ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 19/02/2012/2012 Issue 14388

 14388 الأحد 27 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بعد أكثر من خمسة عقود عجاف من الإبحار العميق في عناوين الحرية المتمردة والمتحررة من أطر محيطها الثقافي، ومحاولات نحت ثقافي مجلوب يسعى إلى سلخ الناس من قيمهم التي توارثوها، وإبعادهم عن محيطهم الاجتماعي، ومصادر تكوين هويتهم المنسجمة مع مورثهم الثقافي والحضاري، الهوية التي تميزت بشخصية اعتبارية متوافقة مع طبيعة تكوينها وأدوارها، والتي استمدت سماتها وخصائصها مما ارتضاه الله لها، ويحقق لها كينونتها المميزة بما يتوافق مع الفطرة السليمة السوية اللآئقة بالإنسان بصفته البشرية والإنسانية.

بعد هذه العقود من التيه الفكري، والاضطراب العقلي، والتوتر النفسي، لم يعد خافيًا أن كل المحاولات التي بذلت بإصرار ودون حياء من أجل إبعاد الناس عن مصادر تكوينهم، باءت كلها بالفشل، لم يقتنع بها الناس ولم يتقبلوها، لم يؤمنوا بها ولم يؤيدوها، لأن جل ما قدم لهم من أفكار ورؤى، وما زين لهم وسوغ من مفاهيم وممارسات، يتعارض صراحة مع أبسط قيمهم وأخلاقهم، مع فطرهم السوية السليمة، بل إن الكثير من تلك المفاهيم والممارسات يصادم العقل والمنطق، ويثير الإشمئزاز والغثيان، وبالتالي لا عجب أن ينأى الناس الأسوياء بأنفسهم عما لا يتوافق مع مسلمات آمنوا بها عقيدة، ورضوا بها منهاج حياة.

سئل أحد المؤمنين بالليبرالية، المتحمسين جدا لها، المدافعين بحماسة عن معطياتها، المسوقين لأفكارها وممارساتها، ما أبرز ما تعدونه إضافة تفخرون بها، لها قيمة وأهمية على مستوى حياة الفرد والجماعة؟ ما الجديد الذي تدعون أنه سوف يعلي من شأن حياة الفرد وكرامته، مع استقرار الجماعة ورقيها؟.

وفي المقابل، ما الذي يثير غضبكم وامتعاظكم في أنماط الحياة العام منها والخاص، لا سيما الأنماط التي تقبلها عامة الناس وارتضوها؟، لماذا التطاول على إيمانيات الناس وثوابتهم العقدية؟ لماذا الإصرار على إيذاء مشاعر الناس بنشر سفاسف الأفعال، وساقط الأقوال؟ لماذا كل هذا الإسفاف في تعرية الجسد؟ لماذا الاستهزاء والازدراء بما تآلف عليه الناس وتقبل؟ لماذا التسويغ الصريح لكل ما يعارض القيم ويصادم معايير الأخلاق؟.

وبعد طول بحث في الأوراق الصفراء والحمراء، وتأمل في المواقف السرية والمعلنة، وتنقيب هنا وهناك عما يمكن الاعتزاز به، وتذكر لما يمكن المباهاة بأهميته وقيمته، لم يتبين لذاك المتحمس بلا حدود لليبرالية ما يستطيع ذكره والمفاخرة به، ما يمكن أن يرقى إلى درجة الحماسة التي أبداها في التسويق والتشويق لجل مبادئها المتهالكة ومفاهيمها الفجة المعارضة لكثير من المفاهيم والقيم الإنسانية الرفيعة، والممارسات البشرية حتى البدائي منها فضلا عن المتمدن الذي يحتكم ويأخذ بأسباب الرفاهية والإنضباط بأنماط سلوكية ومعايير أخلاقية تحترم إنسانية الإنسان وقيمه وخياراته التي يرتضيها طواعية دون إكراه.

لقد أسقط في يد مؤمن الليبرالية، المعجب بمفاهيمها ومبادئها، المتحمس الحريص على نشر قيمها وممارساتها، حار واحتار وخاب ظنه، حيث تبين له أن في القدر الذي يغرف منه العديد من الثقوب، وأنه قدر فارغ أجوف، لايوجد فيه ما يمكن أن يستعان به، ويستفاد منه، وبالتالي إقناع الآخرين به.

على دعاة الليبرالية أن يدركوا أن المراهقة الفكرية التي مازال البعض يعيش تحت عباءتها المهترئة، ويتخبط في متاهات أزقتها المظلمة، أنها وإن أطربت البعض، فإن الغالبية العظمى لا يطرب لطنينها، ولا إلى شنشنة المعجبين بها، فعليهم أن يختصروا الجهد والوقت فيما لا طائل منه، ولا فائدة من وراء تسويقه.

 

أما بعد
قدر مثقوب ومغارف فارغة
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة