ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 11/01/2012/2012 Issue 14349

 14349 الاربعاء 17 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

شاركت مستمعاً ومتتلمذاً لنخبة متميزة من مثقفي ومثقفات بلادي العزيزة على مدى ثلاثة أيام، اعتباراً من 1-4-2-1433هـ الموافق 26-30-12-2011م، بمدينة الرياض برعاية معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز محيي الدين خوجة، حيث انعقد الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين بمركز الملك فهد الثقافي الذي نظمته وزارة الثقافة والإعلام. وقد تناولت محاور النقاش مواضيع شتى أكتفي بمحورين منها وربما أتعرّض إلى بعضها باختصار نظراً لعلاقتها بالإعلام.

1 - المحور الأول: الشباب والطفل والإعلام (التربية والتعليم أولاً):

ألقت الأستاذة هند محمد الحسين ورقة بعنوان «ثقافة الطفل السعودي وتجسيد حكاية ثوب الإمبراطورية»، استعرضت فيها واقع ثقافة الطفل السعودي من خلال نتائج استبيان قامت به، ثم تحدثت عن واقع العوز الثقافي لدى الطفل السعودي وأسبابه، وهو واقع غياب ممتد ونزعة استهلاكية أو انغماس استهلاكي، وعدم قدرة المظاهر الثقافية على منافسة وسائل الترفيه المتاحة، وحالة الغياب الإبداعي... إلخ.

كما ألقت الدكتورة وفاء إبراهيم السبّيل ورقة بعنوان «ثقافة الطفل»، تعرضت فيها للتحديات التي تواجه الطفل كالمنافسة العالمية والعولمة والتغيرات السياسية المتسارعة التي تواجهها الدول العربية وأثرها على المجتمع العربي، والتغيرات الاقتصادية العالمية، وتلك الاجتماعية المصاحبة للتغيرات السياسية والاقتصادية.

أما الدكتورة هند خالد الخليفة فقد ألقت ورقة بعنوان «الثقافة والإعلام والطفل في المجتمع السعودي - وقفة تأمل».

ولما كان الإعلام والتعليم صنوين، وقد سبق التعليم الإعلام في العالم كله في تشكيل شخصية الطفل، فقد يكون مناسباً التحدث عنه في هذا المقال من خلال عرض كتاب «أي بُنيّ» للدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر (3 أجزاء) والذي نوّهت به في مداخلتي في جلسة «ثقافة الطفل» يوم الأربعاء الثالث من صفر 1433هـ.

قدم الدكتور الخويطر لكتابه بمقدمة قرّر فيها أن فكرة هذا الكتاب مستقاة من عمود بجريدة الجزيرة بدأ كتابته في يوم 13 رمضان عام 1388هـ، تم وضعه في كتاب «من حطب ليل» عام 1398هـ قبل أن يكون له ابن.. قاصداً أبناء الجيل آنذاك الذي نشأ بعد جيله، ولم ير ما لم يره هو وأترابه ولم يعاني ما عانوه، معللاً ذلك لفتح نافذة ليطل ذلك الجيل منها على عالم غير عالمه، «سبق عالمه في الزمن، وغايره في كثير من مظاهره. ثم يعود بنظره مرتداً إلى حاضره، فيتبصّر ما هو فيه، ويقارن ليرى الفرق الكبير، والبون الشاسع، ليجده في الغالب في صالحه»(1).

ويستطرد المؤلف قائلاً: «وتعمّدت أن أذكّره بنعمة الله عليه، وعلى جيله، وما يجب عليه من الشكر له، سبحانه وتعالى، لتدوم النعمة، وتربو، وأمّلت أن يقدّرها حق قدرها، وأن يُغْليها، وأن يُحْسِن استخدامها، والاستفادة منها. ورَسَمَتْها له صرحاً شامخاً بُني بتعب، وأُقيم بجهد، وبعرق جبين مِمّن سبق جيله...». (2).

ويربط الكاتب بين الماضي الخالي من الاختراعات والحاضر المليء بالاختراعات المتلاحقة التي بدأت ببطء أولاً ولكنها تسارعت فيما بعد حتى أصبحت «رِيَش» عجلتها «لا تُرى من السرعة في الدوران. وانفصل الجيل عن الجيل أو كاد و»الْتهى» الجيل الجديد بملاحقة الاختراعات ومتابعتها، [في محاولة لهضم] (*) ما تلده معاملها ومصانعها، وأن يهنأ ويلتذّ بمكتشَف أو مخترَع. سار خلف هذه الاختراعات لاهثاً، لا يكاد يجد فرصة لالتقاط أنفاسه، وسماع صوت الجيل الماضي، وهو يناديه، أو ينصحه، أو يؤنّبه، أو يبكّته، أو يحذّره، أو ينصحه، أو يتمتّع بوجوده معه... إلخ»(3).

هكذا خاطب وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ومدير جامعة الملك سعود (سابقاً) الجيل الراكض اللاهث، «ليقف ويلتفت خلفه، ويرى ما كان عليه أبوه، بمحيطه وآلاته ومعدّاته ودوّابه ومساكنه وعاداته، بأفراحه وأحزانه، بآلامه ومتعه، بوجده وعدمه، بتفكيره وانطباعاته، ويقارن بين ما كان والده عليه وما هو نفسه عليه، ويقول لما حباه الله به: «الحمد لله رب العالمين»(4).

ومن هنا ندرك أن «ثقافة الطفل التربوية» عند الدكتور الخويطر إنما تعني ثقافة الشباب التربوية - أيضاً - فالجيل هو الطفل والشاب مؤنثاً ومذكراً جنباً إلى جنب وإن لم يتسنّم معاليه منصب تعليم للبنات فيمكن هنا التعميم للجنس. ولا شك أن خبرته ساهمت في تكوين هذا الفيض الأبوي عنده فقد كان مديراً لجامعة الملك سعود (الرياض سابقاً).

وقد استخدم الأسلوب القصصي لأنه صورة لمجتمع يودّ أن يكون رسمه صادقاً له، «وقد تكشف القصة ما يكمن خلف ما تركته من أثر في بعض الأحيان على تصرفات الناس، لأن بعضها دخل في نطاق تربية الطفل»(5) مثل قصة أم العنزين التي تمثل الخير والشرّ.. والسعلوة، ويقابلهما في أفلام الكرتون الحديثة «ميكي ماوس» و»مايثي قوس» و»توم آند جيري».

ويتكون الجزء الأول من فصول مقارنة القديم بالحديث المُنَاظِر له، مثل: الموقد والمطبخ، الجمل والسيارة، الكابون والطشت والغسالة، الجادّة والزقاق وخط الأسفلت، خبز التنور والصامولي... إلخ. ويقع في (386) صفحة ملحق مصور عن أحياء وأدوات وأجهزة الماضي.

أما الجزء الثاني فلم يذكر الدكتور الخويطر مصادر بعض المعلومات الخاصة بالتراث في الأدب العربي، كما فعل بالجزء الأول خوفاً من أن يجفل الشباب منه ويعتبرونه كتاباً أكاديمياً، حيث إن وضع المصادر في الهوامش يُخْرِجْه عن «عفويته» ويبعده عن حديث المجالس الذي وعد به.. لكنه اختار بعضاً من تلك الكتب التي تتسم بالبهجة وتكون في متناول الشباب في المكتبات وفيها روح الفائدة المُقْنِعة «تحت قناع الفكاهة ما أمكن، رغبة في اجتذاب الشباب، وتعريفهم بتراثهم، أملاً في مساعدتهم له، وهو «طُعْم» - أرجو - على حد تعبيره - أن يفيد في جذبهم إليه»(6).

ويتميز الجزء الثاني، كما ورد في المقدمة - بقصص عن الخلفاء الراشدين والعصرين الأموي والعباسي، ولكن هناك بعض القصص المنتحلة وقد بين المؤلف أسباب انتحالها.

ويتضمن هذا الجزء الحديثَ عن: النخلة، النبات، الصحراء والقرى والمدن، الخيل، الأعياد، الجراد، وملحقاً مصوراً عن الكُتّاب، السقّا، الفِلاَحة، ويقع في 378 صفحة وبخط كبير ليقرأه كبار السن - أيضاً - كما صرّح المؤلف، ولعله يقصد بذلك إدخال السرور لهم - أيضاً - لأنه أنصف جيلهم وأيامهم الخوالي، فلّله درّه!!

ويعتبر الجزء الثالث موجهاً للشباب - بصفة خاصة - الذين شبّوا عن الطوق، والذين هم في أواخر المرحلة الثانوية وفي المرحلة الجامعية، بحسب طرح القضايا والمواضيع التي تضمّنها الجزء - في رأيي - فالأمر يتعلّق بجوانب الحضارة التي يتلمّس المؤلف طريقه إليها برفق لكيلا يبدو فيما يدعو إليه واعظاً فيبني أسواراً حصينة بينه وبين الشباب في كثير من الأحيان.

اهتم الدكتور الخويطر بأمر «الإعارة» التي كانت سائدة في الماضي وتسير على قدم وساق واضمحلّت كثيراً إلا بين الأقارب أو المعارف في أضيق الحدود مما كان قائماً. كما حمد الله على «رفع صورة المهابيل والمعتوهين» من المجتمع، «وما أصبحت عليه في زمننا نعمة يجب أن يدركها أبناء اليوم، ويحمدوا الله على ارتفاعها من المجتمع، فقد كانت كلفاً يشوّه صفحته، ونُدْبَةً تَخْدِشُ عِزّته...»(7).

ومما يدل على تتبع أطوار نمو «الأبناء» عند المؤلف ضرورة أن يعي الأبناء معنى أهداف الجزء الثالث الرئيسة، وهي التعريف ببعض الإنجازات الوطنية كالتعليم والصحّة وبناء الطرق والجسور والمطارات والموانئ، لمقارنة الحاضر بالماضي(*). ولم يغفل المؤلف دور الحروب التي عصفت بسكان المدن والبادية حيث كانت لها صور مصغّرة، بين الصغار في الأحياء المختلفة في المدينة المنورة... إلخ.

وتناول في حديثه النشاط واختلافه بين الماضي والحاضر، وحمّل الآباء مسؤولية تربية أبنائهم اليوم، وما قد يوصل هذا الضرر إليهم إذا لم يتداركوهم، بحيث يجب تداركهم لئلا يكون هناك تمرّد لفظي بذيء بدلاً من الكلمة الطيبة الجميلة.

إن هذا الجزء يتميز بطبيعة عقلية لغوية يتذوق فيها القارئ طعم التخصص اللذيذ، «فالمعاجم اللغوية للقارئ الناشئ مهمّة، ويفيده أن يعرف عنها»(8).

وبالنسبة لفحص التراث ومحتوياته، فلابد للشباب من نافذة يطل عليها إليه من خلال النقد المفيد - على حد تعبير الدكتور الخويطر - «فلا يأخذ كلما يجد مسلماً، ولا يرفضه، وإنما يخضعه لأداة فحص دقيقة، وبوتقة متقنة»(9).

وهناك مقاييس تمكّن الشاب لذلك هي:

1 - اعتماد الفكر والذوق فيما يقرأ.

2 - التنبه لبعض العوامل التي تلوّن الخبر عمداً فتشوّه التراث كالشعوبية، والمذهبية، والعنصرية، والعداوة الشخصية... إلخ.

3 - الوضع والنحل.

4 - الافتئات.

5 - التلفيق والتشويه.

6 - الإضافة والحذف.

7 - الأخطاء اللغوية والتمادي فيها والتهاون تجاهها.. وهذا الأمر في نظر المؤلف «جناية مستمرة على اللغة العربية»(10) (**).

8 - الجدل العقيم.

وعود على بدء فإن القضية الحضارية هي محور هذا الجزء وملمحه الرئيسي، يتناول فيها المؤلف بشيء من التفصيل صفات هذا الملمح السامي في الإسلام الذي نعمل به ولا نبرزه لغيرنا لأنه من المسلمات وقد لا أتفق معه هنا، فالله تعالى يقول: (وأما بنعمة ربّك فحدّث) ولكن أتفق معه بعدم إبراز ذلك الملمح السامق إذا كنت في دارهم فنداريهم وإن كان الاستفزاز كثيراً ما يحملنا على الردّ ولكن كظم الغيظ وأدب الحوار فيهما فسحة امل، فالله يقول: (وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) سبأ- 25. أما الحجة البالغة فتتمثل في قوله: (قل فلله الحُجَّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين). الأنعام-149.

ولكم أعجبني ما نوّه به المؤلف من تميزنا ببر الوالدين وصلة الرحم ورعاية الجار... إلخ، وإن كان هناك صفات إنسانية أيضاً - تمتاز بها المجتمعات الإنسانية بشكل أو - آخر كل بحسب واقعه ومحيطه.. وإنَّ ما يمكن أن يكون مثالياً للمسلم الحق هو سلوكه في القول والعمل لأن الإسلام دين متكامل في منهجه، وعقلاء وحكماء الغرب أنفسهم يسلّمون بذلك.. ولننظر إلى أحدهم وهو الفيلسوف «ليو تولستوي» الذي يقول: «سوف تسود شريعة القرآن العالم لتوافقها وانسجامها مع العقل والحكمة».

يقع الجزء الثالث في 378 صفحة بفهارسه كلها، ويحتوي على ثلاثة فصول هي: فلذات الأكباد، وإذا مرضت فهو يشفين، الحاوي وما يحويه.

وأخيراً لمكانة الأبوين في المجتمع المسلم، هلاّ فكّر ابن أو بنت في توجيه الخطاب إلى أبويه، ليس كما فعل جبران خليل جبران الذي تعتبر رسالته إلى أمه آية في الإبداع الأدبي والذوق الرفيع، ولكن بأسلوب الدكتور الخويطر، أي بتمنّي لو رأى الأبوان وعاصرا هذه الأيام الزاهية فلم يعانيا شظف العيش وقسوة الحياة؟! إنه سؤال واستفزاز لطاقات هائلة لأدبائنا المرهفي الحسّ وإنّني اعرف منهم من هم أفضل مني.. فقد كتبت مقالة «وطني هو أمّي»، وكل ما في الكون يقول: أمي.. حتى الطفل المولود حينما يخرج من رحم أمه أول ما ينطق يقول كلمة: ما.. ما.. ما.. فيالروعة النداء.. يا أمي.. وما أجمل حنوّك.. وما أجلّ جَـلَدك يا أبي.. إنه الدعاء لكما بالرحمة والغفران والثواب وحسن الأجر ولله عاقبة الأمور.

الحواشي:

1 - د. عبدالعزيز عبدالله الخويطر، أي بني، ج1، طب 3، مطبعة سفير، الرياض، 1410هـ - 1990م، ص 3.

2 - السابق، ص 4.

3 - السابق، ص 8-9.

4 - السابق، ص 9.

5 - السابق، ص 9-10.

6 - السابق، مقدمة الجزء الثاني، ص-ج.

7 - السابق، مقدمة الجزء الثالث، ص-هـ.

* لعله من المناسب إضافة مواكبة أن الإعلام السعودي بكافة قنواته واكب خطط التنمية ومن أهم الإنجازات توسعات الحرمين الشريفين في عهد الملوك عبدالعزيز وسعود وفيصل وخالد وفهد يرحمهم الله وعبدالله أطال الله في عمره وقد بلغت توسعة الحرمين الشريفين في عهدي خادمي الحرمين الشريفين فهد وعبدالله أرقى مستوى حضاري من حيث الأخذ بالاعتبارات البيئية. (الكاتب).

8 - السابق، مقدمة الجزء الثالث، ص-ط.

9 - السابق، مقدمة الجزء الثالث، ص-ل-م.

10 - السابق، مقدمة الجزء الثالث، ص-ن.

** يقترح أستاذنا الدكتور محمد العيد الخطراوي إنشاء «شرطة لغوية» لتطبيق جزاءات على مرتكبي الأخطاء اللغوية خاصة في لافتات المحلات التجارية. ولكاتب هذا المقال بحث في «اللغة والاقتصاد» ألقاه في ندوة «اللغة والإنسان» بنادي جدة الأدبي الثقافي قبل حوالي ستة أشهر أحصى فيه أحد عشر خطأً في كتاب د. حسن إبراهيم حسن (تاريخ الإسلام- ثلاثة أجزاء) بإحدى عشرة آية قرآنية.

 

محوران من محاور ملتقى المثقفين السعوديين الثاني وانطباعات أخرى.. - 2 -
عبد المؤمن عبدالمؤمن القين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة