ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 17/02/2012/2012 Issue 14386

 14386 الجمعة 25 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

رحم الله عبد الرحمن العميري المربي الأريب والحكيم الأديب
د. عبد الرحمن بن ناصر الداغري

رجوع

 

سأرسم لكم أولاً صورة لا تفارق ذهني لأبي أحمد - رحمه الله - زمانها قبل عام من حرب 67، ومكانها: مدرسة ابن عباس الابتدائية في الدلم.

الشتاء قارس، وطلاب هذه المدرسة يدلفون إليها مسرعين لفصولهم، ليتقوا سطوة ذلك البرد، وكأني أنظر الآن إلى طلاب الصف الخامس (أ) وقد تجمع كل واحد منهم في ملابسه، على كراسي الخشب التي يتسع الواحد منها لثلاثة، وقد قفَّز بعضهم يديه، والجميع في انتظار بدء الحصة الأولى.

والحصة الأولى هي حصة القواعد، ومدرسها الأستاذ: سعيد بن ذياب - رحمه الله - ذلك المدرس الحريص على النظام، والترتيب، يدخل الأستاذ، ويلحقه مباشرة مفتش طويل القامة، حسن المظهر، قد لبس البشت في وقار، يدرك من رآه أن في هذا الهدوء والرزانة ثقة بالنفس، وعظمة في الأخلاق.

يبدأ المدرس في الشرح، وعيوننا على المعلم تارة، وعلى هذا المفتش الوقور تارة أخرى، وتقترب الحصة من النهاية فيستأذن المفتش الأستاذَ في الاطمئنان على مستوى الطلاب، فيشكر المدرس كعادة الكرماء، ثم يتبعه بأسئلته الهادئة، تعقبها توضيحات جميلة لبعض ما يرى أنه بحاجة إلى توضيح بأسلوب آخر. وتنتهي الحصة فيخرج المفتش مسلّماً، كما دخل مسلّماً.

في حينها رسم الخيال صورة مثالية لهذا المفتش القدير، الذي نحسب وظيفته ونحن صغار أعلى وظيفة في وزارة المعارف، كما تسمى آنذاك. وتكبر في عيوننا تلك الوزارة من مفتشيها الذين يرسمون صورة لمن ندبهم، وكلفهم.

هذا المفتش القدير هو الأستاذ عبد الرحمن بن أحمد العميري الذي توفي -رحمه الله- يوم الجمعة 11-3-1433هـ وصلي عليه في جامع الراجحي في الرياض بعد صلاة عصر يوم السبت 12-3-1433هـ، ودفن في مقبرة النسيم - رحمه الله رحمة واسعة.

ترجم له أخونا الأستاذ عبد العزيز البراك في كتابه (شعراء من الدلم)، وذكر أنه ولد عام 1356هـ، وأنه حفظ القرآن على الشيخ سعد بن رشيد الخرجي - رحمه الله - وحظي بالتتلمذ على يد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في الدلم.

وتحدث عن مسيرته التعليمية تلميذاً في مدرسة ابن عباس الابتدائية، ثم في المعهد العلمي في الرياض، ومنتسباً في دار التوحيد بالطائف، ثم طالباً في كلية الشريعة في مكة المكرمة التي تخرج فيها عام 1382هـ.

كما تناول مسيرته الوظيفية مدرساً في معهد إعداد المعلمين في الدلم، والمتوسطة الأولى في الدلم، ثم مفتشاً تربوياً في إدارة التعليم في الرياض عام 1385هـ، وموفداً للتدريس في جمعية المقاصد الإسلامية في بيروت، ثم انتقل محققاً شرعياً في وزارة الداخلية، وختم حياته الوظيفية خبيراً للشؤون الإسلامية مع شيخه ابن باز - رحمه الله - في الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء حتى أحيل على التقاعد عام 1416هـ.

وتحدث أبو أنس في كتابه عن أدب أبي أحمد، وذكر أنه شاعر، وأورد بعض قصائده، وذكر أنه نشر بعض قصائده في الصحف المحلية، واستدرك قائلاً: (ولكنه مع ذلك مقل لا يحب الظهور). وقد قام - رحمه الله - بجمع بعض قصائده، وطبعها في ديوان.

أبو أحمد - رحمه الله - مثال للموظف المخلص الذي يحترم وظيفته وعمله، فلم يشتت ذهنه بأعمال ترزقية تكدر عليه وظيفته، وتجعله مشتت الفكر، منتهزاً الفرص لتطوير تجارته، وأعماله، وحافظ على وقاره الوظيفي، وإخلاصه المهني.

أبو أحمد - رحمه الله - أمضى جل حياته الوظيفية في التعليم، والدعوة، وما يتصل بهما، ولذا سما همه، وعلت طموحاته، وعاش حياة مثالية يقلقه ما يراه من سقوط في وحل الدنيا.

كما أنه - رحمه الله - مثقف واسع الاطلاع، شغوف بالحِكمة، والنبل، ومكارم الأخلاق، ويتمتع بحافظة قوية، تجلس معه فلا تمل مجلسه، وتخرج من مجالسته يحِكم وملح وطرائف، وغرائب، وأخبار، وأشعار، وفوق ذلك فهو - رحمه الله - ألمعي، تعجبه النادرة، والملحة، والاستنتاج الذكي.

وعنده - رحمه الله - من النبل، ومكارم الأخلاق ما يفوق الوصف، يشد محدثه بلطفه وتلطّفه، وحسن سمته، فلا يمكن أن تسمع منه كلمة نابية، أو جارحة، أو معرِّضة.

هذا اللطف، والنبل، والفضل مع الآخرين، تفوقه نعمة أخرى منَّ الله بها على أبي أحمد، وهي بره بأمه - رحمهما الله جميعاً - فقد كانت مولعة به، وكان بها باراً، فهنيئاً له حب أمه له، وبره بها.

رحمك الله أبا أحمد، وجبر عزاءنا فيك، والعزاء موصول لأبنائه أحمد، وعبد الله، ومصعب ووالدتهم، وأخواتهم، وذويه، ومحبيه كافة.

dr.aldaghri@gmail.com
 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة