ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 08/01/2012/2012 Issue 14346

 14346 الأحد 14 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

نعم! لا أبالغ ولا أكذب، إنني أستطيع أن أنظر للخلف وأرى الزمن السالف! ليس أنا فقط، بل حتى أنت!

هذا سؤال لا شك أنه دغدغ مخيلة كل إنسان: ماذا لو كنت تستطيع مشاهدة الماضي؟ تخيل أنك ترى مشهداً حياً لبناء الأهرام أو فتح بيت المقدس. أمر شيق أليس كذلك؟ رغم أننا لا نستطيع ذلك إلا أنه بقدرتنا عمل شيء مقارب: فقط ارفع رأسك للأعلى ليلاً. إنك الآن تشاهد الماضي السحيق. كيف؟ إن الضوء أسرع سرعة معروفة. عندما تقف وبينك وبين صديقك مسافة 20 متراً وفي يده مصباح كهربائي أو ما يُسمى «كشاف» ثم يشعل المصباح باتجاهك فإنك ترى الضوء فوراً. لماذا؟ لأن سرعة الضوء 300 ألف كيلومتر في الثانية. لكن ماذا لو أن المصباح على بُعد مائة ألف سنة ضوئية؟ للتوضيح، السنة الضوئية وِحدة مسافة وليست وحدة وقت. كلمة «سنة ضوئية» تعني المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة، وبحسبة بسيطة ندرك أن هذه المسافة تعادل قرابة 9 ونصف تريليون كيلومتر، والتريليون يوازي ألف مليار، أو مليون مليون، أي رقم وعلى يمينه 12 صفراً. هذه مسافة خرافية، ولكن ظهرت الحاجة لهذه المسافات الهائلة عندما تطور علم الفلك، فالمسافات في الفضاء هذه طبيعتها، كما قال سبحانه {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ...} (غافر، 57). الآن لو أن صديقك على مسافة سنة ضوئية وأشعل المصباح فلن يصل لك الضوء إلا بعد سنة. لكن هنا الأمر الشيق: عندما يصل إليك الضوء فإنه وصل لك بعد أن بدأ رحلته منذ سنة. هل أدركت ما حصل؟ إنك الآن تشاهد شيئاً حصل قبل سنة كاملة. وهذا ما يحصل عندما تشاهد النجوم. إن نجمنا الكبير -الشمس- قريبة من كوكبنا، فهي لا تبعد إلا قرابة 150 مليون كيلومتر (فقط!) وهذه المسافة يُسميها علماء الفلك «وحدة فلكية»، فإذا قيل لك إن الكوكب الفلاني يبعد عن الأرض 20 وحدة فلكية فاضرب ذاك الرقم في 20، وهكذا. المهم: لأن الشمس قريبة منا نسبياً فإن ضوءها لا يحتاج إلا 8 دقائق ليصل إلينا. عندما تصل إليك أولى إشعاعات الشمس في الصباح فإنك ترى تفاعلاً نووياً حصل قبل 8 دقائق. لكن - وهنا بيت القصيد- عندما تشاهد النجوم ليلاً فإنك تشاهد أضواءً انطلقت قبل عصور سحيقة ولم تصل إليك إلا آنذاك. باختصار، عندما تشاهد النجوم فإنك تنظر مئات الآلاف من السنين للماضي، قبل أن تُخلق أنت وقبل أن تُخلق البشرية كلها.

لكن: ماذا لو قلت لك إنك الآن تعيش في الماضي؟ لأن كل ما تراه وتسمعه وتشعر به حصل في الماضي. لا أقصد الواضح مثل أنك لوسمعت صوتاً بعيداً فإنه قد صدر قبل ثانية أو ثانيتين، هذه معروفة. بل أقصد دراسة أجرتها منظمة سولك في كاليفورنيا أظهرت شيئاً غريباً. الآن، وأنت تقرأ هذه الأسطر، أريدك أن تلمس أعلى رأسك وقدمك في نفس اللحظة. ماذا حصل؟ شعرت باللمسة في نفس الوقت. لكن كيف؟ أليست القدم أبعد من الرأس؟ ألا يُفترض أن يتأخر الشعور قليلاً؟ هذا يوضح نتيجة تلك الدراسة، والتي أظهرت أن العقل يحتاج 80 ميلي ثانية لكي يضع المعلومات بشكلٍ واضح قبل أن يرسلها لك، أما كلمة «ميلي ثانية» فتعني أننا نقسم الثانية الواحدة إلى ألف جزء وكل واحد من هذه الأجزاء هو ميلي ثانية. للتقريب فإنه يمكننا القول إن هذا شبيه بما يحصل في البث المباشر، فالقنوات عندما تبث مباراة مثلاً فإنك لا تراها مباشرة فعلاً، بل هناك تأخير قدره 3 ثوانٍ، وهذا التأخير موجود عمداً في حالة حصول شيء غير مناسب للبث، فيكون عند مسؤولي المحطة وقت كاف ليقطعوا المشهد غير المرغوب. والذي حصل في مثالنا هو أن العقل استقبل إشارة لمس أنفك ومن ثم استقبل إشارة لمس قدمك بعدها، ولكنه انتظر قليلاً (80 ميلي ثانية أي أطول بقليل من طرفة العين) ليرتب هاتين المعلومتين، ومن ثم أرسلهما إليك في نفس الوقت، فشعرتَ أن اللمستين أتتا في نفس الوقت.

إن العقل صندوق يحوي من الألغاز والغرائب ما لا يمكن حصرها، وكلما تعمقنا في قدراته وعجائبه ازددنا إيقاناً بعظمة الخالق، فسبحان من وهبنا هذه المعجزة.

 

الحديقة
إنني أستطيع أن أشاهد الماضي الآن!
إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة