ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 06/02/2012/2012 Issue 14375

 14375 الأثنين 14 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كي ننجز ونبدع نحتاج إلى الانتماء، أن نوكل ثقتنا من يحيط بنا، أن نرهن حياتنا من يحفظها، أن نفتح نوافذنا دون قلق مما قد يعصف بأحلامنا، نحتاج يدا تطوقنا بدفء لا تشوبه مصالح شخصية، ومشاعر صادقة لا تكتنفها الأكاذيب، ووعود نزيهة مخلصة لا يغلفها الخداع، ولأننا جبلنا على الطيبة تبنينا سياسة

دارجة مضمونها «أحسنوا النية»، حتى بتنا نغض الطرف عن أبسط حقوقنا ملتحفين وسادة التبرير لمن أخطأوا في حقنا، لكننا على الأغلب لا نجني من ذاك التغاضي إلا الهزيمة من أناس اعتادوا أن يخذلوا من يثق بهم، فالصدق كمفهوم أخلاقي أخفق كما نرى في تطبيقاته على أرض الواقع، والثقة وإن كانت مطلبا حضاريا انتهكت بلا أدنى اكتراث من أناس توسدنا بهم غالبا الثقة، فلم نستمر متسلحين بثقتنا بهم بعد كل تلك التطبيقات الفاشلة بحجة حسن النية؟

ما تشير إليه وقائع الأحداث لحالات من الناس ممن قد وثقنا بهم وخذلونا، تجرفنا مع الأسف لتوجيه أصابع الاتهام لأنفسنا بالتراخي والضعف في التعامل معهم، فغض الطرف عن سلوكيات من هم يقعون تحت مساءلتنا دون أدنى اكتراث، لا يمثل في حقيقة الأمر تفهما مدروسا وواعيا كما نظن، بل قد ينظر له كهروب من المسئولية ينتهجه أولئك الذين يسعون دوما لتجنب الدخول في متاهات المحاسبة، فعلى رأي البعض لا يتوافق تحقيق «راحة الدماغ» مع أنين العتاب وإلقاء اللوم على الآخرين، ولا يأتي مع المحاسبة عادة إلا وجع الرأس وخسارة المحيطين، قد تكون هذه المقولة صحيحة في جوهرها، لكنها تنحى بلا شك نحو اللامسئولية التي قد ينأى عنها انحدار أخلاقي مجتمعي نرشف مراره لاحقا، فالابن أو الابنة اللذان أمنا متابعة ومساءلة راعيهما لهما قد يجرا عليه من المصائب ما هو بغنى عنه، والموظف والموظفة اللذان أمنا مساءلة المدير أو القائد في عملهما ينزعان في أغلب الأحيان للتراخي عن أداء الواجب الوظيفي، والطالب والطالبة اللذان تركا دون توجيه ومحاسبة من معلميهما يتعلمان الاستمتاع بالفشل دون أدنى إحساس بالذنب وتأنيب الضمير، فالثقة المطلقة بمن حولنا كما يبدو تقود لرسائل مبطنة مغلوطة تحمل معنى «أنتم أحرار بأنفسكم» وبالتالي افعلوا ما شئتم، فكم من ابن خذل والديه وموظف استغل عمله وطالب قصر بعلمه كنتاج لمخزون الثقة التي منحت لهم من أناس وثقوا بهم دون أدنى متابعة! فحسن النية قد يكون منحهم دون قصد سببا للتراخي والتهاون في حقوق كان ينبغي أن يحفظوها، والحل بالتأكيد لا يكون بالتخلي عن أخلاقيات وقيم عهدناها كحسن النية، لكن قد يكون بانتهاج سياسة معتدلة في التعامل مع من حولنا تحمل شعارا جديد عنوانه «أثق بك ولكن»، فالثقة بالغير مطلب ومصدر للاستقرار والعطاء، لكنها يفترض أن تكون ضمن حقيبة من السلوكيات التي تدعمها وتحفظ بقاءها، كالمتابعة والمسائلة والمحاسبة، فالمتابعة تحمل في مضمونها الاهتمام والحرص بما يقوم به الشخص،والمسائلة تؤكد المسئولية لسلطة غير السلطة الذاتية لمتابعة مجريات السلوك، أما المحاسبة فهي النتيجة الحتمية التي يفترض أن نصل لها بعد منح الثقة كي يشعر أولئك الذين وثقنا بهم أننا منحناها لهم مشروطة متوخين فيهم تقديم ما يئول بنا للاستمرار بها أو سحبها، وبدون تلك العناصر السابقة لا يمكن للثقة إلا أن تتحول مع الوقت حق مكتسب في نظرهم يقود بهم تدريجيللاستهتار والتسيب والانجراف في تحقيق المصالح الشخصية، الحقيقة أننا وعلى الرغم مما سبق نبقى بأمس الحاجة لتعزيز مفاهيم الثقة والاطمئنان فيمن حولنا كبداية للانطلاق في عالم آمن، لكننا نحتاج أيضا تأسيس قاعدة قوية توحي أن ما بعد الثقة من مخرجات يعطي الحق لمن منحها بالاستمرار بمنحها أو سحبها، كي لا تحال الثقة سلاحا يوجهونه نحونا دون أن نعي مع الأيام.

salkhashrami@yahoo.com
 

ما بعد الثقة
د. سحر أحمد الخشرمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة