ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 23/02/2012/2012 Issue 14392

 14392 الخميس 01 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

صرح وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان في ندوة نظمتها الجمعية الطلابية لليمين الموحد وحصلت وكالة فرانس برس على نسخة منه في باريس أن «الحضارات ليست متساوية» ودعا إلى «حماية حضارتنا»

وقال غيان في الخطاب الذي ألقاه «خلافاً لما تقوله الايدولوجيا النسبية لليسار، برأينا الحضارات ليست متساوية»؛ وأضاف غيان المكلف بشؤون الهجرة أيضًا، في الندوة التي لم يدع الصحافيون إليها أن «الذين يدافعون عن الإنسانية يبدون لنا أكثر تقدماً من الذين ينكرونها».

وتابع أن «تلك التي تدافع عن الحرية والمساواة والإخوة تبدو لنا متفوقة على تلك التي تقبل الطغيان وإضعاف النساء والكراهية الاجتماعية أو الاتنية». وأكد غيان «علينا في كل الأحوال حماية حضارتنا»... وأثارت تصريحات وزير الداخلية سيلاً من الانتقادات على الإنترنت قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية؛ وقال ارليم ديزير الرجل الثاني في الحزب الاشتراكي الفرنسي: إن تصريحات غيان «تنم عن استفزاز مثير للشفقة من قبل وزير يسعى إلى انتزاع أصوات الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة»، مشيراً إلى الهزيمة الانتخابية والمعنوية للأغلبية.

الراهن أن تصريحات الوزير الفرنسي لا تخرج عن أبناء عمومتها من النظريات والأفكار والأقاويل التي يصوغها المثقفون خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وتشكل في نظرهم إنتاجات فكرية لفهم ودراسة الظواهر الدولية تبنى عليها سياسات وطنية، ومن بين تلك النظريات مقولتا نهاية التاريخ وصدام الحضارات.

أما الأولى فهي لفرانسيس فوكوياما ظهرت على شكل مقالة صدرت سنة 1989 بالمجلة الأمريكية المصلحة القومية قبل أن يحولها إلى كتاب يطور فيه أطروحته وأفكاره؛ فحسب هذا الكاتب الأمريكي، يعد النظام الليبرالي الأفق الأعلى للتاريخ الإنساني بعد سقوط الأنظمة الفاشية والنازية ثم الأنظمة الشيوعية؛ ويبقى الانتصار الكوني للديموقراطية الليبرالية التي تكتسح كل الشعوب والأمصار؛ ويقتفي فوكوياما خطوات كانط وهيغل وماركس وغيرهم من الفلاسفة الذين يقرون بوجود تاريخ كوني يجمع ويوحد؛ ويعد هنا معتنقي الإسلام كشعوب تعيش خارج التاريخ الحديث، وهو الدين الوحيد الذي يطرح النظام التيوقراطي كبديل للنظام الليبرالي؛ وبعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 تقوت فكرة فوكوياما باعتبار الدين الإسلامي المنظومة الوحيدة التي تقاوم مبادئ الحداثة والليبرالية: «يبدو أنه يوجد في الإسلام أو على الأقل في الإسلام الأصولي شيء ما يجعل المجتمعات الإسلامية معادية للحداثة؛ من بين جميع الأنظمة الثقافية المعاصرة، يحتوي العالم الإسلامي على أقل عدد من الديموقراطيات ولا يحتوي على أية أمة استطاعت الانتقال من وضع دول العالم الثالث إلى العالم المتقدم» وترك فوكوياما جانباً عناء البحث عن الأسباب الحقيقية التي لم تجعل العالم الإسلامي ينجح في تحقيق النهضة الشاملة، وعلاقة الحداثة والتحديث بالدين والثقافة.

والنظرية الثانية هي «صدام الحضارات» لصامويل هانتنغتون التي أثارت ومازالت تثير سجالات حادة في جميع أنحاء العالم منذ أن نشر المقالة في صيف 1993 بفصلية شؤون خارجية المعروفة بنفوذها وقربها من مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وطور هانتنغتون مقالته على شاكلة فرانسيس فوكوياما إلى كتاب صدر عام 1996 حيث نقح فيه أطروحته وعززها بمعطيات جديدة.

ولكن الأطروحة رغم كل مغالطاتها، قد تبنتها العديد من المؤسسات ومراكز الأبحاث في الغرب باعتبار صدام الحضارات صداماً حتمياً لا مفر منه، وتحدد أوجه هذا الصراع المتحكم في صيرورة العلاقات الدولية، حتى تحولت الفكرة بفعل التنظيم الإعلامي المتزايد إلى شبه أداة لتفسير المرحلة الجديدة والقطيعة التاريخية لما بعد الحرب الباردة. والفكرة الرئيسية لهذه الأطروحة تدور خاصة حول الإسلام وعلاقته بالعالم الجيوسياسي المعاصر. وإن كان هانتنغتون يقسم العالم إلى عدة مجموعات حضارية: الحضارة الغربية، الأمريكية اللاتينية، الإسلامية، الصينية، الكونفوشيوسية، اليابانية، الهندية، السلافية الأورثونوكية ثم الإفريقية، فالحضارة الإسلامية في نظره هي الحضارة المرشحة لكي تكون الأكثر عنفا وصداما مع الحضارات الأخرى في العالم، وهو بهذا يريد فتح معركة مباشرة مع الإسلام والتنبيه على التهديد المتزايد للإسلام الذي يزحف على أوروبا والغرب؛ وهانتنغتون لا يخرج بهذا عن دائرة بعض الكتاب الغربيين المشهورين خصوصاً المستشرقين منهم الذين يلوحون في كتاباتهم بعدائهم المباشر للإسلام وللحضارات الإسلامية كبرنارد لويس مثلاً الذي صرح في مقالة عنوانها بـ»جذور السخط الإسلامي»: «ينبغي أن يكون واضحاً الآن، أننا نواجه شعوراً وحركة يتجاوزان كثيراً مستوى القضايا والسلبيات التي تجسدها، ولا يقل هذا عن كونه صداماً بين الحضارات، إنه رد فعل غير عقلاني ولكنه مرتبط بخصم قديم لتراثنا اليهودي المسيحي ولما نحن عليه في الحاضر، وضد توسعهما معاً، ومن جانبنا من المهم جداً أن لا نسقط أيضاً في رد الفعل غير العقلاني والمتأصل في التاريخ ضد هذا الخصم».

نفهم إذن أن مقولة صدام الحضارات قدمت كنظرية لإدراك المتغيرات الدولية، وجعل منها هانتنغتون عاملاً يتفاعل بالمنطق التحركي نفسه للدول، أي الصراع، وهو ما يمكننا من إدراجه ضمن التيارات الحديثة للواقعية الجديدة.

والصحيح أن كل حضارة معينة تعكس المعتقدات والمبادئ والقيم التي تنبثق من روح الشعوب وتعبر عن روح الأمة التي تنشئها، فلا يمكن لحضارة معينة أن تولد من فراغ، لأنها كما عرفها بعضهم: «توحي إلى نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة في الإنتاج الثقافي. وتتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون، وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق» فهي بذلك نظام اجتماعي معين معقد ومترابط تحكم الماضي بالحاضر وتضم الفنون والآداب والمعتقدات والمعرفة والعادات والتقاليد وكل القدرات التي يتشبع بها الإنسان بكونه عضواً في المجتمع؛ ولا بد وأن نرى في العناصر الأربعة المؤسسة للحضارة، أي الموارد الاقتصادية والنظم السياسية والتقاليد الخلقية ومتابعة العلوم والفنون، إنها تقوم على مجموعة من العقائد وعلى منظومة من الأخلاق وقيم الإيمان وعلى تصور متماسك وشامل للكون والحياة والإنسان، وهذه في نظري القاعدة الأساس لنشوء حضارة ما في أمة من الأمم؛ فالحضارة هي استمرارية تاريخية يتداخل فيها الاقتصادي والجغرافي والاجتماعي والسياسي والأخلاقي والثقافي والعلمي. فهي «الزائد على الضرورة من العمران» (ابن خلدون) و»لكل حضارة دستور أخلاقي، يتجلى في العقيدة وقوة النفس» (أوزولد شبنقلر) و»هي وحدة تاريخية (...) والاستجابة للتحديات عند الإنسان، فرداً أو مجتمعاً هي سبب نشوء الحضارة» (آرنولد توينبي).

وعموماً، مهما كانت نوعية الحضارة، إفريقية كانت أو إسلامية أو غريبة أو غير ذلك، فهي نتاج تلاقح عدة شعوب وأعراق شتّى، تنتمي إلى ثقافات متعددة تصب جميعها في اتجاه تتشكل منه الحضارة، فهي إذن «لا ترتبط بجنس من الأجناس، ولا تنتمي إلى شعب من الشعوب، على الرغم من أن الحضارة قد تنسب إلى أمة من الأمم أو إلى منطقة جغرافية من مناطق العالم على سبيل التعريف ليس إلا، بخلاف الثقافة التي هي رمز للهوية، وعنوان على الذاتية، وتعبير عن الخصوصيات التي تتميز بها أمة من الأمم، أو يتفرد بها شعب من الشعوب»، فالحضارة وعاء لثقافات متنوعة تعددت أصولها ومشاربها ومصادرها، فامتزجت وتلاقحت فشكلت خصائص الحضارة التي تعبر عن الروح الإنسانية في إشراقاتها وتجلياتها وتعكس المبادئ العامة التي هي القاسم المشترك بين الروافد والمصادر والمشارب جميعاً.

 

لا يمكن لحضارة أن تولد من فراغ
د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة