ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 28/01/2012/2012 Issue 14366

 14366 السبت 05 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

صدر حكم لجنة حقوق المؤلف بوزارة الإعلام بتغريم الداعية السعودي الشهير عائض القرني مبلغ 330 ألف ريال سعودي، يشمل 30 ألفاً للحق العام، و300 ألف تعويضاً للكاتبة العضيدان عن نقله غير المشروع لمقاطع كثيرة من كتابها «هكذا هزموا اليأس»، وأوضح الداعية عائض القرني بعد إصدار الحكم «أن أهل العلم والمعرفة والأدب استفاد ببعضهم من بعض، مستدلاً بشيخ الإسلام ابن تيمية الذي نقل عشرات الصفحات في كتبه لعلماء في مثل «درء تعارض العقل والنقل»، دون ذكر المرجع؛ «فهل كان هذا عجزاً من ابن تيمية؟ ومن نحن إذا قورنّا به وبأمثاله من الأفذاذ؟».

ونقول للشيخ حفظه لله أن ما ينطبق على عصر شيخ الإسلام لا ينطبق مع مفاهيم وأصول العصر الحديث، ولعل ما ذكره الشيخ عائض هو على وجه التحديد أحد أهم أسباب الأزمة الحضارية التي نعيش فيها، وهو العيش من خلال عيون وتجارب الماضي، ولهذا السبب نتساءل في كثير من الأحيان عن استدعاء بعض طلبة العلم لكثير من أوجه الحياة في الماضي برغم أنها أصبحت في الوقت الحاضر في حكم الفاسد، برغم من جواز ممارستها في الماضي بلا حرج، والأمثلة على ذلك كثيرة، وتدل على حكم وتسلط الماضي على الحاضر العاجز عن الانطلاق بحرية نحو المستقبل.

يدخل في ذلك ممارسات كثيرة يأتي في مقدمتها اعتقاد البعض أن امتلاك الإنسان لأخيه الإنسان جائز إذا صحت شروطه حسب الشرع، في حين أن الرق أصبح في حكم الجريمة والمحرم وغير المقبول على الإطلاق دولياً، كذلك يدخل في ذلك الزواج القصير المدة في بلاد ما وراء البحار، والذي أصبح موديلاً شائعاً للمتعة الجنسية بين طلبة الشرع وعلمائه، والذين يسافرون إلى البلاد البعيدة من أجل هذا الغرض، وأجد في ذلك إعادة إنتاج الماضي ثم تطبيقه بحذافيره في الحاضر برغم من أنه لم يعد أمراً مستساغاً من الناحية الإنسانية، لما فيه من خداع واستغلال لحالة المرأة المادية، في حين كنّا ننتظر أن يكون لطلبة العلم الديني والشريعة موقفاً حازماً ضد استغلال النساء من ضعفاء النفوس، وأن لا يُسابق العامة في انتهاك حرماتهن.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد ذهب بعض العلماء المعاصرين في أن يبرروا جواز الإثراء السريع وتكوين الثروات الفاحشة من خلال تقديم الخدمات الخاصة لذوي الجاه على أنه رزق من الله عزَّ وجلَّ، وذلك أسوة بما كان يحدث في القرون الوسطى، فالعالم والأديب كانا في الماضي من ضرورات مجلس السلطان وأدوات سهراته، وقد أدى هذا السلوك إلى تشويه نقاوة عالم الدين ونزاهته وحياديته في العصر الحديث، وخصوصاً عندما يقدم نفسه على أنه مفتٍ شرعي في أحكام الله عز وجل، وفي نفس الوقت يقدم فتاوى خاصة لصاحب المال، فساهم إقحام مثل هذه الممارسات في الحاضر إلى تبرير الثراء بالطرق غير النظامية، وكانت النتيجة فقدان للثقة بين العالم والعامي.

لذلك كان من المقبول عند الشيخ عائض أن ينقل مثلما نقل شيخ الإسلام من غيره من دون ذكر المصدر، لكنه غاب عنه أن ذلك أصبح في العصر الحديث يدخل في الاستيلاء على حقوق التأليف، وأنه يخالف قانون الحقوق الفكرية، وما خرج من أحكام يدل على أن ندخل في مرحلة جديدة من أهم مظاهرها أن ما تم قبوله كأمر جائز في العصور الأولى لا يعني أنه لا زال أمراً مقبولاً وجائزاً في العصر الحديث،... وأخيراً أدرك جيداً أن الشيخ عائض القرني يتمتع بمواهب جمة، وله قدرة غير عادية على شد انتباه المشاهد في أحاديثه ووعظه، وأنه أيضاً قادر على تجاوز هذه العقبة وأن يعتذر عن خطئه، ثم يعيد ترتيب أوراقه واجتهاداته من أجل حاضر غير منفصل عن الماضي، لكن يملك في نفس الوقت استقلالا حقيقياً يجعله قادراً على التحليق في سماء المعاصرة والحداثة.

 

بين الكلمات
سلطة الماضي على الحاضر..
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة