ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 20/01/2012/2012 Issue 14358

 14358 الجمعة 26 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بتعاون الإخوة في إندونيسيا، الذين فتحوا لنا قلوبهم، أخذنا نبذة عن جماعة المهتدين في واحدة من أكبر جزر إندونيسيا، وأكثرها كثافة سكانية، وهي «يوكجاكرتا»، فطرحنا سؤالاً: متى دخل الإسلام هذه البلاد؟ فكانت الإجابات متفاوتة؛ فمنهم من نسب هذا للرحلات التجارية،

والاتصال بمن أسلموا من العرب الوافدين لبلادهم وبالهجرات البشرية، إلا أن الشعب كان عاطفياً، ويتأثر بمن جاء حاجاً من الديار المقدسة (مكة والمدينة)؛ فدخلت عندهم الصوفية، ولكثرة الجزر فإن فيها وثنيين ومن فِرَقٍ شتى.

إلا أن عام 1218هـ قد أحدث نقلة كبيرة، بعدما دخل مكة المكرمة الإمام عبدالعزيز بن سعود، وزاول أموراً سلفية؛ فتركت أعماله في النفوس أثراً عميقاً؛ لأن الشعب عاطفي، ويميل للتديُّن؛ فتأثروا بما نقله الطلبة الذين قدموا للحرمين بمكة والمدينة للدراسة والتزود من العلم الشرعي، كما قال أحمد عبدالغفور عطار؛ إذ وجدوا أناساً كان لهم فضل في إزالة السمعة السيئة عن الدعوة السلفية الإصلاحية التي قامت في الجزيرة، أداها هؤلاء الطلاب الذين وفدوا إلى مكة والمدينة بقلوبهم المتفتحة، ولم يكونوا من بلد واحد، بل من مختلف ديار المسلمين: من إندونيسيا والقارة الهندية وغيرها (ينظر كتاب عن الشيخ محمد ودعوته ط4 ص200 - 201).

وفي موطن آخر يقول: لم تقف آثار الدعوة السلفية على الهند بل تجاوزتها إلى جاوا، وأقصى الجزر الهندية الشرقية، التي عُرفت الآن بإندونيسيا، ولكنها حُوربت من الاستعمار الهولندي، ومع ذلك انتشر الإسلام انتشاراً عظيماً.

ثم يذكر عن السيد آرنولد في كتابه الدعوة الإسلامية أنه في عام 1803م - 1218هـ، وهو العام الدخل فيه الإمام عبدالعزيز بن سعود مكة مع رجاله، وهدم ما بني على القبور، ونشر العلماء الدعوة السلفية، قال في هذا العام رجع ثلاثة من جماعة الحاجي من مكة إلى وطنهم «سومطرة»، وكانوا أثناء وجودهم في المدينة المنورة قد تأثروا تأثراً عميقاً بالحركة الوهابية التي قامت لإصلاح الإسلام؛ فأصبحوا الآن يتوقون إلى أن يدخلوا تلك المبادئ والإصلاح بين مواطنيهم، وإلى أن يبثوا فيهم حركة دينية أكثر صفاء وأشد غيرة.

وأخيراً أعلنوا في بلادهم «سومطرة» الجهاد على «البتك». وفي عام 1831م - 1247هـ وقع هؤلاء، الذين يُطلق عليهم جماعة البدرين، في نزاع مع الحكومة الهولندية، ولم تأتِ سنة 1838م - 1254هـ حتى سقط آخر معاقلهم، وكُسرت شوكتهم، ولكن الإسلام أخذ ينتشر بالوسائل السلمية (ينظر كتاب العطار: محمد بن عبدالوهاب ط4 ص210 - 213).

ويذكر عمر عبد الجبار نموذجاً آخر عن الدعوة الإصلاحية السلفية في إندونيسيا، أحدث أثراً كبيراً، وذلك بواسطة أسرة الخطيب فيقول: استولى آل سعود على الحجاز عام 1218هـ فغرسوا العقيدة السلفية، ونشروا كتب السلف أمثال: مؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم؛ فهاجر بعض الحجازيين إلى «جاوا - إندونيسيا» بقصد التجارة ونشر العقيدة السلفية، وكان من جملتهم رجل اسمه عبدالله، فعُيّن إماماً وخطيباً لبلده «كوت كرغ»، وصار يطلق عليه لقب «خطيب نكري» أي خطيب البلدة.

وكان من أحفاده أحمد الخطيب، الذي كان في عهد الملك عبدالعزيز يعقد حلقة دراسية في باب الزيادة بالحرم المكي، ويقصده مئات من طلاب العلم من إندونيسيا، ثم يعودون لبلادهم بعد أن يعاهدوه على أن يقوموا بالدعوة إلى الله، والتفرغ لنشر العلم والسلفية في بلادهم.

وكان ثمرة تعليمهم قيام هؤلاء التلاميذ بنشر دعوة الإصلاح والعقائد ومقاومة البدع والخرافات أمثال عبدالكريم أمر الله زعيم الإصلاح بسومطرة، والحاج أحمد مؤسس الجمعية المحمدية في جاوا الوسطى (ينظر كتابه سير وتراجم ط3 جدة مؤسسة تهامة 1403هـ ص38-40).

ويقول العطار أيضاً: وعندما تولى الملك عبدالعزيز حكم الحجاز عام 1343هـ بدأ الآلاف من طلاب العلم في سومطرة وجاوا وجزر الهند الشرقية يفدون إلى مكة والمدينة، ووجدوا من الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ المساعدة في تيسير الإقامة لهم حتى يتلقوا العلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي وفي مدارس مكة والمدينة، ورحل بعضهم إلى الرياض، ووجدوا كل حفاوة وعون جميل.

وعاد الآلاف من هؤلاء وهم يحملون الدعوة السلفية إلى بلادهم، فجددوا نشاطها في تلك الجزر، وأبعدوا عن الإسلام ما أُلصق به من خرافات وأساطير وبدع ووثنيات (ينظر كتاب العطار عن الشيخ محمد ط4 ص212 الذي أحدث أثراً كبيراً).

وقد كان لفتح الجامعة الإسلامية بالمدينة ودار الحديث الخيرية بمكة التي فتحها الملك عبدالعزيز عام 1352هـ، ثم الجامعات بالمملكة في مكة والرياض وجدة وغيرها بأقسامها الشرعية، دور كبير في نشر العلم الشرعي بالتحاق طلاب علم من إندونيسيا بتلك المدارس والكليات.

أما الشيخ عبدالعزيز بن باز فله دور كبير وجيد في الدعوة والتشجيع، وعيَّن كثيراً من الإندونيسيين بعد نيلهم العلم الشرعي، خاصة في العقائد بعدما تخرجوا من جامعات المملكة، بأعداد كبيرة في بلادهم، وزوَّدهم بالكتب.

جئت إندونيسيا وأنا أحمل هذه الخلفيات العلمية مع الشجاعة والحماسة للدعوة، ووجدت لديهم نشاطاً ورغبة في التصدي لحملات التنصير، واطلعتُ على نتائج مما ساروا فيه، وقابلت بعضهم، وفي مقدمتهم الدكتور محمد ناصر، وفيما اطلعت عليه سأشارك القارئ الكريم بلمحة مما أداه هؤلاء من دور إيجابي في برنامج تنشيط الدعوة الإسلامية في منطقة «تشيلا تشاب» بمحافظة «جاوا الوسطى» ضد حركات التنصير المتصاعدة هناك، وهذه المنطقة نموذج لما يدور في الجهات الأخرى، والجزر المتناثرة التي ركزت عليها الكنائس بجهود؛ حيث بذل المنصِّرون طاقاتهم، لكن من المهم الإشارة إلى ما أبلغنا به بعض الدعاة بدخول أعداد منهم رجالاً ونساء في الإسلام؛ لأنه دين الفطرة، في رد معاكس لما قدموا من أجله، وهذا من فضل الله بالإخلاص والصدق والنية الحسنة، والهادي هو الله سبحانه.

وقد أوجد المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية في إندونيسيا المنتدى التعاوني في منطقة جاوا الوسطى، وفيها أكبر تجمع من السكان، وذلك مع محاولة في تنشيط الدعوة أمام الحركات التنصيرية، خاصة منها المتصاعدة في المناطق الفقيرة؛ لذلك تحاول حركات التنصير بنفوذها الوقوف أمام العمالة، خاصة النسائية، بالحد مما يأتي للمملكة ودول الخليج؛ لأن مستوى الفقر بدأ يتلاشى بتحسن أوضاعهم وفَهْمهم الإسلام.

ومن الالتفات نحو تحسين أوضاع المسلمين، خاصة أن الشعب عاطفي ويميل للتدين، فقد علا قدرهم، وبدأ من نشاطهم إشعار بعض المواطنين بالاهتمام، مثل تقديم الأدوات الدراسية لأبنائهم؛ لأن التخلف العلمي والتربوي من أسباب تخلف المسلمين بالمنطقة لسد الباب التبشيري بالديانة النصرانية، وما يبذل المنصِّرون من مغريات مالية وفرص وإعانة الفقراء وتقديم مكائن الخياطة للنساء وحليب الأطفال.

وكانت الجمعيات الإسلامية هناك تهتم ببناء المساجد وترميم ما يحتاج منها إلى ترميم وكذلك المنازل، والتربية الروحية، والتبسط في التعريف بأمور العبادة، فيبدؤون مع الصغار في تعليم النظافة والوضوء، ويمثلون ذلك للطلبة الصغار ذكوراً وإناثاً عملياً أمام الزملاء، وتُبيَّن لهم الصلاة وأهميتها، وأنها ركن من أركان الإسلام الخمسة، وبعد الوضوء يأخذونهم لمسجد القرية ليؤدوها مع بعضهم، وهكذا يتدرجون مع الناشئة في تعليم شعائر الإسلام، أداء وعملاً حتى يتشبعوا بذلك فهماً وتطبيقاً في أعمال موفَّقة.

وقد كوَّنوا جمعيات خيرية اجتماعية، سموها: لبناء الرخاء، لزيارة البيوت، وتقديم المساعدات المتنوعة بعد تلمس الحاجة، والدعوة للإسلام، والشرح بتبسط واختصار للأسر معلومات عن الإسلام؛ فلدى الأسرة المسلمة منهم الاهتمام بما يرفع فهمهم وعملهم، وعند غيرهم الاقتصار على جرعات، تتسع مع كل زيارة.

أما الأسر المسلمة، أو من زاروهم أكثر من مرة، فيبلغونهم بما يوسع مداركهم عن الإسلام وأعماله.

وبالنسبة للنساء فإن الداعيات يعلِّمن الأُسر الطهارة والوضوء والصلوات وأوقاتها، ويرغبن فيها تدريجياً. ومن مهمات الجمعيات الخيرية الإعانة في التغلب على المشكلات التربوية والاقتصادية، وذلك بتقديم المساعدات العينية المختلفة، مثل قِطَع الأثاث وبعض اللوازم والملابس والأحذية وغيرها؛ لأن حملات التنصير تقدم مثل هذه الأشياء، وفي هذا سد المنفذ الذي تدخل منه المساعدات النصرانية لمساعدتهم، التي يستعطفون بها القلوب، ويعاملون النساء والأطفال بلطف مع الهدايا.

وعمل الجمعيات الخيرية الإسلامية متنوع، يحتذون منهج الجمعيات النصرانية؛ لأن هذا أقرب في التعاطف، ولا يجعلون فارقاً حتى يألف المواطنون الأعمال الوطنية من بني جلدتهم، وفي هذا تأثير نفسي جيد.

ومن جهودهم الدعوية في أوطانهم المترامية فإن جمعياتهم بدأت في عملين: إرسال مجموعات في منح دراسية للتزود علمياً في العالم الإسلامي، والإفادة في أعمال الدعوة، وتوزيع الدعاة في الجزر النائية للعمل فيها. ومن باب تجديد نشاط الدعاة اتخذوا أسلوب التنقل من مكان إلى مكان آخر.

وقد عرفت منهم أنهم لكي يزاحموا حملات التنصير اتخذوا أسلوبهم في المساعدات العينية؛ حيث إن التنصير تحت أيديهم أموال هائلة، تُقدَّر بمئات المليارات من الدولارات؛ حيث علمت أنه مرصود من أموال الكنائس أكثر من 60 مليار دولار؛ لذلك فقد عملوا مثلهم، ولكن برصيد أقل؛ إذ جمعوا في إحدى الجمعيات في سومطرة رأس مال تعدى 75 مليون روبية إندونيسية، وهذا يُعتبر زهيدا إذا عرفنا أن العملة عندهم رخيصة، تتماثل بالهللة عندنا، ولكن الشيء ولو قل يمكن أن يزداد، وهو أحسن من لا شيء.

ومما عملته جمعياتهم التعاون مع الفلاحين وإعانتهم، وتعبيد بعض الطرق الصغيرة، وإعانة الفلاحات في البذور وعند جني الثمار، وبناء المساجد، والمساعدة بترميم بيوتهم؛ لأن للمرأة دوراً كبيراً في العمل.

وأنشؤوا منتدى التعاون الدعوي في مدينة «بوباتيه» بجاوا الوسطى للدفاع عن المسلمين، وأوجدوا رابطة بين الجمعيات للتعاون والتنسيق.

وأطلعونا على خرائط الجزر الكبيرة، المهدَّدة بالزحف التنصيري، فخريطة جزيرة جاوا أوضح الرسم تغلغل النشاط النصراني في جنوبها؛ ما يجعلها عرضة للأخطار النصرانية، وجزيرة «نوسا كانبو نفان» ملأى بالكنائس والمدارس النصرانية والمستوصفات النصرانية وغيرها.

وأوضحوا لنا بالأرقام الميزانية المقررة لأنشطة الدعوة الإسلامية، فمثلاً الوسائل الإيضاحية لتعليم الوضوء والصلاة مرصود لها 60 مليون روبية، وتقديم منحة دراسة لـ20 طالباً بـ5 ملايين روبية، وهكذا نجدهم في حاجة للمال لتنفيذ مشروعاتهم، أعانهم الله، وكفاهم شر مَنْ يريد منهم أن يتركوا دينهم.

والمفرح أن قابلية السكان للإسلام تبشر بخير، والجهود مبذولة من الدولة وطلبة العلم، والنفوس متحمسة، ويتعاونون في حمل الأمانة، وهم مع نشاطهم في حاجة إلى الدعاء لهم بالإعانة وتخطي الصعاب.

 

من حقيبة الأسفار (2-2)
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة