ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 13/02/2012/2012 Issue 14382

 14382 الأثنين 21 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في الحارة القديمة عاش الشاب أحمد في بيت طين صغير، كانت مساحته لا تتجاوز أكثر من 100 متر مربع، وبسبب ضيق مساحته كان يقضي أغلب وقته في الشارع، يلعب مع أبناء الجيران بعد عودته من المدرسة، ويقضي نهاره مع أصحابه، الذين قدمت أسرهم من كل صوب للمدينة، جمعتهم في الحارة القديمة حاجات العمل والتعليم والبحث عن حياة كريمة، كان زمناً لا يشعر فيه الناس بالاختلاف، فأحمد قدم من قريته القريبة من المدينة من أجل إكمال تعليمه، وجاء والد جاره القريب من الجنوب للعمل، وآخر ترجع أصوله لليمن الجنوبي، قدم والده مهاجراً لأسباب يجهلها الشاب، ويأتي آخرون من حي الدواسر في جنوب المدينة للعب كرة القدم في ملاعب الحارة الترابية، وأحياناً ينظم إليهم أسامة ابن المعلم السوري في المدرسة.

في المناسبات العائلية تجتمع الأسرة الكبيرة ويأتي الأقارب من كل صوب، يؤدون الواجب ويتواصلون في أجواء أسرية ممتعة، وفي أحد تلك الأيام شد انتباه الشاب حديث أحدهم عن الأصول وعن القبيلة، وعن فخذها الذي كاد يصل إلى منزلة استثنائية بين البشر، وأن طيب وأصالة رجال القبيلة جاءت من أصلها الرفيع، ليستمر الحديث عن عزوة وصيحات القبيلة، وأن النخوة من الرجل لأخيه في القبيلة من سلوم العرب، والذي ما يستجيب لفزعة ولد القبيلة رخمة، وإذا بالشاب يتحرك بلا شعور في اتجاه الرجل المتحدث يسأله: من هو الرخمة يا عم؟، قال الرخمة هو الدجاجة الصقعاء أي الجبان الذي إذا طلبوا منه الرجال فزعة ما يجيب يعني مثل الحضري أصفر العرقوب اللي همه بطنه مثل الدجاجة..، إياك يا ولد عمي أن تتطبع بطبائع جيرانك الحضران، خلك ذيب فديتك!، ويستمر يسرد للشباب عن قصص الأولين وغزوات الأجداد ومرابعهم في الصحراء.

لم يشعر بتلك الطمأنينة التي كان يعيشها مع أولاد الحارة من قبل، بل صار يتحدث عن الآخرين من فوقية، ومن خلال مفردات جديدة ودونية، وبعد شهور انتقل مع العائلة إلى منزلهم الجديد في شمال المدينة بعد نجاح والده في الحصول على منحة عقارية، وفي الحي الجديد توقفت علاقاته مع أبناء الجيران وصار يقضي أوقات اللهو واللعب مع أبناء عمومته وأقاربه، بل صار يحرص دئماً على سؤال كبير العائلة عن أصل فلان، وأين ترجع العائلة الفلانية، وهل هم من قبيلة أو لا، وحرص أن يزور مع أبناء عمومته مرابع القبيلة في أطراف المدينة ومكان هجرتهم واستيطانهم أراضيهم قبل مائة عام..

لم يتوقف الشاب عن زيارة أحد أقاربه، وكان متديناً، ولكن في أسلوب مختلف عن أبناء حارته القديمة، فقد كان يتحدث عن الجهاد ضد الكفار والمجتمع الكافر، وأن المهدي قد قرب زمن ظهوره، وأن رجل يخرج من قبيلة قحطان في آخر الزمان، تدين له الناس بالطاعة، وتجتمع عليه، زاده ذلك في انعزاله عن المجتمع، وأصبح يشعر بنقاء وفخر لم يصل إليهما من قبل، وفي أول فجر من القرن الهجري الخامس عشر وقف أحمد على رصيف منزله ينتظر موعده، ومع طلوع الشمس اقتربت سيارة نقل صغيرة وانطلق معها، ليجاهد الكفار من البيت الحرام، ولم يعد بعدها إلى عائلته..

 

بين الكلمات
ولد حارتنا..
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة