى مواصلة دراسته بصورة صحيحة وبعقلية متفتحة.. يأتي إلى الجامعة من حصل على نسبة عالية وما هي إلاّ أشهر معدودة حتى يعلن عجزه ومن ثم انسحابه، فيصير عالة على المجتمع ورقماً جديداً في قائمة البطالة الوطنية، أو أنه يهرب إلى تخصصات أخرى لا يحتاجها سوق العمل، فقط من أجل الحصول على المكافأة ونيْل درجة البكالوريوس في أي تخصص، والأشد والأنكى أنّ البعض رحل من حائل إلى هنا وهناك نتيجة تعنُّتكم غير المبرر، يجب - في نظر الزميل - العودة إلى التدريس باللغة العربية، ولا يمنع هذا ولا يتناقض - وكما هو قوله - من مطالبة الطالب الحصول على الـ TOEHL وعدم منحه الشهادة الجامعية قبل الحصول على 600 مثلاً.. وعلى فكره فإنّ هذا الأكاديمي المتبني لهذا الرأي متخصص باللغة الإنجليزية ويحمل درجة الأستاذية ومتخرّج في أعرق الجامعات العالمية..

طبعاً هذا التوجُّه ليس هو قول الزميل العزيز فحسب، بل هو ما ذهب إليه جمع من الأكاديميين وأهل الاختصاص والدراية والخبرة، وهم في طرحهم هذا الذي أعلنوه في أكثر من مناسبة وعبر وسائل الإعلام المختلفة، يستشهدون بدول عدّة تسابق على الصدارة العالمية، من أسباب تفوّقها العلمي وتقدمها المعرفي اليوم، بعد أن كانت في مصاف الدول المتخلّفة تمسكها بنهج قومي واضح مبني على الاعتزاز والمحافظة على ركائز وثوابت وقيم ومعارف ومقومات التنمية والنهوض العلمي والفكري، ومن بين هذه المقومات بل على رأسها اللغة، إذْ إنّ الإنسان لا يمكن أن يفكر جيداً إلاّ حين تتوافق لغة التفكير الحالية مع لغته الأساسية التي يسمعها ويتحدث بها، بل ويفكر من خلالها طوال عمره وفي جميع مناشطه الحياتية، ولذا عند هذا الفريق لا بد من التخلص من عقدة التدريس باللغة الإنجليزية، ولا يمنع هذا ولا يتنافى في نظرهم، وحسب طرحهم المسموع والمقروء، مع وجود مواد متخصصة مثلاً في المصطلحات الطبية أو الهندسية أو التربوية أو.. حتى يتسنّى للطالب الجمع بين المصلحتين التفكير السليم بلغته الأم والتوظيف الأمثل للمعارف والعلوم العالمية، بإجادته وإتقانه لإطلاق الاسم على المسمّى باللغة الإنجليزية.

شخصياً أعتقد أنّ هذا الطرح يحتاج إلى إعادة قراءة وإجراء دراسة وطنية شاملة ومحايدة، حتى لا تكون اللغة معيقاً للتنمية وسبباً مباشراً في خسارة كثير من العقول الفذّة التي ربما تكون أفضل بكثير ممن استطاعوا إجادة الإنجليزية في السنة التحضيرية.

إنّ التسرب من السنة التحضيرية التي تتسابق جامعاتنا السعودية على تطبيقها، بل والتوسع فيها بشكل كبير، هي أيضاً في نظر البعض من الأكاديميين المعتبرين والكتّاب والمفكرين المتميّزين سنة فرز وجلد وطرد وليست سنة احتواء واحتفاء وتمهيد، وهي ترتكز في الأساس على اللغة الإنجليزية التي لا مكان لها في حياتنا اليومية داخل بيوتنا وفي شوارعنا وملتقياتنا إلاً نادراً، فهي ليست اللغة الثانية المتداولة حتى ترتبط آلية التفكير اليومية مع لغة العلم في غالبية جامعاتنا السعودية، ولذا فهناك، كما يُقال على لسان البعض من هؤلاء، فصلٌ واضح بين الواقع المُعاش والتدريس في قاعة المحاضرات.

إنّ هذه الإشكالية وتلك - أقصد التدريس باللغة الإنجليزية في الكليات العلمية، وإخضاع جميع الراغبين الالتحاق بجامعاتنا السعودية باجتياز سنة تحضيرية تتكئ وبشكل كبير على التفوُّق باللغة الإنجليزية - قد تكون سبباً في السنوات القليلة القادمة لخسارة وطنية واضحة، إذْ إنّ إجادة اللغة ليس شرطاً رئيساً في التميُّز العقلي والتفكير المنطقي وامتلاك القدرة العلمية التي تؤهل هذا الطالب أو تلك الطالبة للحصول على أعلى الدرجات.. إنّ هذا الموقف العارض مع صاحبي الذي أعلن مقاطعته الصريحة والواضحة للجامعة نتيجة هذا السبب الذي قد يكون عند البعض منطقياً ومعقولاً، جعلني أعيد طرح هذا الموضوع مرة أخرى من خلال هذه الزاوية، وأتطلّع مثل غيري إلى إعادة التفكير فيه، خاصة وأنّ اللغة الرسمية للمملكة العربية السعودية هي اللغة العربية، ونحن المرشّح الأول عالمياً للمحافظة عليها فعلاً وليس مجرّد قول، ولكن قبل هذا كله لابد من بناء هذا القرار القاضي بالعودة للتدريس باللغة العربية أو المضي قدماً بما هو جارٍ اليوم، من إجراء دراسة ميدانية موسّعة ومن فريق متخصّص ومحايد حتى نكون على علم ودراية وبصيرة من أمرنا، دمتم بخير.. وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
التحضيرية والتدريس باللغة الإنجليزية في جامعاتنا السعودية.. ضرورة أم ترف
د.عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة