ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 08/02/2012/2012 Issue 14377

 14377 الاربعاء 16 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لا يعني قول معد مسبقا, التخطيط بالمشاركة ولا المحاسبة بالشفافية والعلنية ولا الشراكة في التمثيل أو الرأي على قدم المساواة ولكنها كلمة ناعمة ومهذبة تشبه كلمة («أقلطوا « على قاسمة الله واستروا ما وجهتم), وهي تشبه أيضا قول (فصلنا فالبسوا واحمدوا المسِخر لخلقه) أو المثل الشامي القائل «كل وأشكر». أو «بوس ولا تنبس بحرف».

وقد وجدت في العبارة عنواناً موحياً يصلح للتعبير بنوع قريب من الدقة وإن لم يكن بدقة تامة عن العلاقة بين طرفين متكافئين في الوجود، ولكن غير متساوين في حق التمثيل لهذا الوجود؛ سواء كان ذلك في علاقة نظام بشعب أو في علاقة رئيس بمرؤوس أو في علاقة النوع الاجتماعي / علاقة الرجل بالمرأة. وهي تعبير موحي أيضا في التعبير عن علاقة من يظنون أنفسهم نخبة سواء كانت نخبة مال أو جاه أو دين وبين من يصنفون من قبل هذه (النخب) في موقع الرعاع بالمقابل لمكانتهم النخبوية. فالإعداد المسبق في هذا السياق ليس مثله إلا خارطة الطريق التعسفية التي يفرضها القوي على الضعيف عند اختلال توزانات القوى؛ مثلما هو الحال العربي مع الطرف الإسرائيلي الأمريكي. فـ»المعد مسبقا» يعني أن يكون أحد طرفي المعادلة فاعلا أي يسند لنفسه دور البطولة بالتخويل أو الاختطاف بينما يحصر أو بالأحرى يحاصر حضور الطرف الآخر في موقف الفرجة أو التصفيق أو التكثير. وفي هذا فضرورة حضور هذا الطرف لاستكمال المشهد لا تبرر له المشاركة في المشهد ولا بدور كومبارس, ناهيك عن إعطائه الحق في اقتراح مشهد بديل أو تعديل المشهد كالمطالبة بالإصلاح.

ومن بعض الأمثلة اليومية الصاخبة هذه الأيام على التكافؤ في الوجود وعدم المساواة في التمثيل, موقف أي من الأنظمة المنهارة مع شعبها. فليس هناك نظام دون شعب ولا حاكم دون محكوم إلا أن هذه الضرورة الوجودية لتواجد الطرفين معا, لا تقابلها مساواة في التمثيل ولا في توزيع الثروات ولا في المثول أمام القانون، إن وجد، ولا في سواه من الحقوق الوطنية. ويكون ذلك بشكل أفدح بطبيعة الحال حين تراوح تلك العلاقة بين الطرفين في أشكال «بدائية» أو «عضوية» بالتعبير «السيسيولوجي» لا تنقلها إلى المرحلة «التعاقدية» بين الدولة والمجتمع.

فقد سمعنا وشاهدنا عدداً من الطغاة قبل سقوطهم بل وإلى لحظاته الأخيرة لا يعترفون بتمثيل الطرف الآخر، أو أي من قواه الاجتماعية لأنهم لا يتخيلون أن يكون لهذا القطاع العريض من الناس أي الشعب أي كلمة أو موقف خارج ما هو «معد مسبقا» لهم في السياسية المتبعة لإدارة الرعية بروح القطيع الذي يسير بعصا ما هو «معد مسبق» له؛ سواء في مصيره الوطني العام أو في تفاصيل معيشته اليومية. وأسلوب «معد مسبقا» أو «كتبت الأقدار وجفت الصحف», لا نجده فقط في موقف الأنظمة من الشعوب بل نجده منهجا تربت عليه الشعوب نفسها واستبطنته لدرجة أنها قد تضيع أو تتخبط إذا خرجت عليه، أي خرجت على ما هو «معد مسبقا».

وقد يكون في هذا بعض ما يفسر المشهد السياسي الغامض بتخبطه وعشوائيته في بعض الدول العربية ما بعد شرارة الثورة. فالشعوب التي استطاعت أن تسقط أنظمة وتزيل حكاما كانــوا يظن أنهم غير قابلين للزوال هي نفسها التي لا تستطيع ما بعد الحدث الجلل أن تجري قطيعة صغيرة مع منهج ما هو «معد مسبقا». ومن هنا فقد تراجع مد الشباب في العملية السياسية رغم أن الشباب كانوا ولا يزالون هم نسغ تلك الثورات وأوارها. غير أن من الواضح أن هناك توجها سياسيا عاما ما بعد الثورة يقوم باستسهال اللجوء إلى ما قد يبدو أنه «معد مسبقا» ، وإن أدى ذلك لتواضع الحلم الثوري, إن لم يكن يؤدي إلى إجهاضه لا سمح الله. ليس هذا تبسيطا مخلا يراد به تفسير صعود تيارات الإسلام السياسي، فذلك عمل مركب، ولكنها محاولة للخروج على «المعد مسبقا» من الإجابات الجاهزة والتفسيرات الأحادية التي تتردد هذه الأيام عن أسباب هذا الصعود فتفسر المسألة تفسيرا مبتسرا يردها إلى النزعة التدينية لدى تلك الشعوب بما يخلط السياسي بالديني خلطا سياميا، وكأنه لا فكاك منه أياً كانت افتعالية الارتباط، أو تفسر بعدم خبرة الشباب و سواها من التفسيرات التي يقل فيها الاجتهاد المجدد، ويهمل بها مطلب التحول المدني.

بالإضافة لما جاء أعلاه تبقى هناك أمثلة أخرى على ما تفرضه عقلية ومنهج «المعد مسبقا» من تمكين طرف من أطراف علاقة القوى وتقويته مع إضعاف وتجريد الطرف الآخر، ومنها ذلك المثال الذي تكاد أن تفقد المرأة اليوم فيه كما فقد في الموقف أعلاه الشباب القدرة على أن يكون لهم تمثيل في المشهد السياسي. يجري هذا الإبعاد رغم أن المرأة كالشباب كانت تقف بجدارة لتشعل رايات الحرية والكرامة والعدل على أرض الواقع وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، حيث كان وجهها بالحجاب وبدون حجاب وجها حيويا وحاضرا بقوة في مشهد الثورات التي أطاحت بحكم الطغاة. ومن هنا كان سؤال الاحتجاج الاستنكاري الكبير في صحف الأسبوع الماضي وعلى الفيس بوك: هل يعقل أن لا تمثل نساء مصر المشاركات في الثورة على قدم المساواة في الكفاح والتضحيات إلا بعشر برلمانيات فقط لا غير؟؟؟.

أما ما أثار عاصفة هذه العبارة «معد مسبقاً» على مفاتيحي وشوش على بصري وشاشتي فهو تلك المنصات التي تنصب، بهدفها المعلن في إيجاد مجال للتحاور وتبادل الآراء بين طرفين يتكافآن في الوجود ويفترض أنهم يتساويان في حق التمثيل والتعبير؛ لتكون المفاجأة أن المشاركات القليلة المتاحة «معدة مسبقا».

ولعله لا يشفع لي أنني كتبت هذا المقال دون خارطة «معد مسبقا», فأعطيت نفسي بعض حق الخطأ والصواب، ولله الأمر من قبل ومن بعد في هذا، وفي كل أمر.

 

معد مسبقاً
د.فوزية عبدالله أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة