ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 24/02/2012/2012 Issue 14393

 14393 الجمعة 02 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

يخلُط كثير من الناس بين الخلاف في الرأي وبين التخبط في الجهالة. فليس كل خلاف بين متحاورين يُطلق عليه وصف «الخلاف الفكري».

ما يُسمى بمناظرة هي التي تنتهي بحجة مُفحمة أو خلاف مُعتبر. وشرط المناظرة اللازم هو وجود نص أو مرجع مُتفق عليه من الطرفين. فأي مناظرة لا تقوم على مرجع يُحدد اتجاه سير التسلسل المنطقي في الحوار، فلا تُسمى مناظرة، بل هذيان مجانين. فمثلا لا يُعتبر خلافا- بل تخبطا في الجهالة- فيمن يُخالف في صحة عبارة «أفي الله شك» -لا في مناسبة إيرادها-، إذا كان المتحاوران مسلمين. بينما يُعتبر الخلاف في هذه العبارة ولا تُقبل مرجعا إذا كانت المناظرة مع مُلحد. بل أن الاستشهاد بها مع ملحد هو من أعظم التخبط الحواري، لأنها استشهاد بما في إثباته قامت عليه عقيدة الملحد، والعياذ بالله.

ولا يُسمى إنكار المنطق الصحيح في المناظرات خلافا، بل جحودا أو استعباطا. مثاله: كالاتفاق على صحة نص جريان الربا في الذهب والفضة، ثم يُصر على سحب حكمهما في جريان الربا على الفلوس المعاصرة بعلة الثمنية المطلقة، رغم انتفاء الثمنية المطلقة اليوم في الذهب والفضة.

وقد يكون هناك مناظرة تنتهي بخلاف في الرأي معتبر، مع الاتفاق على النص، لحدوث حالة احتمالية نصية تدل على التخصيص بشخص أو وقت أو نص أو حالة أو غير ذلك. كقوله عليه السلام «لا يُصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة»، وهناك نصوص في الصلاة على الوقت. وقد يحصل خلاف مُعتبر، مع الاتفاق على النص، بسبب تعليق الحكم بلفظ له صور تطبيقية متعددة لها أثرها في الحكم كالخلاف على كيفية تطبيق الرؤيا في دخول الشهر. وهناك أمور كثيرة وشواهد مختلفة، ولكن الخلاصة أن هناك خلافا، وهناك (هِبال).

لذا، فكل من يستشهد بالخلاف على مسألة لا يُدرك وجه الخلاف فيها، قد يجعل من نفسه مهبولا وهو لا يدري. ولو قال لا أدري لسلِم في دينه وعقله ولعظُم قدره عند الناس، ولتفتح ذهنه لفهم المسألة.

فنخلص إذن أن الحُجة المفحمة أو الخلاف المعتبر في أي مناظرة أصلهما النقل لا العقل. فما العقل إلا أداة لتنزيل النصوص المتفق عليها بين المتناظرين على منزل لا يحتمل شهادة المنطق لصحته منزلا غيره. وعلى هذا فالمنطق إذن هو شاهد على صحة عمل العقل، وليس هو العقل نفسه. (ولذا فالرياضيات منطق لا عقل فهي تشهد على صحة طريقة التفكير ولا تُنشأ الفكرة ابتداء).

ومما يجب أن لا يُغفل أمره هنا أن أي طرح منطقي يقوم على العقل ابتداء دون وجود نص مسبق، أو تجربة مُطبقة هو مجرد فلسفة محضة تحتمل الخطأ والصواب. واحتمالية الخطأ ليس بسبب إمكانية اختلاف المنطق، فالمنطق (الذي يُثبت رياضيا) لا يختلف، ولكن بسبب غياب عوامل (مجاهيل) كثيرة غابت عن عقل المُنظر أثناء عملية تفكيره. فتراه يخرج بنظرية خداج، احتمالية فشلها كبيرة. وقد تكون خداجا مع غياب شهادة المنطق لها فتولد مسخا، فيكون خطرها عظيما إذا كانت اجتماعية أو سياسية، كالشيوعية.

وبناء على العموميات السابقة، فإنه من المرفوض عقيدة وممتنع نصا وعقلا عند المسلمين أن يكون الأصل هو الخلاف لا الاتفاق في الأحكام الفقهية الكبرى، لقوله سبحانه «اليوم أكملت لكم دينكم» ولقوله عليه السلام «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها». وكذلك فبناء على العموميات السابقة، فإنه من المرفوض عقلا وواقعا أن تسود الدول الديمقراطية لو كانت نصوص دساتيرها ناقصة أو غامضة، ولأصبحت ديمقراطيتها حينئذ هذيان مجانين لا خلاف مفكرين، والمجانين لا تسود لهم دولة.

إن السبب المسكوت عنه في ضعف العرب عموما في المناظرات وهزالة منطقهم في الحوارات ناتج عن ضعف صحة النقل عندهم. فالثابت كالقرآن وما صح من السنة لا يُقيمونه ولو زعموا ذلك، وما لم يثبت من الخرافات والأساطير جعلوه دستورا ومرجعا لحواراتهم، فلم يسعفهم المنطق في الشهادة على صحة تفكيرهم، فصار بعضهم ولا منطق له، وأصبح آخرون ولا توجه لفكره، كتائه منجوم في صحراء يروح يمنة ثم يجيء يسرة في تخبط وضياع. فمن سيبكي العرب؟ أم أن العرب لا بواكي لهم.

hamzaalsalem@gmail.com
تويتر@hamzaalsalem
 

المسكوت عنه
قوة المناظرة: من النقل أو العقل؟
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة