ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 30/01/2012/2012 Issue 14368

 14368 الأثنين 07 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في الأسبوع الماضي كانت الحلقة الأولى من هذه المقالة محاولة لذكر بعض الأسباب والمبررات لبكاء دجلة الخير؛ رمزاً من رموز وطن كانت له حضارة عريقة، وكانت فئات شعبه وطوائفه تعيش متوحدة متناغمة في نعمائها وبأسائها.

فماذا عن أسباب بكاء صبا بردى ومبررات هذا البكاء؟!

عندما كنت فتى أدرس في المرحلة المتوسطة من المعهد العلمي عرفت أن بلاد الشام بلاد دعا لها بالبركة نبيناً محمد، صلى الله عليه وسلم. وكانت سواليف المجالس في مسقط رأسي ومرتع صباي كثيرة ومفصلة، أحياناً، عن مسير من ثقلت عليه وطأة الأيام من الآباء إليها؛ آملين أن ينالهم نصيب من تلك البركة؛ وهم يرددون عند انطلاقتهم في ذلك المسير: «الشام شامك إلى من الدهر ضامك». وفي تلك المرحلة الدراسية، أيضاً عرفت - كما عرف أقراني من أبناء الجيل الذي أنتمي إليه - سورية، موطن حضارة عربية أصيلة قال عنها أمير شعراء عصره، أحمد شوقي؛ متحدثاً عن عاصمتها دمشق:

لولا دمشق لما كانت طليطلة

ولا زهت ببني العباس بغدان

وعرفتها - كما عرفها أولئك الأقران - قلباً عروبياً ثائراً ضد المستعمر الفرنسي مهما واجه وتكبد من جبروته. وكان مما حفظناه عن ظهر غيب قصيدة أحمد شوقي؛ مخاطباً دمشق بقوله:

سلام من صبا بردى أرق

ودمع لا يكفكف يا دمشق

ومنها عن ثوارها الأبطال:

دم الثوار تعرفه فرنسا

وتعلم أنه صدق وحق

وللحرية الحمراء باب

بكل يدٍ مضرَّجة يدق

وعند حفظنا لتلك القصيدة كان قادتها شكري الفوتلي وصبري العسلي، رحمهما الله، وأمثالهما.

ومرت الأيام تلو الأيام، والسنوات إثر السنوات، وشعور المودة لذلك القلب العروبي ثابت راسخ. وحينما زرت دمشق ذات مرة عبرت عن شيء من ذلك الشعور قائلاً:

في مهجتي لربوع الشام تحنان

صانت حُميَّاه أزمان وأزمان

وأمطرته من التاريخ غادية

فاشتد أصلاً وماست منه أغصان

أتيت أحمله حرفاً تسطِّره

مشاعر وأحاسيس ووجدان

إن لم يرق لهواة الشعر قافية

أو ندَّ في سبكه لحن وأوزان

فللهوى في عيون العاشقين رؤى

هي البيان إذا ما عز تبيان

وخاطبت دمشق قائلاً:

دمشق يا ألق التاريخ هأنذا

قَدِمتُ إذ لوَّحت لي منك أردان

قَدِمتُ ألثم مجداً شاده نجب

بهم تشرَّف مروان وسفيان

وأجتلي فيلقاً يمضي فتتبعه

فيالق شقاها للنصر ميدان

أنتِ الحضارة إشعاعاً ومنطلقاً

وأنتِ منبت أمجادٍ وبستان

وأنتِ يا قلعة الأبطال ملحمة

في ميسلون لها وقع وألحان

دم الشهيد رواها نخوة وفدى

والترب تفديه أرواح وأبدان

وحينما أتيحت لي الفرصة لزيارة حلب قلت عنها؛ مستوحياً شيئاً مما قاله عنها أبو الطيب:

منية الروح أن يكون السبيل

لربوع بهن يشفى العليل

ومغاني الشهباء دوح فخارٍ

ظله متعة النفوس ظليل

لوحة من روائع الفن فيها

ما إليه نفس الأديب تميل

وبها السادة الألى علَّمونا

كيف تسمو إلى المعالي الأصيل

وصبايا من جنِّة الخلد حور

لهوى الروح لطفها سلسبيل

يرتدين العفاف ثوباً قشيباً

ناسجاه القرآن والإنجيل

إيه.. يا روعة الديار فؤادي

في سويدائه هواك نزيل

هأنذا أتيت مضرم وجد

حاملي الود والغرام الدليل

وبعد أن تحدثت عن أبي الطيب وممدوحه سيف الدولة ختمت القصيدة بالقول:

إيه.. يا روعة الديار ومهداً

وصف آيات حسنه مستحيل

بهجتي في حماكِ عظمى وقلبي

واجف إذ بدا لعيني الرحيل

أما بعد:

فماذا أرى على ثرى سورية منذ أكثر من عشرة شهور؟ لقد عبرت عن ألمي لما يجري فوق ذلك الثرى من كوارث لم يكن يظن أي مخلص لأمته أن يراها. لقد صمد الشعب السوري أمام المستعمر الفرنسي. وكان رزؤه على أيدي جلاوزة ذلك المستعمر. لكن رزأه الآن على أيدي من هم من أهله؛ وهو رزء يعجز كاتب هذه السطور عن التعبير عن فداحته، فيجد نفسه قائلاً كما قال الشاعر أحمد شوقي من قبله:

ومعذرة اليراعة والقوافي

جلال الرزء عن وصف يدق

فرَّج الله كرب هذه الأمة بعامة وكرب الشعب السوري بخاصة.

 

أدجلة الخير أبكي.. أم صبا بردى؟ - 2 -
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة