ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 06/02/2012/2012 Issue 14375

 14375 الأثنين 14 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

عندما تدور فكرة في رأسك, تجد الكون كله يمدّك بالعون والمعلومات هكذا يقول البرمجيون.

«الناس يتفرقون بقدر ما يجتمعون, ويختلفون بقدر ما يأتلفون». تلك العبارة هدتني إليها الصدفة في كتاب خطاب الهوية للمفكر البناني «علي حرب». في نفس الوقت الذي كنت أفكر فيه أن التشابه بين الناس أمر حتمي ونهائي مهما بذلوا في سبيل التميّز. فعلاوة على التشابه الأساسي في النوع وتركيب الدماغ. آلية الحركة والنطق, والتكاثر, والفناء. نحن متشابهون في النوايا والرغبات والدوافع. لعل هذا هو السبب الذي يحدوا كل منا لإبراز نقاط الاختلاف أكثر من سعينا لإثبات التشابه ونقاط الالتقاء. لأنه بالاختلاف نؤكد وجودنا وجدواه!. وهو سبب -أيضا- لنشوء طوائف ومذاهب فكرية ودينية وسياسية. لهذا هناك مبدعون وفنانون ومؤلفون وتقليعات غريبة وتوجهات متطرفة. متشددون ومتحررون و.. و.. إلخ..

كل ما نقوم به من أفعال وممارسات هو في النهاية حيلة للفرار من قبضة التشابه, سواء كان هذا بفعل واع أو من اللاوعي. حتى أولئك التقليديين, والصامدين في وجه التغيير المضطرد للحياة. هؤلاء أيضا يلبون الحاجة الفطرية للتميز لديهم من خلال التمسك بالقديم والمتعارف, بالمكان واللهجة والممارسات. حينما أرى قصورا كلفت مالكيها ملايين الريالات لكنها بـُنيت مُحافظة على طراز البيوت القديمة, أفكر أنها حيلة التمسك بالأصل لالتماس التميزّ. التميّز الذي يعتبر «حب الذات» أحد دوافعه الرئيسية. إذن نحن متشابهون, وتأتينا رسائل من الحياة بهذه الحقيقة ولكننا لا ندرك الأمر أو نتعامى عنه. كل مرة نقرأ رواية ونرى أنفسنا في أحد شخصياتها. كلا.. فلم تنعكس شخصياتنا في أحد ممثليه, كل مرة نفعل ما ندّدّنا فعله من قبل شخص آخر سبقنا.كل ردة فعل لشخص ما في الذاكرة, لم نكن نتوقع أبدا أننا نقوم بها لولا أنها ظهرت رغما عنا من خلال تجربة مشابهه. كل تلك هواتف ورسائل تقول لنا إننا متشابهون!. ولكن «حب الذات» يعمي أعيننا عن تلك الحقيقة, ليُبقي على اختلافنا المزعوم. الاختلاف الذي نكذب على أنفسنا به, أو نسبغه على من نحب, ونتصور أنهم أنقياء, ومتطهرين من أناهم, وأنهم خرجوا من التمحور على الذات وكرسوا وقتهم وأهتماهم بالآخر المعوز. الناشطون الذين يزورون الأيتام والمرضى مثلا, الكتّاب اللذين وظفوا أقلامهم لهموم الناس ومشكلاتهم. أو الذين اشتغلوا بمؤازرة الضعفاء والمسلوبين. حتى هؤلاء فضحهم فرويد وأعادهم إلى زنزانة الذات من جديد عندما قال (إن الشخص النرجسي منغمس مع الآخرين ومندمج معهم ويعاملهم كما لو كانوا امتدادا له!).

من كان يصدق أن أم كلثوم وحليم اللذين غنيا للحب والحرية والوطن, كوكب الشرق التي إذا حان وقت إذاعة أحد أغانيها على الهواء تخلو شوارع الشرق العربي من المارة, ويتوقف العمال عن أعمالهم, ويعود الناس إلى البيوت. والعندليب الأسمر, شيخ طريقة الحب, وصاحب أكبر جنازة في تاريخ مصر الحديث, الذي انتحرت الفتيات لخبر وفاته. أن نرجسيتهما دفعتهما لخلاف دام خمس سنوات, للحد الذي دفع أم كلثوم لتقوم بالمقالب للحد من لمعان هذا النجم الجديد الذي بدأ بخطف الأضواء!.و يشكوها حليم للجماهير, ويطلق تصريحاته الشهيرة ضدها في حفلاته. لقد كانا ضاريين في عداوتهما, وعنيدين. لم يصمد اختلافهما الجميل, أمام «حب الذات» الذي هو أشد السمات تشابها عند البشر. مهما تزلفنا للاختلاف ونسبنا لأنفسنا الفرادة نبقى مجرد بشر يشبه بعضنا بعضا.

فعلى صعيد الداوفع والمشاعر والنوايا ليس فينا الأفضل والأنصع والأطيب, ولا أدري أي حَكيم من آبائنا الأقدمين الذي أطلق المثل الشعبي: «ابن عمك طولك».

 

إني أرى
ابن عمّك طولك!
كوثر الأربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة