ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 31/01/2012/2012 Issue 14369

 14369 الثلاثاء 08 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

العرب بصورة عامة شكاكون وفي ذات الوقت تتكاثر عندنا أمثلة السخرية من الأغبياء الذين يقعون فريسة للأذكياء والعيارين! وفي كل بلد عربي مدينة أو منطقة معينة موصومة بالغباء والبلادة أو الشح والبخل!

أمثالنا توحي بالكثير من منطلقاتنا ومتقبلاتنا المتفق عليها في التعامل، وتعكسها بمواربة مقصودة وإيجاز بليغ في مرآة الرأي الجماعي كحكم متوارثة؛ مثلاً: «الأقربون أولى بالمعروف»، و»أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب»، مثلان تنضح منهما العصبية وتقديم القرابة على الحق؛ فلا تعجب أن نرى معها أيضا «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» أو حتى «حلاة الثوب رقعته منه وفيه». فالأمر كله أولا وأخيرا يتعلق بإخفاء نقاط الضعف الفردي بالتعاون مع الأقربين مما يضمن البقاء وحسن السمعة.

أما «كُل ما يعجبك؛ والبس ما يعجب الناس» فيعني أنك لابد أن تساير أعراف المجتمع في المحيط المشترك معهم، ولكن خياراتك في احتياجاتك الشخصية البحتة وأفعالك الخاصة هي لك. وهذه ليست دعوة لممارسة الازدواجية بين تصرفات السر والعلن، ولكنها دعوة لتجنب إثارة الاستهجان والنقد وربما المحاسبة والإقصاء إن لم يكن المعاقبة. ما يعني أننا نعلم أننا إقصائيون ولذا نحاول تفادي الوقوف في موقع المقصى والمعاقب. وهذا ما لايطبقه المصرون على بنطلون «طيحني» وتسريحة «الكدش» بينما قد لا يعاني منه من يلبسون السروال السنة والفانيلة وهما أقرب إلى ما لا يجب أن يراه الآخرون في أي موقع في المنزل أو خارجه.

وبينما مثل «الطريق إلى قلب الرجل يمر بمعدته» قد يكون عالميا، إلا أن للطعام والإطعام موقع خاص عندنا ربما متجذرا في شح ماتوفره سفرة الصحراء. فالمثل المتهكم «من كرمهم ما يورثون!» هو هجاء مبطن ينقد الإسراف غير المنضبط. والمثل «أطعم الفم تستحي العين» نصيحة حكمة تدعو لتذكّر أن عيون الآخرين المعنيين بقراراتك تراقب أفعالك، ثم لا تعنى بدعوة الفرد لتوخي الخيار الصحيح بعيدا عن الخطأ بل تتورط في النصح بكيفية التأثير بحكم الناس انتهازيا! حيث لكي تستطيع التأثير في موقف الناس المعلن حولك، وإيقافهم عن التدقيق فيك والحكم عليك سلبيًا عليك إكرامهم وإرضاؤهم ماديا.. وهذا ليس كرما نبيل المنطلق منزها عن القصد بل فعل مقصود به شل قدرتهم على الوقوف ضدك أو إعلان رأيهم الصحيح فيك ولو كنت لست على حق.

وكثرة استخدامنا للأمثال بصورة استعاضة بلاغية عن الإسهاب في شرح موقفنا من قضية بعينها توحي بما وصلت إليه البلاغة من موقع في ثقافتنا الحوارية حيث «خير الكلام ما قل ودل» ويفهمه ويوافق عليه الجميع محفورا بالذاكرة الجماعية؛ حتى لو كان حكما مخطئا علميا أو دينيا؛ مثلاً: «من شابه أباه فما ظلم».. و»هذا الشبل من ذاك الأسد».. تعني أن لنا أن نحكم على الفرد بفعل غيره وهذا طبعا يتناقض مع الكلام المنزل «لا تزر وازرة وزر أخرى»، و»لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت».

أما «العرق دساس» و»الطبع يغلب التطبع» فيشير إلى أننا نرث قيمنا وانفعالاتنا من ذوينا، ونتعلم تصرفاتنا من الأقربين المهيمنين في حياتنا وهذا هو المتوقع مجتمعيا وهو غالبا صحيح أيضا. و هناك الأمثال المتضادة النصيحة مثل تضاد فحوى «الصديق عند الضيق» و»احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة» ولكنه يبرر الثانية بمبدأ الشك الواجب احتياطا من الإفراط بالثقة فيمن تتوقعه مخلصًا «فلربما انقلب الصديق فصار أعلم بالمضرة»؛ ويقاربه «الأقارب عقارب» الذي يعني احتمالية تضاد مرئياتك مع رغباتهم.

من هنا يأتي طغيان مبدأ الشك بالغير، وحتى استفحاله في إشراع باب سد الذرائع على مصراعيه: فنحن غالبًا لاننتظر حتى تناقض نتائج التجربة الفعلية توقعات مبدئية ببراءة الفرد، أو إذا تضاربت رؤية الكبار المهيمنين في حياتنا؛ هذا ينصحنا أن العالم سيئ وكل من فيه لايوثق بهم لأنهم مشغولون بالكيد لنا.. وذاك يؤكد أن الخير هو الأصل، و»افعل خيرا وارمه في البحر»! لا يبقى للفرد إلا أن يحتاط لكي لا يكون ضحية «وقوع الفاس في الراس» لغبائه وثقته. ومثل آخر يؤكد: «كل إناء بما فيه ينضح» و»كلٌ يرى الغير بعين نفسه» فيضع اللوم على الفرد ذاته في الرؤية التشاؤمية أو توقع الكيد والخبث والجحود من الآخرين، حيث ما اعتاده الإنسان من نفسه هو ما يتوقعه من غيره! أما الأكثر حكمة فهو القول الكريم الذي يجمع الإثنين في «تفاءلوا بالخير تجدوه». ومثل منطقي: «إن الطيور على أشكالها تقع» يضع تفسيرًا معقولا لوجود الحالتين في عالم واحد. الخير يولد الخير في الآخرين والشر يستثير الشر ويؤجج تصاعده. بمعنى أن من ينشأ في جو نفسي سلبي يفيض بالشك والكآبة سيكبر شكاكا، كئيبا، لايرى إلا السلبيات والنواقص ولا يتوقع إلا مسببات الشكوى والنقد ولا تلتقط راداراته إلا مسببات التوجس والخوف. وبالمثل من نشأ في جو محتفل بطيبته وبالآخرين، سيظل يرى العالم واعدا بالاحتفاء وقابلا لإسعاده بما يتمنى؛ سواء سماه الآخرون: طيبا!! .. أو غبيا!

 

حوار حضاري
في مرآة الأمثال
د.ثريا العريض

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة