ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 22/02/2012/2012 Issue 14391

 14391 الاربعاء 30 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هل يمكن أن يكون الدهاء وسعة الحيلة وغزارة المعرفة، وعمق التجربة، ورحابة النفس، وصفاء القلب، ورهافة الحس، والمروءة والكرم والشهامة والبلاغة والفصاحة...

...في القول سببًا في سقوط الإنسان وضياع مجده؟ أو بتعبير أدق هل يمكن أن تتوفر كل هذه الخصال الحميدة والقيم الرفيعة في شخص ومع ذلك لا تحول بينه وبين كراهية الناس له، ونفرتهم منه، ونقمتهم عليه، وبالتالي سقوطه وضياع مجده ونسيان فضله؟ يمكن أن يتم هذا وقد حصل في التاريخ القديم والحديث أيضا لأناس معينين ترجع لسيرهم فيروعك مآلهم بعد الذي كان منهم من أعمال مجيدة، وجهود خيرة، ولكن قد لا تتوفر جميع هذه الصفات في هؤلاء الناس كما توفرت في صاحبنا الذي نحن بصدد الكتابة عنه لهذا الأسبوع.

وإذن فإنه لا بد أن يكون هناك خلل في التركيبة الاجتماعية لهذا المجتمع، فإما أن يكون المجتمع قد ضاق ذرعًا بهذا العالم، نتيجة لجهله (أي المجتمع) وسوء تقديره للأمور، وإما أن يكون هذا العالم قد زل زلة كبيرة استوجبت كراهية الناس له، ونفرتهم منه، ومقتهم إياه، وإن كان هذا العالم لا يشارك المجتمع في أن أخطأ خطأ كبيرا جعل المجتمع لا يغفر له خطأه مع سابق فضله، وعظيم إحسانه.

وعلى كل فهذا العالم الذي نعنيه في مقالنا هذا هو (أحمد ابن أبي دؤاد) قاضي القضاة أيام المعتصم والواثق، كان ملء إهابه علما وخلقا، وكان بعيد الهمة، واسع المعرفة، ذا شخصية قوية وطيبة متناهية، وقد استغل نفوذه وعظم جاهه في التودد للناس ورعاية شؤونهم، فوسع عليهم في أرزاقهم، وامتلك قلوبهم بإحسانه، وكان له مواقف بطولية لا يتسع المقام لذكرها، وقد تم له ذلك بالرغم من أن الدولة في عهده كانت دولة الفرس، أو بتعبير أدق كان النفوذ الفارسي فيها قويًا إلى حد بعيد، فكان يؤدي خدماته تلك للناس بصعوبة بالغة وجهد لا يستهان به.

وقد مدحه الشعراء ومنهم أبوتمام وأثنى عليه الجاحظ ثناء مستطابا، كما أهدى إليه كتابه الشهير في البلاغة والأدب (البيان والتبيين).

أما المأمون خليفة المسلمين فقد فتن به، وأحبه حبًا جارفًا، حتى كان ما يرد له طلبًا، وكان مما أوصى به أخاه المعتصم قوله (وأبو عبدالله أحمد ابن أبي دؤاد لا يفارقك الشِركة في المشورة في كل أمرك فإنه موضع ذلك، ولا تتخذن بعدي وزيرا) فلما ولي المعتصم جعل ابن أبي دؤاد قاضي القضاة وكذلك فعل الواثق من بعده.

ويقال: إن ابن أبي دؤاد لمّا مرض عاده المعتصم في داره، ونذر إن شفاه الله أن يتصدق بعشرة آلاف دينار، فقال ابن أبي دؤاد: فاجعلها لرعيتك المخلصة فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتًا، فقال المعتصم: نويت أن أتصدق بها هاهنا، وأطلق للرعية مثلها.

وقيل للمعتصم كيف تعوده وأنت لا تعود إخوتك، وأجلاء أهلك فقال: (وكيف لا أعود رجلا ما وقعت عيني عليه قط إلا ساق لي أجرا، أو أوجب لي شكرا، أو أفادني فائدة تنفعني في ديني ودنياي، وما سألني حاجة لنفسه قط).

هذا النفوذ الكبير، وهذا الجاه العريض، وهذا العلم الواسع قد أخطأ فاستعمله في حمل الناس على الاعتزال، واكراههم على القول بخلق القرآن، والتنكيل بهم إن لم يفعلوا ذلك، فهو بلا شك سبب هذه المحنة الأليمة التي لقي منها الناس الأمرين، وخاصة العلماء منهم، وعلى رأسهم العالم المُحدث، والإمام الصابر (أحمد بن حنبل)، وكانت زلة كبرى وخطيئة عظمى وسقطة شنيعة اقترفها كل من المأمون والمعتصم والواثق وثمامة بن الأشرس وأحمد ابن أبي دؤاد واسحاق بن إبراهيم ومحمد ابن أبي الليث وغيرهم ممن تحجرت عقولهم، وتعصبوا لفكرهم، واعتقدوا أنه الصواب ولا صواب غيره بل فرضوه على غيرهم، مع أن هذا يتنافى كل المنافاة مع تعاليم الإسلام السمحة، وقيمه الرفيعة، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

شخصيات بارزة زلة كبرى
د. محمد بن صالح الجاسر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة