ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 21/01/2012/2012 Issue 14359

 14359 السبت 27 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إن طبيعة موقع الدولة ومكانتها الإقليمية والدولية وموروثها الديني والثقافي وأحوالها الاقتصادية والسياسية، كل ذلك بقدر ما يوفره من عوامل تساعد على استقرار أمنها ودرء المخاطر عنها، بقدر ما تلعب دوراً كبيراً في تحريك مغريات التهديد وإثارة الأطماع

ضدها، وهي أطماع تؤججها نزاعات وخصومات دول الجوار الحاسدة، وتغذيها المصالح الإقليمية والدولية المتواجدة، وتجد لها مكانا في بيئة الثارات وتصفية الحسابات.

والأمن لا ينظر إليه من خلال اتفاقات مكتوبة، ومعاهدات موقعة بل لابد من التحسب لأسوأ الاحتمالات والتصدي لكل ما يمكن حدوثه من تهديدات، فالاستعداد المستمر يجهض التهديات والأخطار والتفكير في الحروب يقي منها ويؤخر حدوثها، وقد قال الشاعر:

وما الدهر إلا دولتان فدولة

عليك وأخرى نلت منها الآمانيا

فلا تك من ريب الحوادث آمنا

فكم آمن للدهر لاقى الدواهيا

والذي ينعم بالأمن ويخيم عليه زمن السلم ينبغي له أن يتذكر حالات تنغيص الأمن واحتمالات التعرض لخطر الحرب، فيعد العدة لما قد يطرأ من مواقف معاكسة، وعندما يكون الشعب في استقرار وازدهار يتحتم عليه أن يأخذ في حسبانه احتمال حدوث ما يعكر صفو هذا الاستقرار وينال من مسيرة التنمية، الأمر الذي يستدعي الموازنة بين أبناء الوطن وتنميته من الداخل وبين الحفاظ على هيبته وكرامته من الخارج عن طريق اتباع سياسة حكيمة وإيجاد قوة ردع جاهزة.

والجوار قد يكون نعمة وقد يكون نقمة وفي كلتا الحالتين فإن الدولة التي تحرص على حماية الوطن والحفاظ على سيادته وصيانة مكتسباته وسلامة أراضيه يتعين عليها أن تكون مستعدة بصورة دائمة للدفاع عن مصالحها ومجابهة أي تهديد محتمل، فمن يستعد لكل طارئ ويحتاط لأي احتمال يستطيع التكيف مع التهديدات ومواكبة المتغيرات، ومن يهمل ذلك يتجاوزه الزمن، ويحالفه الندم، ومن الحكمة أن تستفيد أي دولة من تجاربها وأخطائها، وجماع الحكمة الاستفادة من أخطاء الآخرين والاعتبار من تجارب الغير، وكما قال الشاعر:

العجز ضر وما بالحزم من ضرر

واحزم الحزم سوء الظن بالناس

لا تترك الحزم في أمر تحاذره

فإن أمنت فما بالحزم من باس

والواقع أن الدولة المسالمة مهما أظهرت حسن النية والحرص على حل مشكلاتها مع الآخرين عن طريق الحوار، وأكدت جنوحها إلى السلم، فإنها لن تكون في مأمن من احتمالات التهديد الخارجي ومنغصات الأمن الداخلي حتى لو كانت هذه الدولة ذات سياسة واقعية تجمع بين الثبات والاعتدال في الداخل والخارج، إذ إنه من الصعب على أي دولة أن تحقق أمنها الوطني على أفضل الصور وأقلها تكلفة بعزل عن أمن الدول المجاورة لها مباشرة أو المشتركة معها في الهيئات البجغرافية والطبوغرافية الطبيعية، وذلك لأن العوامل الجيوبوليتيكية تربط بين مصالح دول الجوار وتجعلها عرضة لنفس التحديات والأخطار الإقليمية والدولية، كما أن الجوار إذا لم يكن مغنماً أصبح مغرماً، فالتجاور إن لم يبن على ثقة متبادلة وتعاون مشترك، ويكون كل طرف من أطرافه ظهيراً للآخر وسنداً له في وجه التهديات القائمة والمحتملة، فإنه يثير النزاعات ويحيي الخصومات، والانفتاح على أمة بعيدة أسهل أحياناً من التفاهم من شعب مجاور، وكما قال الشاعر:

وجار لا تزال تزور منه

قوارص لا تنام ولا تنيم

قريب الدار نائي الود منه

معاندة أبت لا تستقيم

يبادر بالسلام إذا التقينا

وتحت ضلوعه قلب سقيم

والدول المتجاورة تجد في الجوار مغنما، إذا ما جمعت بين شعوبها روابط مصيرية وصلات حياتية روحية، تجعل من هذه الشعوب شعبا واحداً، كما هو الحال بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فهذه الدول مهما اختلفت فيها المسميات القطرية، وتباينت خصوصياتها، فالاتفاق على الثوابت والأساسيات لا يتأثر للمتايز في المتغيرات والثانويات، وقمين بهذه الدول أن تكون عند تطلعات شعوبها، وأن تدرك المخاطر التي تحيط بها، بحيث ترتقي بمستوى علاقتها وتعاونها من المستوى الحالي إلى المستوى الاتحادي استجابة للمبادرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين والاتحاد اصبح ضرورة وحاجة ملحة في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة العربية، وما تتعرض له دول المجلس من مطامع إيرانية وتهديدات حقيقية، ولله در القائل:

كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى

خطب ولا تتفرقوا آحادا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً

وإذا افترقن تكسرت أفرادا

وقال آخر:

وفي كثرة الأيدي عن الظلم زاجر

إذا حضرت أيدي الرجال بمشهد

ومن لم يكن ذا ناصر عند حقه

يُغلب عليه ذو النصير ويُضهد

ولا خيار أمام هذه الدول إلا خيار الاعتماد على القوة الذاتية والاستفادة إلى أبعد مدى من القوى الصديقة والحليفة، وفي الوقت نفسه اصلاح الداخل عن طريق محاربة الفساد وتوظيف العاطلين عن المل ورفع مستوى المعيشة والقضاء على الفقر، مع اتخاذ الأسلوب الأمثل محو التنمية البشرية ودفع عجلة التطور بصورة متجددة ومتستمرة، بحيث يشمل ذلك البنى التحتية والمؤسسات العلمية والصناعية والمرافق الخدمية وكل ما يستفيد منه المواطن ويخدم الوطن ومصالحه العليا، وقد قيل: من أصلح فاسده أساس حاسده.

وكل دولة من دول مجلس التعاون تتحمل مسؤولية تهيئة الظروف الملائمة لشعبها على النحو الذي يعزز انتمائه إلى التجمع الخليجي الكبير بلاصيغة التي تواف بين مصلحة كل دولة على حدة وبين ما تقتضيه مصلحة الجميع سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، والسياسي البارع يجعل حماية مقدرات الوطن ومصلحته هي الضابط الدائم لعمله، والمعيار الذي يوجه الصراع السياسي والعسكري ينطلق من هذه القاعدة، ويعود إليها متدرجاً حسب الانتماء ودوافعه وعوامل جذبه.

وإذا كان الأمر يستجيب لمن قرع بابه وجذب أهدابه، فإنما يمر به اليمن من انتفاضة شعبية وأزمة سياسية، وما يعانيه العراق منذ الاحتلال الأمريكي له وحتى رحيل القوات الأمريكية يكشف عن مغارم الجوار أكثر من مغانمه، فالحدود المشتركة بين كل من هاتين الدولتين ودول مجلس التعاون طويلة وذات خصوصيات معقدة، ويحتاج أمنها وتأمينها إلى إجراءات عملية لا تقبل أنصاف الحلول، حيث إن أمن الحدود يمثل الصخرة التي يتحطم عليها تهديد الأمن من الخارج وصمام الأمان بالنسبة للأمن في الداخل.

وعلى الصعيد السياسي فإن العراق أدار ظهره إلى محيطه العربي واتجه نحو إيران، وهذا الأمر بمثابة جرس إنذار بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي لأن وراء الأكمة ما وراءها، والتوجهات السياسية الخطيرة لبعض الزعماء العراقيين ما هي إلا إرهاصات لما هو أخطر، والمؤمن ما يلدغ من حجر مرتين، والجوار بهذه الصورة يشكل مجموعة من المغارم لابد من التعامل معها ومواجهة انعكاساتها المحتملة قبل استحكام حلقاتها والتعرض لآفاتها، والأمور تتشابه مقبلة فلا يعرفها إلا ذو الرأي، فإذا أدبرت عرفها الجاهل كما يعرفها العاقل.

وعلى الجانب الآخر من الخليج لم تترك إيران وسيلة إلا توسلتها ولا طريقاً إلا طرقته لبسط هيمنتها على مياهه وتصدير ثورتها إلى دوله، مختلقة المبررات والذرائع لتعزيز نفوذها الإقليمي وتأكيد وجودها في بعض دول المنطقة من خلال أقليات تعتنق المذهب الصفوي وتستفيد من ورائه، وحتى تسوغ هذا النهج وتخدع السذج ترفع شعار الدين تارة، وتدعي دعم المقاومة تارة ثانية، وتتاجر بقضية فلسطين تارة ثالثة، وتحارب أمريكا تارة رابعة، وكل هذه الذرائع واهية وباطلة من أساسها، فالدين أساؤا له وشوهوا صورته، والمقاومة المزعومة تستحق من يقاومها، وبالنسبة لقضية فلسطين فإن النظام الإيراني آخر من يناصرها ويخلص لها، والصفوية والرافضة هم مطية الصليبين إلى الشرق، ومحصلة كل ذلك هو إصرار إيران واستماتتها في سبيل نجاح برنامجها النووي وامتداد نفوذها مهما جلب هذا التوجه من النقم والمحن إلى المنطقة وزج بها في بؤرة الصراع وميدان النزاع، وعرَّض ثروتها للتبديد وأمنها للتهديد، فأين يقود هذا الجوار دول المنطقة؟ وما هي المغارم الكامنة خلف ممارسة هذا الجوار وطموحاته؟

وحيال هذا الواقع القديم المتجدد لم يبق أمام قيادات هذه الدول إلا استغلال الطاقات المتاحة والإمكانات المتوفرة والتأكيد على التحالفات القائمة، مستخدمة قوة السياسة وسياسة القوة للصمود في وجه التحديات والتصدي للأخطار القائمة والقادمة بعزم وتصميم على النحو الذي يجمع بين الشعوب ويوحد كلمتها ويصلح حالها ويحقق آمالها، كما يلزم هذه الشعوب الالتفاف حول قياداتها وإدراك قيمة وطنيتها، وكل أمة ثمرة تاريخها، وتصميمها وعزمها يصنعان مستقبلها، وتثبت وجودها في الحياة بقدر ما يصدفها فيها من شدائد وتحديات.

 

دول الجوار بين تبادل المغانم وانعكاسات المغارم
اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة