ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 21/01/2012/2012 Issue 14359

 14359 السبت 27 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

منهج أبي الخطاب الكلوذاني ومكانته في الفقه الحنبلي
كتبه: محمد بن ناصر العبودي*

رجوع

 

كرم صديقي الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله العمار باطلاعي على نسخة من هذا الكتاب.

وقد بادرت بقراءته واستعراض ما فيه لأنه أعادني إلى عصر قديم كان فيه اسم أبي الخطاب الكلوذاني يتردد على سمعي وبصري، وذلك أثناء طلب العلم في المساجد، فقد كانت نسخت بخطي نسخة كاملة من (طبقات الحنابلة) للحافظ ابن رجب في مجلدين، وهو المعروف بذيل طبقات الحنابلة لأنه ذيل به (طبقات الحنابلة) لمحمد بن القاضي أبي يعلى، وقد صار الذيل أطول من الأصل الذي هو ذيل له خلاف المعتاد.

وقد آلت هذه النسخة إلى الشيخ فهد بن عبيد العبدالمحسن - رحمه الله - وبلغني ان الشيخ علي بن إبراهيم المشيقح مساعد رئيس محاكم القصيم سابقا قد نسخ منها أيضاً نسخة بخطه لمكتبته الخاصة، ومن يقرأ تراجم الحنابلة يرى أن اسم (أبي الخطاب الكلوذاني) يتردد كثيراً لما له من إيضاحات للمسائل واختيارات في المذهب، ولكونه عالماً عاملاً محققاً.

ثم مر بي أثناء درس أصول الفقه عند الحنابلة على شيخنا الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد -رحمه الله- اسم أبي الخطاب الكلوذاني كثيراً.

وقد طرأ على ذهني في ذلك التاريخ القديم الذي هو العقد السابع من القرن الرابع عشر أن أبا الخطاب الكلوذاني لم يعطه المتأخرون حقه من العناية، ولم يبن للمعاصرين من القراء، وبخاصة قراء الفقه الحنبلي (وأصول الفقه عند الحنابلة) ما له من مكانة في الفقه وأصوله.

ثم أنستني ظروف العمل والاتصالات مع المسلمين في خارج البلاد أبا الخطاب الكلوذاني رحمه الله، وكانت تنسيني أصول الفقه أيضاً.

وهذا هو الذي جعلني أسر سروراً عظيماً عندما اطلعت على كتاب الصديق الكريم الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله العمار عن أبي الخطاب الكلوذاني ومكانته في الفقه الحنبلي.

قدم الكتاب صاحب السماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء.

وجاء في تلك المقدمة:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد اطلعت على أجزاء متفرقة من البحث المعنون (منهج أبي الخطاب الكلوذاني ومكانته في الفقه الحنبلي) وهي رسالة من إعداد فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله العمار لنيل درجة الدكتوراه.

ترجم فيها لأبي الخطاب الكلوذاني ترجمة وافية ثم اتبعها بذكر اختياراته في العبادات، وفي المعاملات، وفي أحكام الأسرة وفي الجنايات وفي الإيمان والنذور، وفي القضاء. ثم ذكر سمات منهج أبي الخطاب الفقهي وعنايته بتطبيق القواعد الأصولية الشرعية.

ثم ذكر في الفصل الثاني أصول الفقه عند أبي الخطاب الكلوذاني، وفي الفصل الثالث ذكر مكانة أبي الخطاب في الفقه الحنبلي، وعند فقهاء الحنابلة، ومدى تأثره بمن قبله، وتأثيره فيمن بعده، وهو جهد طيب وعمل مبارك من الباحث فضيلة الشيخ عبدالعزيز.. أسأل الله أن يجزيه خير الجزاء وأن ينفع بهذا الكتاب كاتبه وقارئه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ

مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء.

أما مقدمة المؤلف فقد جاء فيها ما يلي وهو يلخص لجزء منها: «لما منَّ الله تعالى عليَّ بإتمام الدراسة والبحث في مرحلة (الماجستير) في الفقه وأصوله، وجدت بركة العلم تكمن في دراسة الفقه خصوصاً إذا كانت على وجه تبسط فيه الأقوال والأدلة والمناقشات والترجيح.

فكان ذلك دافعاً إلى طلب المزيد منه، فضلاً عما يتحقق به من ثواب الطلب ودفع الجهل، والتماس العلم الذي لو كان شيئاً أشرف منه لأمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يسأله المزيد منه، حيث قال عزَّ وجلَّ: «وقل رب زدني علما».

فرأيت أن الاشتغال ببحث مناهج المجتهدين من علماء السلف الصالحين يحقق الأرب، ويحث على البحث والتحقيق. ومن التحدث بنعمة الله تعالى على عباده والمساهمة في الخير، الحديث عن العلماء وذكر فضلهم على الأمة.

خرج منهم علماء أجلاء وحفاظ جهابذة، حفظوا وكتبوا ودرسوا واستنبطوا، حتى أثروا جوانب العلم الشرعي، وأوجدوا للأمة ثروة علمية لا نظير لها في أمة من الأمم، وكان من هؤلاء الأجلة والأخيار الإمام العلامة أبو الخطاب الكلوذاني - رحمه الله.

فقد كان مثالاً للاقتداء الصادق بالسلف الصالح في السير على طرقهم تعبداً وورعاً ومنهجاً.

وكان كتاب الله عزَّ وجلَّ وسنّة نبيه -صلى الله عليه وسلم- هما مصدر علمه وتثقيفه، فكان عارفاً لألفاظهما ومعانيهما محققاً لمقاصدهما وأهدافهما، عاملاً بأوامرهما مجتنباً لنواهيهيما.

فرغبت في المشاركة في خدمة علم هذا الإمام الجليل بإبراز جانب مهم من جوانب منهجيته العلمية، وهو منهجه الفقهي والأصولي في الفقه الحنبلي وهذه الأهمية منبثقة عن اهتمام أبي الخطاب بالفقه».

انتهى ما قاله المؤلف في المقدمة.

أما الكتاب فقد بدأه المؤلف الكريم بعنوان (عصر الإمام أبي الخطاب الكلوذاني - توفي سنة 510هـ).

وقد أفاض المؤلف في ذكر عصر أبي الخطاب واستعرض الظروف السياسية المحيطة به من ضعف الدولة العباسية ومن ظهور الأسرة البويهية، إضافة ليس فيها مزيد.

ترجمة أبي الخطاب:

أفاض المؤلف المحقق بعد ذلك في ترجمة الإمام أبي الخطاب الكلوذاني وأهم ما فيها ذكر مشايخه وعلى رأسهم إمام المذهب الحنبلي وعمدة ناشريه في وقته الإمام القاضي أبويعلي الفراء.

ثم ذكر تلاميذه ومنهم الإمام محمد بن ناصر السلامي وهو شيخ ابن الجوزي الذي ذكر ابن الجوزي أنه تعلم عليه صغيراً وأنه يدين له بالفضل، ولم أر المؤلف نوّه بأنه أهم مشايخ العلامة الواعظ أبي الفرج ابن الجوزي.

هذا وقد استغرقت ترجمة أبي الخطاب الكلوذاني 22 صفحة من الكتاب ص 67 إلى ص90 وما هي بكثيرة على أبي الخطاب، ولكن الباحث المحقق أوفى فيها الموضوع حقه وذكر معلومات مهمة عن مشايخه وتلاميذه.

ومما استرعى انتباهي في أول ترجمة الإمام أبي الخطاب أن المؤلف المحقق قد توقف عن المكان الذي ولد فيه أبو الخطاب إذ نسبه المؤرخون إلى ثلاثة أمكنة هي الكلوذاني والأزجي والبغدادي.

أما الكلوذاني فإنها نسبة إلى كلواذا خلاف ما كتب في الكتاب أنها كلوذاي بنقطتين تحت الياء، وأن آخره ينطق به ألفاً قائمة.

وأنشد ياقوت الرومي مقطوعتين تدلان على ذلك في رسم (كلواذاي).

وإن كان كتب الألف لينة أي ياءاً.. قال أبو نواس:

أحينَ ودّعتُ يحيى لرحلته

وخلف الفرك واستعلى لكلواذى

وقال مطيع بن إياس:

زاد هذا الزمان شراً وعسراً

عندنا إذ أحلنا بغدادا

خربت عاجلا وأخرب ذو العر

ش بأعمال أهلها كلواذى

وقد خربت كلواذا بالفعل ذكر ذلك ياقوت وذلك في وقته.

وينبغي ملاحظة أنه يوجد مكان آخر اسمه (كلواذاه) بالهاء غير الذي ينسب إليه أبو الخطاب.

وشي مهم آخر وهو أن النون في اسم الكوذاني زائدة عن اسم المكان الذي نسب إليه إذ هو (كلواذا) بدون نون، ولكنها زيدت فيه كما زيدت في نفساني وجسماني في النسبة إلى النفس والجسم.

والمرجح أن أبا الخطاب الكلوذاني ولد في بغداد، ولكن الذي درج عليه المؤرخون أن ينسبوا الرجل إلى ما ينسب إليه أبوه أو جده فنفترض أن الكلوذاني هي نسبة لأبيه أو جده من قبله، وأنه سمي بذلك تبعاً لهما وأنه ولد في محلة باب الأزج في بغداد وهي التي جعلته ينسب بالأزجي، ونسبته بعد ذلك البغدادي لكون (باب الأزج) محلة من محلات بغداد.

مباحث عميقة:

انتهت ترجمة الإمام أبي الخطاب الكلوذاني بصفحة90 وبدأ المؤلف المحقق بالكلام على صلب الموضوع والغوص في المباحث الدقيقة، التي يعز في هذا الزمان من يحسن الغوص فيها. ونضرب على ذلك مثالاً على اختيار أبي الخطاب في الطهارة مما أورده المؤلف أثابه الله:

وبعد:

فإن هذا الكتاب كتاب علم وتاريخ والعلم فيه من أوجه العلم كثير، ولكن أهم ذلك فيه علم الفقه وعلم أصول الفقه، وهو كتاب تاريخ لأنه ذكر تراجم ومعلومات عن معظم العلماء الذين وردت أسماؤهم فيه.

وهو كتاب بحث علمي جاد.

بل هو عودة إلى نبع نمير من منابع البحث العلمي الدقيق في أصول المذهب الحنبلي وآراء أساطينه، فجزا الله مؤلفه الدكتور عبدالعزيز العمار خير الجزاء وأثابه على بحوثه المفيدة وأكثر من أمثاله من العلماء العاملين.

جعل المؤلف الكريم اختيارات أبي الخطاب الكلوذاني باباً واسعاً في كتابه ذكر فيه عدداً من اختياراته نورد هنا نماذج منها، قال:

الأنموذج الأول:

الترتيب في الوضوء:

اختيار أبي الخطاب:

وجوب ترتيب الوضوء، فقد قال في الهداية: «ويغسل كفيه ثلاثاً.. ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً يجمع بينهما بغرفة واحدة، وإن أحب بثلاث غرفات لكل عضو...، ثم يغسل وجهه ثلاثاً من منتهى شعر رأسه إلى الخدين من اللحيين والذقن طولاً ومن وتد الأذن إلى وتد الأذن عرضاً...، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ويُدخل المرفقين في الغسل...، ثم يمسح رأسه...، ويمسح أذنيه بماء رأسه...، ثم يغسل رجليه ثلاثاً، ويُدخل الكعبين في الغسل...، ويجب ترتيب الوضوء على ما ذكرنا».

النموذج الثاني:

«أن كل صلاة تفتقر إلى تيمم، وإن كانت نوافل.

الأنموذج الثالث: التيمم للنجاسة عند عدم الماء.

اختيار أبي الخطاب:

قال في الهداية: «إذا تيمم للنجاسة عند عدم الماء وصلى، لزمه الإعادة عندي، وقال أصحابنا: لا تلزمه الإعادة».

الأنموذج الرابع: مسألة الجمع بين صلاتي الظهر والعصر في الحضر لأجل المطر:

اختيار أبي الخطاب:

اختيار جواز الجمع للمقيم بين صلاتي الظهر والعصر لأجل المطر، وقال: «وهو الصحيح عندي».

وقد شرح المؤلف الدكتور عبدالعزيز العمار كل هذه المسائل وغيرها من اختيارات أبي الخطاب الكلوذاني، شرحاً وافياً وأوضح من وافقه فيها من العلماء سواء من علماء المذهب الحنبلي أو غيره من المذاهب وأورد حجة كل طرف، وبحث فيها بما لا مزيد عليه من البحث والتفصيل.

ونكرر القول بأن هذا الكتاب الذي ألفه الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله العمار هو بحث علمي فقهي أصولي لا يستغنى عن الاطلاع عليه وفهم ما جاء فيه من يبحث في المسائل الفقهية الأصولية وحتى من يبحث في تاريخ العلماء واجتهادهم، بل وجهادهم في طلب العلم وإفادة طلابه.

فجزا الله مؤلفه الأستاذ الدكتور عبدالعزيز العمار خيراً عن العلم وطلابه والله الموفق.

مكة المكرمة - الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة