ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 10/01/2012/2012 Issue 14348

 14348 الثلاثاء 16 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أتذكر صغيرا، وجذعا أن النساء كن يمارسن البيع المتجول من بيت إلى آخر فيما يسمى ببائعات «الفرقنا»، حيث كانت بعض النساء تدور من بيت لآخر حاملة على رأسها بقشة كبيرة فيها كل ما يخص النساء، وكن يدخلن البيوت حتى ولو بها رجال،

وكان من بينهن نساء عرفن واشتهرن بهذه التجارة ولم يكن الرجال في الحي يرون في ذلك عيبا، ولم يكن أحد يتجرأ التقول عليهن. وكانت المرأة في جميع أنحاء المملكة تعمل في المزارع جنبًا إلى جنب مع الرجل حيث كان عملها يعد ضرورة لا ترفاً. فعمل المرأة أمر ليس جديداً أو غريباً سواء بين البادية أو الحاضرة. ولكن دخول النفط على حياة البلاد وتوفر الخيرات بدون جهد يذكر قلل من عمل الرجال والنساء على حد سواء، وظهر ذلك على المرأة أكثر من الرجل، فأقفرت المزارع، واختفت كثير من الصناعات التقليدية لأن أصحابها هجروها للوظائف الحكومية.

اليوم، وفي ظل انتشار الفاقة بين بعض فئات المجتمع التي تجاوزتها الطفرات الاقتصادية المتعاقبة، استمرت المرأة بالعمل في بعض الأسواق التقليدية والموسمية، أو في البسطات وعلى قارعة الطريق دون أن تثير انتباه أحد، لأنها ببساطة، ورغم كونها مهناً شريفة، كانت في نظر البعض ترى على أنها مهن متواضعة تليق بالمرأة. وكثر اللغط هذه الأيام حول عمل المرأة في محلات الملابس النسائية، ليس لأن الأمر غريب أو مستغرب ولكن لأن الدولة أصدرت قراراً رسميا بهذا الشأن فكان الاعتراض يساوي القرار من حيث القوة ومعاكساً له في الاتجاه. والاعتراض لم يستند لأي أمر شرعي بل لمنطق مغرق في التخوف ومن افتراض لاحتمالات والتوجسات لما قد يترتب عليه من أمور مخالفة للشريعة، أي باختصار نوع من الرجم بالغيب. ولو أخذنا مثل هذه الافتراضات لنهايتها المنطقية لحرمنا كل شيء تقريبا في حياتنا بحجج مشابهة وبنسب مختلفة. والأمر الآخر هو أن البعض يعتقد أن إكثار الضجيج حول موضوع بسيط مثل هذا يخدم التهويل والتخويف، والتحوط من إصدار قرارات مشابهة مستقبلا.

المرأة التي تُقدم على العمل هي أبعد ما تكون عن الأمور التي توجس منها بعض المحتجين، لأنها لو كانت كذلك لما أقدمت على العمل أساسا، لأن طرق الفساد لا تمر بالعمل ناهيك عن العمل في سوق مفتوح أمام الملأ، فمن تريد التوسل لأمور أخرى بالعمل لا تحتاج العمل أصلاً، لأن العمل لا يتلائم شكلاً ولا روحاً، ولا طبيعةً مع الأفكار السوداوية التي يدورها البعض في عقولهم بخصوص عمل المرأة. فباختصار الكثير يقدمن على العمل الشريف بدافع الكسب الحلال، ولحاجة لدى الكثير منهن اللائي لا يردن أن يكن عالة على من يعولهن.

جاء الإسلام حدثًا ثوريًا بكل معنى الكلمة، وبكافة المقاييس، ونقل الإنسان نقلة نوعية من حيث ِرفعة خُلقه وحفظ كرامته، وكان الإسلام منهجا قبل أن يكون حدثا، فالإسلام مع كل ما يحفظ كرامة الإنسان وإنسانيته في كل مكان وزمان، أي حفظ كرامة الإنسان، رجل وامرأة، حسب معايير اليوم وليس قياسًا بالأمس. ويجب علينا أن نقر لهذا الإنسان، ذكر كان أو أنثى، بأصالة براءته، وحفظ كرامته، وحسن الظن فيه، وأن نتحرج من أن نسقط عليه من وساوس الشيطان في عقولنا وأنفسنا بأمور شنيعة هو منها براء. ومن أهم أسس العدل في الإسلام أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فالله لا يحمل إنسان خطيئة آخر، ومآل العباد لربهم خير رقيب وخير حسيب عليهم. فليثق العبد أن الهل لن يؤاخذه بأوزار غيره من العباد مما ليس له دور فيه. ولكنه، من الجهة الأخرى، يأثم لو اعتقد خلاف ذلك وأساء الظن فيه، فالإسلام يحذر من بعض الظن السيئ العام ويراه أثم، الظن في أمور بسيطة، فما بالنا بسوء الظن بالآخرين في أغلى ما يملكون، أعراضهم وشرفهم. فمن تغالبه مثل هذه الظنون يكون أما مر بتجارب تبرر مثل هذا الظن، أو أنه يعيش في بيئة تقربها منه؛ وحتى لا نأثم أثم من جنس ما نحذر منه، دعونا نقول إن المعترضين ليسوا من أيا من هذين الصنفين، وأنهم يقدمون على ذلك عن اجتهاد ليس إلا.

وعود على ذي بدء، فإن الاعتراض على ما يبدو ليس على عمل المرأة كمبدأ، بل على طبيعة العمل الذي ستقوم به المرأة. فالمرأة في السابق كانت أمية جاهلة تولد للكد والاستيلاد، وكان دورها بسيطاً بقدر علمها وقدرتها مثلما كان دور زوجها الفلاحة والرعي. لكن الحياة تغيرت والنفط لم يغير فقط الحاجة للعمل، بل أسهم في تعليم المرأة أيضا تعليماً يوازي الرجل، وهذا ما يخيف بعض الرجال من أولئك الذي يرون في المرأة شغالة باسم زوجه، ولم تستوعب عقولهم ونفوسهم بعد دور المرأة كشريكة حياة، والمرأة كإنسان مساوي للرجل في الحقوق والقيمة، لذا بقيت المرأة محور التوجسات المرضية والغيرة القاتلة. ورغم أن مثلنا الأعلى وقدوتنا صلى الله عليه وسلم كان قال لنا «خيركم خيركم لأهله» ألا أن البعض منا لازال ينظر للمرأة من منظار الجاهلية. فكل شيء يزيد عن حده يفيض بضده، والغيرة الدافعة للحب قد تتحول لمرض يدفع للكبت والقتل.

فعلينا أن نعترف اليوم أننا نعيش في مجتمع تعلمت فيه المرأة حتى بزت الرجل في كل علم أتيحت لها فرصة منافسته فيه، فالأصل في الوظيفة الجدارة والاستحقاق لا الجنس. فالذكورة الفيسيولوجية، لا تعني الرجولة والمروءة، ولا تعني حق الوصاية التلقائية. ولدينا اليوم الكثير من القواعد من الرجال الذين يعيشون على رواتب زوجاتهم العاملات، ولا يرون غضاضة في ذلك. ولا يشكك إلا جاهل في أن المرأة المتعلمة لها طموحات، وتطلعات، ونظرة قيمية عالية لنفسها غير نظرة المرأة الأمية الجاهلة لحقوقها لنفسها، وكلما استزاد الإنسان علما زاد احتراما لذاته، وزادت رغبته في المشاركة في تحديد مصيره. فالمرأة المتعلمة اليوم لا تبحث عن عطف الرجل وعاطفته فقط، بل تبحث أيضاً عن اعترافه بحقوقها، وعن تقديره لها ليس لكونها أنثى بل لكونها إنسان فعال ومنتج. ويجب ألا نستكثر ذلك منهن.

وعجبي من الرجل عندما يشتكي ويولول طالبا احترام ذاته ومؤهلاته وأن يسمح له بالاستفادة من مؤهلاته، وأن تتاح له الفرص كاملة مستوفاة، ويبرز بمناسبة وغير مناسبة إنجازاته وألقابه، بل إنه قد يتبجح أحيانا بما ليس له وليس فيه، وهو لا يعرف أن ذلك ليس إلا إعلاء لقيمته، ووسيلة لإثبات لذاته، ومع ذلك فهو ينكر ذلك لزوجته، وأخته، وقريبته، وشقائقه من نساء مجتمعه المؤهلات التأهيل ذاته؛ بل ويسوق لذلك مسوغات ومبررات لا يقبلها عقل ولا دين، من فضائل القعود في البيت، وترتيب السرير، والإنجاب، وتربيتها الأطفال بينما هو يستعرض رجولته في استراحة أو مسيار. والأولى بالرجل أن ينظر في نفسه وفي خُلقِه، وأن يبرز شهامته ومروءته في إحسان الظن بأخته العاملة وتشجيعها والاحتفاء بها، وإلم يكن ذلك ممكنًا فلا أقل أن يكفها شره وأذاه، وأن يغض عنها بصره، فهو المشكلة وهو الحل.

النفط لن يعمر معنا، والنظر لشريعتنا السمحاء بمبدأ سد الذرائع من خلال خيرات النفط قد يضرنا ولا ينفعنا، فقد يأتي يوما نعمل فيه رجالا ونساء بكل طاقاتنا ولا نجد ذلك كافيا لسد الاحتياجات التي أوجدها النفط في حياتنا. إن ما نمارسه من قيود ومحظورات على مجتمعنا من قبيل أبواب ليست من صميم ديننا، ولكن من قبيل التكهنات لا يراها إلا نحن، بينما هي في حقيقتها ذرائع، أهدتها لنا حياة النعمة والرخاء التي تدفقت على الكثير منا بدون عمل حقيقي، وأتاحت لنا الوقت الذي نتخيل فيه كل هواجسنا. فالشعوب الأخرى التي دفعت المرأة للعمل ليس أغبى منا، ولا أقل معرفة بأهمية تربية الأطفال، ولا أقل غيرة على نسائها ولكن رجالها يمارسون عمل الرجال الحقيقي في المصانع والحقول، بينما تمارس النساء أعمال المكاتب والمقاعد الوثيرة التي يمارسها رجالنا. والله من وراء القصد

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif
 

قيمة العمل للمرأة
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة