ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 26/01/2012/2012 Issue 14364

 14364 الخميس 03 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

كنت قد توقفت مع زوجتي عند تغريدة للأستاذ الرائع إبراهيم البليهي ناقلاً فيها مقولة بريخت: «سوف أشعر بالحسرة والإحباط لو علمت أن مسرحياتي ستعرض بعد عشرين عاماً؛ لأن هذا يدل على أن المجتمع لم يتغير».

وقد أدخلنا ذلك في جدل بشأن بقاء الأعمال الفنية مصدر إلهام للأجيال اللاحقة للعصر الذي نشأت فيه، ويدخل في ذلك بالطبع اللوحات الفنية والتحف المعمارية والإنتاج الأدبي والموسيقى، بل والفلسفي - الفكري في كثير من الأحيان.

فما الذي يجعل تلك الأعمال تصبح خالدة ومرغوبة مع توالي الأجيال، واختلاف الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية؟ هل علة ذلك الخلود كامنة في الأعمال نفسها، أم في الناس الذين يلجؤون إلى القديم من أجل دحر الجديد وعدم الاعتراف به؟

اختلفنا في بعض التحليلات، واتفقنا في بعضها الآخر، لكن الخط الذي لفت النظر أنه رغم تبايننا في الموقف من القديم إلا أننا اتفقنا أن الإنسان يعشق الإبداع القديم، ليس حباً فيه فحسب، بل بسبب معاداته لإبداع معاصريه.

وقد خلصنا من ذلك إلى أن التاريخ يمثل متكأ في الصراع بين التيارات المختلفة، وعصا غليظة لإبعاد عناصر الحداثة عن البنى الاجتماعية المبجلة.

بعدها أوغلت في التحليل بأن ذلك الشعور شيء فطري بيولوجي لدى الإنسان، ينشأ عن مشاعر الخوف المتراكمة في اللاوعي، التي تحثه كثيراً على تبني الأديان. هو خوف من المستقبل، لكن أولى درجات المستقبل هي فترات الحاضر، التي يعيشها. وحالما يعيد تفكيره إلى الماضي (في محور معاكس) فهو يتجنب الاحتكاك مع تلك المخاوف؛ ولذلك شدَّد كثير من علماء الاجتماع على ضرورة الدين في حياة المجتمعات، وكون الإنسان - بطبعه - كائناً متديناً.

تذكرت سؤال ابني، عندما كان يلح على معرفة سر تعلق الناس بلوحات ليوناردو دافنشي أو مايكل أنجلو، قائلاً: هل المحدثون عاجزون عن إنتاج أعمال مثل تلك الأعمال؟ وهل الفنانون الذين كانوا يرسمون على قباب المساجد والقصور في تركيا وغيرها استثناء غير قابل للتكرار، رغم تطور الوسائل والتقنيات في العصر الحديث؟

وهي أسئلة ربما تتنازعها فكرتان: الأولى تتعلق بصفة جوهرية في الإنسان، هي الحنين إلى الماضي (أو الزمن الجميل على رأي الدكتور عبد الله العسكر)، والثانية ترتبط برغبة دفينة في الإنسان بألا ينظر بشكل من أشكال التقدير والاعتراف بالبيئة المحيطة به مكانياً، أو زمانياً. وليس من سبيل إلى نفي ذلك الاعتراف إلا من خلال وضع معايير الجودة والجمال في الحِقَب التي انتهى زمانها، أو نأى مكانها.

غريب هذا الإنسان! في الفن يريد ما صنعته القرون الماضية، وفي الفلسفة يقدس ما بني على أفكار الفلاسفة الأوائل، وفي الأكلات يتذوق ما أعدته الجدات، وأصبح بنكهات تاريخية، لكنه في التقنية والعلم والإدارة يطمح إلى ما تصوره عقول الأولاد والأحفاد، وكل ما هو جديد ومتطور!

لكننا - للأسف - ساوينا بين الإنسانات المختلفة؛ فهل كل نوع منها يخضع إلى هذه الثنائية باستمرار؟ لا؛ الأمر ليس كذلك؛ توجد مجتمعات تقدس الماضي في كل شيء (لا تعيش التاريخ، بل تعيش في التاريخ)، وتوجد أخرى لا تتذوق الفن، ولا تعترف بالفلسفة وتاريخ الأفكار، ويوجد غيرها يتذوق ما تعده المكابس والآلات من طعام مجمَّد ومعاد التصنيع.

أما في التقنية والعلم والإدارة فيوجد من يعتمد فيها على التاريخ، ويستورد من الآخرين بعض مظاهرها؛ فإذا أجريت انتخابات وعدت أصوات، قيل: هذه ديمقراطية، كما تتبجح بعض الأنظمة التي تأخذ الأمر صورياً؛ لذلك يقولون: لماذا لم تنجح الديمقراطية لدى شعوب الشرق؟

الرياض
 

رؤية
هل نعيش في التاريخ؟
أ. د. فالح العجمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة