ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 26/01/2012/2012 Issue 14364

 14364 الخميس 03 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ما إن أسفر صبح الانتخابات في مصر عن فوز متوقّع للإخوان المسلمين بأغلبية حزبية في مجلس الشعب تؤهِّلهم لتشكيل الحكومة، حتى رفع مرشد الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع عقيرته مبشِّراً بالاقتراب من الوصول إلى الخلافة الإسلامية، أي قرب تحقيق هدف

مؤسِّس الحركة (حسن البنا) منذ عام 1928م - أي بعد بضع سنوات من انهيار الخلافة العثمانية على يد الزعيم التركي (العلماني) مصطفى كمال أتاتورك عام 1924م. بواعث نشوء هذه الحركة يمكن أن تكون ردّ فعل لانهيار الخلافة، أو تكون نوعاً من التصدِّي لتأثير الثقافة الأوروبية التي سيطرت على المناخ السياسي والاجتماعي في مصر، إبان تلك الفترة، وقد تكون مركّبة من هذا وذاك. في كل حال هي صورة من صور العاطفة الروحية التي تكاد تكون خاصِّية من خواص الشعوب الشرقية. العاطفة الصادقة - سواء كانت روحية أو إنسانية - شيء جميل، إذا ظهرت في صورة مشاعر فردية أو رابطة اجتماعية تكون ملهمة لأفعال البشر، ولكنها تترك للعقل أن يتدبّر ويقود هذه الأفعال من منطلقاتها إلى مآلاتها.

أما أن تكون العاطفة هي الباعث والقائد والمدبر الوحيد، فإنه لا يخرج منها إلاّ عاصفة هوجاء تثير الغبار ثم تتلاشى، وإذا كانت مثل هذه العاطفة غير الرشيدة وليدة التمنِّي بالعودة إلى تاريخ سياسي طويل وحافل، فإنها ضرب من النرجسية التي تكبّل قدرات الشعوب على الانطلاق والتطوُّر. أتصوَّر أنّ رفع شعار تحقيق الخلافة الإسلامية نابع من اعتقاد خاطئ بأنّ وصل ما انقطع من تسلسل التاريخ السياسي للإسلام (أي تاريخ نظم الحكم الإسلامي) هو الأسلوب الكفيل وحده بإعلاء مقام الإسلام والمسلمين وحل مشكلات الشعوب الإسلامية. هذا التاريخ بدأ بالخلافة الراشدة التي تلتها الخلافة الأموية ثم الخلافة العباسية ثم انتهى بنهاية الخلافة العثمانية، فلا بد إذن - وفقاً لمنطق ذلك الاعتقاد - أن يستمر التسلسل التاريخي بتركيب حلقة جديدة تتمثّل في خلافة الإخوان المسلمين، لو كان منطق التسلسل التاريخي سليماً لرأينا في نظم الحكم المتعاقبة رقياً وتطوُّراً في المجتمع الإسلامي من حلقة لأخرى - أي تكون التالية أفضل من التي قبلها. لكن النبي الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام قالها بكل وضوح: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... الخ الحديث).

لقد انقضى عصر الخلفاء الراشدين باستشهاد الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه، وقامت على أنقاضه خلافة الأمويين التي ازدهرت عشرات من السنين ثم تضعضعت، ليس بفعل أعداء من الخارج، بل بضعف كفاءة النظام نفسه. وقامت على حطامه دولة الخلافة العباسية التي عظمت كياناً وعقلاً ردحاً من الزمن ثم ضعفت داخلياً بفعل أركان النظام حتى هانت على أعدائها، وأزالها المغول من الوجود في القرن السابع الهجري، ولم تقم على أنقاضها دولة أخرى، بل نشأ فراغ ملأته دويلات تبرز ثم تختفي، حتى جاء فتح القسطنطينية في منتصف القرن التاسع الهجري على يد محمد الفاتح، وبدأ تاريخ الخلافة العثمانية التي استمرت قوية منتصرة على مدى ثلاثة قرون من الزمان، ثم بدأ الضعف يدب في أطرافها حتى وصل إلى مركزها وأصبحت (رجلاً مريضاً) في نظر أعدائها الأوربيين، بحيث سهل عليهم تفتيتها والانقضاض عليها من الداخل والخارج بعد الحرب العالمية الأولى. وعلى النقيض من حكم الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم - فإنّ أنظمة الخلافة الثلاثة (الأموية والعباسية والعثمانية) تشترك في كونها تبدأ قوية غالبة وتستمر على ذلك ردحاً من الزمن، ثم تنحدر رويداً رويداً إلى أن تصبح ضعيفة مغلوبة بفعل خلل منهجي في داخل النظام يجعلها لقمة سائغة في فم أعدائها.

أما أسباب ذلك والظروف والذرائع التي قادت إليه فيدركها المؤرِّخون عندما يبحثونها بما لديهم من أدوات البحث والاستنباط. لكن هناك ظواهر عامة لا تخفى على أحد. منها - أولاً - امتداد الرقعة الجغرافية التي تحكمها مما يجعلها تستهلك قواها العسكرية ومواردها المالية في مدافعة أعدائها المتاخمين لحدودها، بما يترتب على ذلك من ضعف الأقاليم في الأطراف أو قيام ولاتها بحكم أقاليمهم فعلياً مع الإبقاء على ظل الخلافة شكلياً. ومنها - ثانياً - تركيز ثروة البلاد في دائرة الحكم المركزي باسم بيت مال المسلمين الذي ترد إليه أموال وأعيان الخراج والضرائب والغنائم وغيرها، فلا يصل إلى خارج حواضر الحكم شيء من ذلك. ومنها - ثالثاً - انغماس الدوائر المحيطة بالخليفة في الملذات التي وفّرتها لهم الثروة وفي النزاعات على السلطة والمال. فهل بعد هذا يتطلّع الإخوان المسلمون إلى الانخراط في الدورات التاريخية لما يسمّونه (الخلافة الإسلامية) - لكي يكرروا ما انتهت إليه تلك الدورات؟ نحن في عصر لا تحتاج فيه عزّة الإسلام ورفعته إلى كيان (دولة امبراطورية مسلمة)، بل إلى أوطان مستقرّة ناهضة يبذل فيها أبناؤها جهد طاقتهم للأخذ بأسباب الرقي والمدنية والحضارة العلمية والتقنية والمنهج العقلي المبدع، وتتحد في التمسك بالثقافة والروح والأخلاق الإسلامية، ولا تحول الحدود الجغرافية وأنظمة الحكم الوطنية دون المشاركة في هذه العناصر كلها، لأنّ التواصل سهل وميسور مع التقنيات الحديثة وتجاور الأوطان وتكامل المصالح. أما الاندفاع الديماجوجي أو الانتهازي وراء شعارات سياسية تاريخية فليس وراءه طائل، بل هو قد يجلب سلبيات لا يؤمن جانبها. ومثال ذلك ما صرح به (إسماعيل هنية) قائد حماس في غزة عندما زار مصر قبل أيام، من أنّ حركة حماس أصبحت فرعاً لحركة الإخوان المسلمين الأم في مصر. فلو حملنا هذا التصريح على محمل الجد فلربما نسيء فهمه ونظن أنه يوحي بالرغبة في فصل قطاع غزة عن الوطن الفلسطيني أو في جر مصر إلى حرب مع إسرائيل - وبعض الظن إثم.

وعندما نعود إلى هتاف مرشد الإخوان المسلمين بقرب الوصول إلى الخلافة الإسلامية، ونفترض أنّ المقصود هو الأخذ بنموذج الخلافة الراشدة، فإننا نجد أنّ الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم - قد ضربوا بسيرتهم المثل الرائع لمنهج السلف الصالح في ولاية أمر المؤمنين الذي يتصف بالوسطية والاعتدال والتسامح، وقد كانوا كلهم من العشرة المبشّرين بالجنة وكانت لدى كل منهم بأشخاصهم مقوّمات الحكم الراشد فطبّقوا في ولايتهم مبادئ العدل وحفظ الحقوق والنزاهة والأخلاق الفاضلة وحرية الرعية (كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ..)، لكن لم يكن هناك نظام للحكومة (نظام حكم) مفصل شرعاً. بل لقد اختلفت طريقة تولِّي كل منهم للخلافة - كما هو معلوم. فالصديق أبوبكر - رضي الله عنه - اختاره الصحابة يوم السقيفة. والفاروق عمر - رضي الله عنه - استخلفه أبوبكر. وعمر بن الخطاب نفسه كان سيستخلف أباعبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - لو كان حياً، لكنه استعان بمشورة ستة من كبار الصحابة ذوي رأي وحكمة في اختيار الخليفة من بين اثنين هما عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وفاز عثمان بن عفان بالولاية. وبعد استشهاده بويع الإمام علي بن أبي طالب، الذي قضى مدة خلافته بالكوفة. وحتى في بعض الأمور الجوهرية كان هناك اختلاف في الاجتهاد. وعلى سبيل المثال يروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لأخذت من فضول أموال الأغنياء ورددتها إلى الفقراء). أو هكذا قال. أما عثمان بن عفان فقد نفى أبا ذر الغفاري إلى (الربذة) عندما كرر المناداة بأنّ ما في بيت المال هو مال المسلمين وليس مال الله.

إنّ منهج السلف الصالح في أمور الدنيا (ومنها نظام الحكم) يقوم على أساس القيم والمبادئ والمثل العليا التي تتوافق مع مقاصد الشريعة ومع المصلحة العامة، ولا يختزل في قوالب أشكال التطبيق، فلكل زمان ظروفه ومتطلّباته ومفاهيمه التي لا يضيق الإسلام باستيعابها، ومن هنا نفهم أنّ الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأنّ أصالة منهج السلف الصالح لا تعني الوقوف في وجه تغيُّرات الحياة العصرية ومستجدّات العصر ومناهجه العلمية والفكرية ونظمه، ما دامت مصالح العباد مصونة وثوابت العقيدة لم تمس.

 

هل الخلافة الإسلامية ضمن منهج السلف الصالح؟
عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة