ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 15/01/2012/2012 Issue 14353

 14353 الأحد 21 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

- يبدو أن مصطلح (ثقافة)، أخذ يحل محل مصطلح (الأدب) بشكل تدريجي، فالأولون الذين عرّفوا الأدب، بأنه: (حفظ أشعار العرب وأخبارها، والأخذ من كل فن بطرف)، كانوا يحاكون واقع عصرهم، غير عابئين بما ومن يأتي من بعدهم، إلا أن هذا التعريف المُحَدِّد،

لم يعد صالحاً في زمن التنوع المعرفي، ولا يعطي الدلالة الكافية لمهام ورسالة الأديب والمثقف في المجتمع المعاصر.

- على أن الثقافة في حد ذاتها، هي كما ترى (ويكيبيديا الموسوعة الحرة): كلمة عريقة في اللغة العربية أصلا، فهي تعني: صقل النفس والمنطق والفطانة. وفي القاموس المحيط : ثقف ثقفًا وثقافة: صار حاذقًا خفيفًا فطنًا، وثقَّفه تثقيفًا: سوَّاه، وهي تعني: تثقيف الرمح، أي تسويته وتقويمه.

- وفي العصر الحديث، استُعمِلت الثقافة للدلالة على الرقيّ الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات، فالثقافة ليست مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظريٌة في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالاً، وبما يتمّثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعبٌ من الشعوب، وهي الوجوه المميّزة لمقوّمات الأمة التي تُمَيّزُ بها عن غيرها من الجماعات، بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدّسات والقوانين والتجارب. وفي الجملة؛ فإن الثقافة: هي الكلُّ المركَّب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات. وعلى هذا الأساس؛ تقول (الويكيبيديا): يمكن استخدام كلمة (ثقافة)، في التعبير عن أحد المعاني الثلاثة الأساسية التالية:

1 - التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يعرف أيضا بالثقافة عالية المستوى.

2 - نمط متكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي.

3 - مجموعة من الاتجاهات المشتركة, والقيم, والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما.

- والمصطلح نفسه: (ثقافة)؛ يبدو كذلك وكأنه فضفاض إلى درجة تجعل منه ذلك الجدار الواطيء، الذي يستطيع كل من هب ودب أن يرتقيه، وأن يصبح جزءًا من مكوناته برضاه أو بعدم رضاه، وهذا ما أضعف بنيانه، وهتك أستاره، وأطمع في حياضه.

- لا شك أن المصطلح استوعب المستجدات المعرفية على شموليتها وتنوعها، لكنه لم يتحرز ضد انتهاكه واستغلاله من قبل بعض المحسوبين عليه، وهم الأسوأ بضاعة في سوقه، والأضعف صوتاً في جنباته، والأبهت صورة في مشهده.

- من هنا نستطيع فهم بعض ما يجري على ساحتنا الثقافية اليوم، من نتوءات مشوهة، وصور مقززة، وانتهازيات بشعة، ليس لها من غايات نبيلة، ولا أهداف سامية، وإنما تقوم على عداوات شخصية، وأضغان وأحقاد نفسية، وتصفية حسابات بين طرف وآخر، حتى لو تطلب الأمر، تذويب الأنا، وتلاشي الذات، والتضحية بقيم وأخلاق، يُفترض أنها من صلب رسالة المثقف، ثم التسلق على أكتاف الكبار والعمالقة، وتشويه أكثر من صورة في المشهد الثقافي، لترضى بذلك الذات المريضة، وتصل بالتالي إلى نشوتها في حضور ثقافي أبله، لا يملك أي قدرة على العطاء أو الإضافة، وإنما يملك شيئاً واحداً، هو إجادة دق المسامير، في نعوش جنائز جديدة بين المثقفين.

- ما حدث في عدة أندية أدبية وثقافية مصاحباً للعملية الانتخابية، ومن بينها وليس آخرها: نادي المنطقة الشرقية، ثم نادي مكة المكرمة، ثم فرية بهو الفندق في (الماريوت) قبل عدة أيام، هذه كلها جنائز للمثقفين، لا جوائز لهم..! رقص عليها أهلها؛ قبل أن يرقص عليها المتربصون من الطرف المقابل من الشامتين والفضائحيين. كأن ثقافتنا لا تكتمل، إذا لم تشهد جنائز نشبع فيها لطماً، وهذا بفعل الدخلاء على المشهد، الذين حسدوا الأعور على كبر عينه- كما يقول المثل- فجاءوا إلى ساحته المستباحة متهارشين، بما يحذقون من طرق قوامها: الكذب والتدليس والرشوة والتزوير، ضاربين عرض الحائط، بكل الأخلاقيات والقيم والسلوكيات الحضارية التي تميز المثقف، وتوجب عليه مسئوليات واستحقاقات إنسانية وأدبية واجتماعية، تمثل في مجموعها، رسالته السامية في الحياة.

- إن الأدباء والمثقفين، ليسوا ملائكة ولا معصومين. إنهم بشر، فيهم خير وشر، ويصيبون ويخطئون، فنخبتهم التي كانت، أطفأتها تخمتهم. قال الشاعر:

ليس يزدان بالألقاب حاملها

إلا إذا ازدان باسم الحامل اللقب

ومن لا تشرفه في الناس همته

فلا تشرفه الألقاب والرتب

- وربما صح أن يكون لكل زمان أدب وأدباء، وثقافة ومثقفون، فإذا بصر بعض الزمانيين بمستويات هابطة في محيطه، جاز له أن يستشهد بقول الشاعر:

عفاءٌ على هذا الزمان فإنه

زمان عقوق لا زمان حقوق

فكل رفيق فيه غير موافق

وكل صديق فيه غير صدوق

- سوف لن تتوقف جنائز المثقفين عند عتبة (الماريوت)، وعلى الشامتين والفضائحيين من أولئك المتربصين، وكذلك من الراقصين على حبال الثقافة من المثقفين أنفسهم، أن يستعدوا لجنائز قادمة، ليسعد هؤلاء وأولئك جميعهم، باللطم فيها، والعويل عليها، فلا عزاء بعد اليوم، لمن استحق هكذا جزاء.

assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com
 

جَنائِز (المُثقفين)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة