ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 24/01/2012/2012 Issue 14362

 14362 الثلاثاء 01 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كلما انفض سامرُ مؤتمر، أو لقاء، أو ندوة، اندلقت أقتاب التناجي بالإثم والعدوان، ونَسْف جسور التواصل، وتكريس القطيعة، والبلوغ بالتلاحي حد (اللاعودة). وهو ما نسمعه، ونراه بين الحين والآخر من كتاب كنا نعدهم من الأخيار.

وهذا التنازع يكون في زمن تعيش فيه الأمة العربية زلازل رُعْبٍ تتصدع مِنْها وحداتُها الدينية والفكرية، ويختل منها الأمن والاستقرار، وتنسل الطائفيات والحزبيات والقوميات والإقليميات من كل حَدَبٍ، لانتهاب الأنفال والغنائم.

وما نفذت المؤتمرات، وما أقيمت اللقاءات، وما تتابعت الندوات إلا من أجل إمتاع النخب وإفادتهم، ومن أجل تنشيط الحركة الفكرية والأدبية وإشاعتها، ومن أجل ملء الفراغات التي تعاني منها شعوب كثيرة، لم تتهيأ لها الإمكانيات، ولا الظروف، ولا القيادات الواعية لمتطلبات المرحلة المأزومة.

وكم هو الفرق بين قراءة واعية مشروعة لفلول المؤتمرات وبقايا اللقاءات وهنات الندوات وشماتة بها، وافتراء عليها، وتفخيم لوقوعات عارضة، ليست مطلوبة ولا مرغوبة. ومع هذا التجني، فإننا لما نزل نتطلع إلى عودة حميدة للثقة المتبادلة، والتسامح الواثق بين الفرقاء من كل الأطراف، وإقالة للعثرات. فالزمن لا يحتمل مزيداً من التنازع، ولاسيما أن مثمناتنا ومنجزاتنا مستهدفة، وأننا وسط طوفان من الأعداء الذين يكادون إزلاقنا بأبصارهم. وإذ يكون من حق كل مقتدر أن يشهد بما علم، وأن يطالب من كافة الحشود الفكرية والأدبية استكمال ما ينقصها، وتلبية الرغبات المشروعة، وتحقيق التطلعات الممكنة، فإن من الخطأ الفادح أن تعمم الأحكام، وأن تحِّمل الحشود مسؤولية الوقوعات الفردية المتوقعة من أي تجمع بهذا الحجم، وبذلك التنوع.

لقد مرت البلاد بـ(مؤتمر للسلفية)، و(لقاء للمثقفين)، ومعارض كتب عالمية، وفعاليات دينية وأدبية وفكرية واقتصادية، لا ينطوي منظموها إلا على الخير، وتلك من الظواهر الحميدة، فالإسلاميون حقيقون بأن تُقرأ مفردات اهتماماتهم، والمثقفون جديرون بأن تدار كؤوس المعارف في منتدياتهم، ومتى نَدَّ متحدث، أو جنح ضيف عما يجب أن تكون عليه الفعالية، فإن من واجب المراقب أن يأخذ المذنب بذنبه، متى تبين له التعمُّدُ، واستشرى من المقترف الإصرار، وظهرت بوادر الترصد، ثم لا يكون في النقد تعد ولا تشفٍّ، ولا تعميم {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، ومتى عممت الجنح، وهولت المقترفات الفردية، سقط كل تجمع، وكف كل فاعل، فمثل هذه الممارسات تخيف الأسوياء، وتحملهم على الكف عن المبادرات الإيجابية، وذلك ما لا تريده الأمة التي أعطاها الله وأوسع في العطاء.

ومما هو سائد ومعلوم من الممارسات بالضرورة، أن المؤتمرات واللقاءات والندوات لها خطط وأهداف ومجالات، ومن ثم لا تجوز مناكفتها بما اقترفه مشارك، لم يأذن المنظمون بجنحته، وفي الأثر (من نوقش الحساب عُذِّب). ولربما يقصر المنظمون عما يجب أن يقدم لمشارك، يرى أنه مغموط الحق، فتثور ثائرته، ويحدوه الاحتقان إلى خلق القبة من الحبة. ولأن الإثارة الإعلامية مهنة الفارغين، فإن مثل هذه التأوهات، تفسح المجال لهذا الصنف من الناس، كي يملؤوا الرحب بفضول القول، وتصعيد القضايا العارضة، ولربما تكون المفتريات من الوزن الثقيل، بحيث لا تستطيع الأطراف المقصودة احتمالها، ولا تمريرها، أو المرور بها دون اهتمام، وقد تكون المعاقبة بالمثل، فيدخل الأطراف بمهاترات، لا تليق بالمشاهد، وكل ذلك مبعثه الاحتقانات، وتهيؤ المشاعر للإثارة، ولو أن المشاهد جنِّبت أي قابلية للإثارة، لكان بالإمكان تمرير أي تأوه دون تصعيد، يبلغ بالأطراف المستهدفة إلى المقاضاة الحقوقية ومحاكمة الجناة.

إننا نسعد بالنقاد الجريئين، وبالمتابعين المقوِّمين لكل فعالية، ولا نود أن تمر الفعاليات دون مساءلة أو تقويم، تقول للمحسن أحسنت، وللمسيء أسأت، ونستاء من السكوت أو المداهنة، ونمقت المدَّاحين، ونود لو قدرنا على حثو التراب في وجوههم، كما أوصانا الأسوة الحسنة، ولست هنا معنياً باستعراض ما أثير عبر المواقع والقنوات وأنهر الصحف من صدامات تجرح الكرامات، وتحدو بالمهتمين إلى استخدام ذات النبرة العالية، لكبح جماح المسرفين على أنفسهم، وعلى عشيرتهم الأقربين. ولأنني نزاع إلى إطفاء اللهب، وفك الاشتباك، والتقريب بين وجهات النظر، فإنني لن أفصل في تلك اللجاجات، وأرجو أن يكون هناك متسع من المشاعر، لإصلاح ذات البين، وطي اللغط، والكف عن تبادل الاتهامات. ذلك أن المجتمعات العربية سالت دماؤها بسبب اختلاف وجهات النظر، ومن الحصافة أن نوعظ بغيرنا، وأن نكون نزاعين إلى الوفاق والمصالحة، ونقل الخلاف من الصدام إلى الحوار، ومن الحدَّة والحديَّة إلى اللين وقبول الآخر، وتلك من أخلاقيات الرسل:- {فبمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ. وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

والإسلام ركز على إشاعة الكلم الطيب والقول السديد، {إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ} و{وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} وكيف نجنح إلى منكر القول، ونحن مطالبون بالقول المعروف، حتى لقد أصبح القول المعروف خيراً من الصدقة التي يتبعها أذى. وبلادنا التي تخب وتضع في ربيعها المتواصل منذ قرن، دون إراقة قطرة دم، جديرة بأن يكون نخبها أقدر على إشاعة الكلمة الطيبة، وتقديم حسن الظن، واطِّراح الخوف، والترفع عن كشف السوءات التي سترها الله، وإذا كان لابد من نقد أو توجيه فإن الطريق السوي أن تستخدم لغة التورية، فالرسول صلى الله عليه وسلم، يعرف المقترفين، ومع ذلك يقول: «مالي أرى قوماً يفعلون كذا وكذا» إن التنقيب في المواقع، وتعقب ما تتداوله النخب من اتهامات عبر كل الوسائل الممكنة، تقف بنا على مستوى أخلاقي، لا يليق بالسوقة، ولا شك أنه مؤشر احتقانات لا مبرر لها.

ونحن أمة مسؤولة عما نقول:- {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} وبلادنا التي وحَّدها المؤسس: إقليمياً وفكرياً، جديرة بأن تظل كما تركها، ومن تعمد الإخلال بشيء من هاتين الوحدتين، فقد اقترف إثماً عظيما، وجاء شيئاً إِدَّا.

والذين زلت ألسنتهم بالاتهامات، والذين تصدوا لهم بعنف، ولم يكظموا غيظهم، من الخير لهم جميعاً، أن يحسنوا الظن ببعضهم، وأن يطَّرحوا سوء الظن، والجزاء بالمثل. ولست هنا داعياً للسكوت عن الحق، ولكنني أود معالجة الجنح بالتي هي أحسن، الشيء الذي أراهن عليه أن هذه المؤتمرات، وتلك اللقاءات إنما قصد منها إشاعة المعرفة مجردة من كل نوايا سيئة، وأن ما يعرض لها من إخفاقات أو جنح، لم يكن عاماً، ولا مقصوداً، وإطلاق الاتهامات إجحاف بحقها وحق المنظمين لها، وإذا اندس من يحمل النوايا السيئة -وهذا ممكن ومتوقع- فإن بإمكان الغيورين على قيمهم تحديد الأهداف، وتجنب الإطلاقات الطائشة.

لقد كنت ولما أزل حفياً بالمعارك الأدبية، وخائضاً لغمارها، وكان خصومي لا يدخرون وسعاً في التأليب علي، ولكنهم مع تحرفهم وعنفهم، لا يصادرون حقي، ولا يستأثرون بالمشاهد، فكم أفاجأ بأن أحدهم يلح في أن أشارك في مؤتمر أو ندوة أو تحكيم أو عضوية، وحين نلتقي في مؤتمر نتبادل كلمات المجاملة، وكم أشرت إلى فضلهم علي، وحفزهم لي على التنقيب عن المستجد، لأكون قادراً على مقارعتهم، ولم يتبادل أحد منا الاتهام ضد خصمه، كما لم يقترف أحد منا استعداء السلطة، أما ما نراه ونسمعه في المواقع والمنتديات وعبر أنهر الصحف فمختلف جداً، وهو مالا نود استشراءه، لأن قضايانا واحدة، وهمومنا واحدة، وديننا واحد، ووطننا واحد، ومن الخير أن نختلف، ولكن يجب أن يكون الاختلاف معتبراً ومحكوماً بضوابطه وآدابه.

 

تعالوا نختلف ولكن ضمن الأطر الحضارية
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة