ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 14/01/2012/2012 Issue 14352

 14352 السبت 20 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لم يكن مصطلح الثورة جديداً على أمة العرب، فقد ارتبط تاريخهم الطويل بكل ما تعنيه كلمة الثورة، وكان الإسلام في مراحله الأولى بمثابة الثورة على الواقع العربي آنذاك، لتتوالى الثورات الأصغر بحثاً عن العدالة والمساواة التي بشر بها الدين الحنيف، فكان الخروج ضد الخليفة الثالث رضي الله عنه، لتليها ثورة الخوارج ضد الإمام علي بحثاً عن المستحيل في العدالة، وتستمر ثقافة الثورة في العصر الأموي، والتي وصلت إلى أوجها في مقتل الحسين في كربلاء، وصلب زيد بن علي، وثورة عبدالله بن الزبير وثورة المختار الثقفي، وثورة عبدالرحمن بن الأشعث وغيرها من الثورات في عصور بني العباس، ولعل أشهرها ثورة الزنج، ناهيك عن الانشقاقات الفكرية، والتي خرج منها عشرات الأفكار الجديدة، والتي لم تتوقف عن الخروج إلا بعد سقوط الدولة العربية على يد الأتراك العثمانيين.

***

وبعد مرور قرون، عاد العرب ليعيدوا ثقافة الثورة في التاريخ العربي، وليعلنوا بدء الثورة ضد الأتراك العثمانيين من أجل كيان عربي مستقل، ويُرفع العلم العربي ذي الألوان الأربعة، وكان العلم الجديد يتألف من مثلث أحمر اللون تلتصق به ثلاثة ألوان أفقية متوازية هي الأسود في الأعلى متبوعـًا بالأخضر في الوسط والأبيض في الأسفل، وتشير الألوان الأفقية المرفوعة إلى شعارات رفعها العرب قديما: (الأسود: الدولة العباسية) (الأخضر: الدولة الفاطمية) (الأبيض: الدولة الأموية)؛ أما الأحمر فيشير إلى الثورة، وقد جمع العلم في ألوانه الأربعة رموز الاستقلال والتاريخ العربي في كل الأزمنة، لكن ذلك لم يكن زمن انتهاء عصر الثورة عن العرب، فقد استمروا في نضالهم ضد المستعمر الغربي بعد ذلك، فكانت ثورة المليون الشهيد في الجزائر رمزاً خالداً لثقافة الثورة في تاريخ العرب والبربر المسلمين، وكانت النتيجة استبداد جديد من ذوي القربى.

***

لذلك لم يكن عام 2011 استثناء في تاريخ العرب، لكن ربما تكون سنة الحصاد الأخير في مسيرة العرب الثورية منذ 15 قرنا، لأن الثورات العربية الحالية خرجت من رحم الشعوب لا النخب، وهوما يخالف نهج الثورات القديمة، فكانت حاسمة بكل المقاييس في بعض الدول، ولا زال بعضها يعاني في دول أخرى، لكنها في طريقها للحسم، فالتاريخ العربي الحديث ولأول مرة كتبه رجل الشارع، وليس العسكر أوالنخب الدينية أوالثقافية، لذلك سيكون من الصعب إعادة إنتاج الاستبداد من خلالها، مثلماكان الحال في تاريخهم الطويل، والذي كان عادة ما يبدأ بإعلان للمبادئ الجديدة، لكنه سرعان ما يعود إلى سابق عهده ،ويمارس الاستبداد والتسلط كيفما يشاء، لذلك أفهم ما يحدث من توجس في مصر وتونس، فالخوف من الثورة المضادة لايزال يسيطر علي الجو العام، والباب الخلفي لم يُغلق بابه للأبد.

***

ولهذا السبب أيضاً سيكون العامان القادمان حاسمين في الصراع بين ثقافة التسلط وحقوق الإنسان في العالم العربي، وما يحدث يعد بالفعل سابقة في العقل العربي، والذي صار يُدرك ثقافة الاستبداد وأشكالها وألوانها المختلفة، ولم يحدث ذلك لولا ثورة الوعي الإنساني في التاريخ الحديث، وسيلي نجاح الثورة في سوريا ثورات أخرى، وسيكون الإخوان المسلمون الرابح الأكبر في المرحلة القادمة، لكن نجاحهم سيكون مرهونا بما يحققونه من نجاحات في الاقتصاد والحريات، وإن كان بعض المراقبين يتوقعون أن يكون العهد القادم آخر عصور الأيدولوجيات، بعد أن يخسر المؤدلجون قاعدتهم الشعبية، والتي ستكتشف أنهم غير قادرين على إدارة الحياة في الأوطان، وأنهم لن ينجحوا في مهمتهم ما داموا يعتقدون أنهم رمز الفضيلة والخير في المجتمع والآخرون الرذيلة والشر، وتلك مسألة ستحسمها الأيام القادمة.

***

لكن السؤال المهم : هل وصل الوعي الشعبي العربي أخيراً إلى معاني الثورة الحقيقية في تاريخهم الثوري الطويل أم أن الاستبداد قدر عربي لا مفر منه!، لكن الأهم هل يحتاج العرب إلى ثورة من أجل التغيير إلى الأفضل، أم بالإمكان تجاوز الفساد من خلال الإصلاح والتغيير؟، وقد يصح ذلك، لكن المتفق عليه أن آلية الاستبداد لا يمكن أن تنجح في وقف قرع طبول الثورة.

 

بين الكلمات
سنة أولى ثورة..
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة