ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 30/01/2012/2012 Issue 14368

 14368 الأثنين 07 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الديمقراطية الليبرالية ليست الحلوى بل الأكل. الحلوى هي الطبقة الوسطى. هذا التشبيه الوصفي لمات ميلر في رده على الأطروحة الجديدة لفرانسيس فوكوياما المعنونة: «مستقبل التاريخ: هل تستطيع الديمقراطية الليبرالية البقاء مع انكماش الطبقة الوسطى؟» التي استعرضتها في المقال السابق.

والأطروحة تتلخص بأن الفشل العالمي لليبرالية واليسار عموماً في تكوين قاعدة شعبية عريضة يكمن في المسألة الفكرية وعدم طرح إيديولوجيا مقنعة. فقد كان متوقعاً أن اليسار سيزدهر عالمياً بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008، إلا أن العكس صحيح كان الازدهار لليمين الشعبوي. فعلى مدى ثلاثة عقود لم يتمكن أي مفكر من الليبراليين أو اليساريين أن يطرح فكرة على نحو واضح، سواء في الأطر المفاهيمية أو في جذب الجماهير.

على المستوى الأمريكي، استغل المرشح الجمهوري اليميني المتطرف سانتوريوم هذه الأطروحة في خطابه الانتخابي في أيوا الثلاثاء الماضي معلناً أن السؤال الحقيقي هو الذي طرحه فوكوياما: هل تستطيع الديمقراطية الليبرالية البقاء؟ وفي نفس اليوم تركز خطاب «حالة الاتحاد» للرئيس أوباما في خطورة انكماش الطبقة الوسطى بسبب نمو عدم المساواة الاقتصادية.

وإذا كان الكاتب في صحيفة الواشنطن بوست أيَّد فوكوياما في أن العولمة تعمل على تآكل الطبقة الوسطى التي هي الحصن المنيع للنظام السياسي الليبرالي، فإن الإعلامي مات ميلر وبنفس الصحيفة أبدى اعتراضه محولاً سؤال فوكوياما إلى هل يستطيع اليمين البقاء؟ ويرى أنه بينما يدَّعي حزب الشاي اليميني الشعبوي أنه ضد النخبة فقد انتهى به المطاف أن يدعم النخبة المحافظة من الجمهوريين الذين لا يملكون برنامجا عمليا للحفاظ على الطبقة الوسطى.

المعركة ليست بين اليمين واليسار بل بين العولمة والتغير التكنولوجي السريع وبين الطبقة الوسطى، حسبما يقرر ميلر. فبينما يحن اليمينيون إلى الماضي ويعلن الليبراليون استياءهم من الوضع فإن ذلك لن يفضي بنا لما نحتاجه. فما نحتاجه هو أجندة «إيديولوجية إنسانية» تضمن تكافؤ الفرص والأمن في زمن العولمة. ولعمل ذلك نحتاج تجديد مؤسساتنا وإعادة توزيع الثروة. أما الكاتب العمالي البريطاني ديف سيمبل فيستغرب من أن فوكوياما لم يبذل أي جهد لتحليل اليمين الشعبوي المحافظ وفشل برامجه كما فعل مع الديمقراطية الليبرالية. وفي نفس الاتجاه، يعترض الكاتب اليساري ريتشارد جلدارد بأنه ليس صحيحاً أن حماية الطبقة الوسطى من الانكماش غائبة عن اليسار الأمريكي بل هي بالتحديد القضية الرئيسية لحملة أوباما (يسار الوسط) في الانتخابات.

على مستوى العالم العربي، يتفق المفكر جميل مطر (مدير المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل) مع طرح فوكوياما، إلا أنه يرى مبالغته في وصف فشل قوى اليسار. ويعتقد مطر أن نقد فوكوياما يمكن أن نوجهه لقوى اليسار في مصر بضعف دورها وانتشارها خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وفشلها في أن تفرض أجندة مختلفة على وسائل الإعلام والرأي العام.. ومع ذلك لا يمكن إنكار دورها، إذا اعتبرناها جزءاً من التيار الليبرالي المصري، في حشد الجماهير وراء أهداف الثورة المصرية. ويعمم مطر ذلك على عالمنا العربي حيث اليمين الديني يصعد بطاقة شعبوية هائلة مكنته من أن يحل محل اليمين السياسي والمالي الذي هيمن في معظم الدول العربية.

في تقديري أن نجاح اليمين الديني عربياً يكمن في براجماتيته المفرطة وفي شعبوية خطابه القريب من هموم الناس مع توظيف المشاعر الدينية باللعبة السياسية، مقابل نخبوية خطاب التيارات الحداثية بصيغته الليبرالية أو اليسارية. أضف إلى ذلك نجاح هذا اليمين في العمل الخيري الشعبي وفي العمل التنظيمي تحت غطاء الدين الذي أتاح له هامش حرية ومرونة في الحركة لم يكن متاحاً للحركات السياسية الأخرى.

عموماً، صعود اليمين الشعبوي عالمياً يستمد جزءاً أساسياً من انتشاره عبر انكماش الطبقة الوسطى التي تطرح آراءها وتناقش وتعترض، مقابل زيادة أفراد الطبقة الفقيرة والكادحة الذين في لهاثهم اليومي للقمة العيش لا وقت لديهم لمراجعة الحلول من أطروحات فكرية أو برامج تنفيذية، قدر ما يسمعونه من شعارات شعبوية تلعب بانفعالاتهم الحادة في سوء الأوضاع وتدغدغ عواطفهم الموروثة عبر قرون سواء القومية أو الدينية.. فعندما يفشل الحاضر ليس أسهل عاطفياً من الرجوع إلى الماضي. لقد حدث في ثلاثينات القرن الفائت أزمة اقتصادية عالمية حادة أدت لصعود اليمين الشعبوي المتطرف خاصة الفاشي والنازي، وكانت التجربة مريرة وأسوأ ما مر في التاريخ البشري، وهذا ما يدعو للقلق من اليمين المتطرف القادم.

ثمة قلق عالمي من عدم المساواة الاقتصادية التي تنامت خلال العقود الثلاثة الماضية وأفرزت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، وثمة نمو لإيديولوجيات جديدة، يتفوق فيها اليمين الشعبوي، إلا أن كلها كما يشخصها راتشمان، هي ردود فعل ضد الأفكار السائدة في الفترة 1978-2008، حين توافق الاشتراكيون في الصين، والرأسماليون في نيويورك، واليسار المتساهل في أوروبا.. فقد كان القادة السياسيون من جميع أنحاء العالم يتحدثون اللغة نفسها عن تشجيع التجارة الحرة والعولمة، وتم تقبل عدم المساواة المتزايد باعتباره ثمناً يستحق دفعه من أجل النمو الأسرع.

لكن الثمن الآن أصبح باهظاً وغير إنساني، والفشل في الحلول يواجه كافة الإيديولوجيات التي تتصارع وتتجاذب باحثة عن مخرج، وإذا كان البعض مثل فوكوياما يتخوف من النموذج الصيني كحل شمولي يشجع على نمو الإيديولوجيات الاستبدادية، فإن كثيرين يرون أن هذا النموذج ليس إلا فرعاً من النماذج الرأسمالية التقليدية، فحين حدد الزعيم الصيني قبل ثلاثة عقود دينغ زياو بينج مسار الاقتصاد الصيني معلناً أن: «الثراء هو المجد»، لم يكن بوسع رونالد ريغان أو مارغريت تاتشر التعبير عن ذلك على نحو أفضل، كما قال راتشمان.

سواء اتفقنا أو اختلفنا مع أطروحة فوكوياما فهي محفزة لإعادة التأمل ومراجعة أفكارنا للتفكير خارج الصندوق. وفي ظل تفرخ إيديولوجيات جديدة ذات اليمين وذات اليسار، يتردد صدى مقولة جرامشي: «القديم يموت والجديد لا يمكن أن يولد. وفي الفترة الفاصلة ستظهر مجموعة كبيرة من الأعراض المرضية».. وإذا صدقت هذه المقولة على مرحلتنا، فنحن نعاني من أعراض مرضية حادة، ولعلنا نتفاءل بمقولة فوكوياما التي ختم بها أطروحته: «البديل موجود هناك، في انتظار أن يولد».

alhebib@yahoo.com
 

حيرة إيديولوجية.. من يفك أزمة الاقتصاد العالمي؟
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة