ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 24/02/2012/2012 Issue 14393

 14393 الجمعة 02 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

وقد جعل الله في الإنسان، في تجويف الفم عضلات تساعد عضلات وغضاريف اللسان، الدقيقة وخلاياه العديدة، بالتعاون مع الحبال الصوتية، وغضاريف الحنجرة وعضلات الوجه والشفتين على الكلام، لأن اللسان عضو لإحساس التذوق طعاماً وشراباً،

وقد أفتى العلماء: بأن الصائم يجوز له أن يتذوق الطعام والشراب بلسانه -ولا يبلعه- ليعرف صلاحه للاطمئنان، سواء للرجل أو المرأة.

أما في حالة الأكل: فإن اللسان يساعد الإنسان على تَحْرِيك الطعام وخلطه باللعاب، لتسهيل طريق الطعام للبلع، حيث يعطى اللسان للبلعوم إشارة «عاجلة» للانفتاح لينحدر الطعام بعد الخلط إلى المعدة، في حركة مرنة عند الإنسان، مع كل بلعة حددها اللسان وتسمى البلعة الغذائية.

فاللسان بما فيه من خلايا له وظائف عديدة، وخير وظائفه النطق المعبر عما يريد الإنسان، وخير ما ينطق به: الذكر والتسبيح والتحميد لله، وقراءة القرآن الكريم، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسل الله وأنبياؤه وآخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كلهم بلغوا رسائل الله إلى أممهم باللسان كل واحد بلسان قومه.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعاني من التنزل شِدة، فكان يحرك به لسانه وشفتيه، مخافة أن يتفلت منه، يريد أن يحفظه - كما قال ابن كثير في تفسيره، فأنزل الله سبحانه {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (القيامة16 -19).

ولأهمية اللسان فقد جاءت للأهمية في كتاب الله الكريم أكثر من 25 مرة، وفي الحديث وأقوال العلماء أضعافا كثيرة.

وقد جاء رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله: ما النجاة؟ يا رسول الله فقال له: «أمسك عليك هذا -وأشار إلى لسانه- وليسعك بيتك، وأبك على خطئتك» رواه البخاري، ورسول الله عندما أرسل معاذ بن جبل، جاء في وصيته له: «أمسك عليك هذا» وأشار إلى لسانه فقال معاذ: أنحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ فأجابه الرسول الكريم بقوله: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يُكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» رواه مسلم والترمذي وقال حسن صحيح.

أما لقمان الحكيم: فيروى عنه في اللسان والقلب قوله: ليس أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.

وما ذلك إلا أن المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، كما جاء في الحكمة، فكم رفع اللسان من أفراد وأمم، وكم جاء العكس بفلتات اللسان، وموروثات العرب وغيرهم من الأمم تزخر بنماذج من ذلك، وفي خطبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما تولى الخلافة قال: «اللهم ارزقني التفكر والتدبر، لما يتلوه لساني من كتابك، والفهم له والمعرفة بمعانيه والنظر في عجائبه، والعمل بذلك ما حييت إنك على كل شيء قدير».

ونجد المختصين في تتبع آيات الله وقدرته سبحانه، في اللسان وما فيه من أسرار يقولون: تختلف أجزاء اللسان، في درجة إحساسها الذوقي، فضلا عن حاسة النطق وما هيأ الله له من مدافعة في الفم وحراسة عن كل ما يضر بالجسم لأنه حارس أمين، فمقدمة اللسان تتذوق الطعم الحلو، ومؤخرة اللسان تتذوق الطعم المر، أما جانبا اللسان فيتذوقان المواد المالحة، والأحماض اللاذعة.

كما أنه يوجد في اللسان، مع صغر حجمه تسعة آلاف بُرْعُم ذوقي، وما يختلط بعضها ببعض، حيث تتميز بها طعم الفاكهة بأنواعها، ويظهر التمايز بينها، وبين الخضروات من طماطم وخيار وخس وجرجير وغيرها من المأكولات والمشروبات من أنواع المأكولات والمشروبات العديدة، التي سخرها الله لعباده في الحياة الدنيا، فضلا منه جل وعلا، ومر بنا في حديث معاذ رضي الله عنه أن اللسان قد يورد صاحبه النار إذا لم يحفظه كما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلاً على النفاق، وآية من آيات النفاق «إذا حدّث كذب».

وقد يخالف اللسان ما في القلب كجزء من صفات النفاق، كما قال سبحانه: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} (الفتح 11)، فيوردهم المهالك، ولذا يقال للمنافق: ذو اللسانين، ويقال في المثل: كم كلمة قالت لصاحبها دعني، وقد جعل الله سبحانه اختلاف الألسن آية من آياته التي ترد على المعاندين لشرعه فيقول في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (الروم 22).

وقد اهتم المختصون بدراسة أجزاء الجسم، وربطوا اللسان بعلم التجويد وبينوا مخارج الحروف، والصوت والأوتار الصوتية، واستفادوا من ذلك في تحسين الصوت عند قراءة القرآن الكريم، والعرب في مصطلحاتهم، وتعريفهم لمن لا يعرف اللغة، ولا يفهمون حديثه سموه: أعجمياً وقد نفى الله هذه الغريه عن النبي فقال سبحانه: {يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (النحل 103)، يقول ابن سعدي رحمه الله: عندما مر بهذه الآية في تفسيره: ومن عناية الله سبحانه بعباده، ورحمته بهم، أن قدر الاختلاف بين البشر لئلا يقع التشابه، فيحصل الاضطراب، ويفوت كثير من المقاصد والمطالب، ويقول سيد قطب في ظلال القرآن: عندما مر بالآية 21 من سورة فصلت: والآن وقد كُشِف لهم عن سلطان الله في فطرة الكون، وسلطان الله في تاريخ البشر، يطلعهم على سلطان الله في ذوات أنفسهم، التي لا يملكون منها شيئاً ولا يعصمون منها شيئاً، من سلطان الله حتى سمعهم وأبصارهم وجلودهم، تطيع الله، وتعصيهم في الموقف المشهود، وتكون عليهم بعض الشهود، إنها المفاجأة في الموقف العصيب، بأن تتكلم وتشهد.

إنها المفاجأة الهائلة فألسنتهم معقودة لا تنطق، وقد كانت تكذب وتفتري وتستهزئ وإن أسماعهم وأبصارهم وجلودهم تخرج عليهم لتستجيب لربها طائعة مستسلمة تروي عنهم ما حسبوه سراً، فقد يستترون من الله، ويظنون أنه لا يراهم، وهم يتخفون بنواياهم، ويتخفون بجرائمهم ولم يكونوا ليستخفوا من أبصارهم وأسماعهم وجلودهم، وكيف وهي معهم؟!

وها هي ذي تفضح ما حسبوه سراً مستوراً عن الخلق أجمعين، وعن رب العالمين يا للمفاجأة بسلطان الله الخفي، يغلبهم على أبضاعهم فتلبي وتستجيب، وعندما يسألون جلودهم: لِمَ شهِدَتْ عليهم، تجيبهم {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (فصلت 21).

أليس هو الذي جعل الألسنة تتكلم فهي الناطقة؟ وإنه سبحانه قادر أن يجعل سواها ناطقاً، وقد أنطق كل شيء، فهو اليوم يتحدث وينطق ويبين (الظلال 24: 126- 127).

إنها قدرة الله وعظيم سلطانه تبرز في أجسامنا، وهي في الشيء الذي نظنه جماداً، فإذا هو يتكلم ولذلك المشروبات، وقد أكرم الله العرب، وجعل خاتم الأنبياء محمداً صلى الله منهم، ونزل القرآن الكريم بلسان قومه العرب، ورفع قدرهم بأن جعلهم مطيعين مستجيبين لدعوته، إلا من كتب الله له الشقاوة.

والمختصون في الأصوات ونبراتها يوزعون حروف الهجاء على أجزاء الفم واللسان، وسموها مخارج الحروف، وهي أربعة عشر مخرجا ومن صُنع الله الذي أتقن كل شيء، فلا يخرج حرف مع مخرج حرف آخر، ولا تتشابه نبرة حرف، بنبرات حرف آخر حتى يسهل التفاهم بين الناس، وحتى تمر حوائجهم بسهولة، كما هيأ سبحانه لمخارج الحروف، التي ينطقها اللسان قدرة عجيبة، على التكيف، مع كل لغة يريد الإنسان دراستها بحيث يتعود لسانه عليها، كما ينطقها أبناؤها، الذين مارسوها طوال حياتهم.

ولذلك فإن اللسان العربي المبين، كما صفه جل وعلا جعل في ألسنة الناطقين بالعربية قدرة على التكيف وبسرعة أقل من غير أبناء الناطقين بغير العربية، مع قدرة على الاستيعاب، وراحة في الأداء.

وقد جاء في القرآن الكريم، كلمات أصلها لم يكن عربيا، وجاءت من لغات عديدة كالاستبرق، والسندس واللؤلؤ والمرجان، والقسورة - التي هي اسم من أسماء الأسد، وغير ذلك كثير عرّبت للتأصل في اللغة، ولعل هذا من عالمية اللغة العربية، واللسان العربي، حيث إن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ليس للعرب خاصة، وإنما هو للخلق في المعمورة كافة: إنساً وجناً، وهذا من خصوصية نبينا محمد عليه السلام، حيث قال: أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي، ومنها وكان النبي يرسل لقومه خاصة، بلسان قومه، وبعثت لكافة الناس والثقلين الإنس والجن، ويوضح ما جاء في لسان الجن في السورة التي سميت باسمهم.

وأجد من المناسب ختام حديثي بما ذكره ابن قيم الجوزية، بحفظه الله لهذا اللسان إذ قال: ثم إن الله سبحانه أودع اللسان ما يحفظه، فجعل عليه سبحانه: غُلقين: أحدهما الأسنان والثاني الفم، وجعل حركته اختيارية، أما العين فجعل عليها غِطاء واحداً، ولم يجعل على الأذن غطاء، وذلك لخطر اللسان وشرفه، وخطر حركاته، وكونه في الفم بمنزلة القلب في الصدر، وذلك من اللطائف فإن آفة الكلام أكثر من آفة النظر، وآفة النظر أكثر من آفة السمع، فجعل للأكثر آفات طبقين، وللمتوسط طبقاً، وجعل الأقل آفة بلا طبق,

واللسان وتصرفاته، يؤخذ على أن ذلك يدل على مكنون القلب، كما قيل:

يعطيك من طَرفِ اللسان حلاوةً

ويروغ منك كما يروغ الثعلب

 

اللسان وما فيه من العجائب (2-2)
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة