ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 28/02/2012/2012 Issue 14397

 14397 الثلاثاء 06 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كتبت في الأسبوع الماضي عن أزمة السكن، أو أزمة العقار كما يتداولها العامة، واختلفت بشكل كبير مع ما طرحه بعض الاقتصاديين من مطالبات بفرض ضرائب على الأراضي البيضاء في المدن بهدف إجبار ملاكها على التخلص منها لزيادة المعروض وخفض الأسعار،

وأوجه اعتراضي هي أن العقار قطاع من منظومة اقتصادية متكاملة تعكس الوضع الاقتصادي العام والتصورات المستقبلية له، وهو إضافة إلى ذلك قطاع استثماري تعصف به المضاربات من حين إلى آخر، كما تعصعف بأسواق الأسهم والسلع الرئيسة.

وبمقارنته بقطاعات العقار في الاقتصادات المجاورة المشابهة، ووفق هذه المعطيات نجد أن أسعار الأراضي في المدن الكبرى في المملكة مشابهة، أو قد تقل قليلا عن مثيلاتها في الخليج وفي بلدان مثل مصر، ولبنان، والأردن.

أما فيما يتعلق بفرض ضرائب على أسعار الأراضي فلا يشكل ذلك في رأيي حلاً ناجعاً لأنه لم يسبق قط أن فرضت ضرائب لخفض الأسعار، بل ربما العكس هو الصحيح، فوظيفة فرض الضرائب الأساسية هي رفع الدخل الحكومي العام للمساعدة على رفع مستوى الانفاق، وعادة ما تلجأ جهة ما لفرض رسوم أو ضرائب لرفع مستوى الخدمات التي تقدمها، فالضرائب هي آلية زيادة مساهمة المواطنين والقطاع الخاص في المصاريف العامة ولم تكن يوما ما وسيلة لضبط الأسعار، ثم إن فرض ضرائب في اقتصاد لم يألف مثل هذا الأمر، وفي قطاع واحد فقط، قد ينظر إليه على أنه تحيز ضد هذا القطاع، وقد يضر بالمواطن البسيط إذا شملته الضرائب أو أسهمت في رفع السعر عليه. ولو فرضت ضرائب وانخفضت الأسعار بشكل كبير مؤثر مضر بهذا القطاع، فهل ستبقى الضرائب مستقبلا أم سترفع لتعود الأسعار إلى سابق عهدها؟

إثر هذا المقال تلقيت اتصال من مصدر مطلع في أمانة العاصمة في الرياض، وضح فيها أن الأمانة سبق وطرحت مجموعة حلول متكاملة لحل هذه الأزمة التي سبق استشرافها وتوقعها، وكان ذلك كمساهمة منها في النهوض بخدماتها تجاه المواطن وتجاه «الأمانة» التي هي في عنقها وهي تطوير مدينة الرياض بشكل سليم ومتوازن. فهاجس توفير السكن الملائم في مدينة الرياض وبسعر معقول كان محط اهتمام الأمانة أيضا منذ وقت طويل سبق بعض طفرات العقار الأخيرة. والحلول المقترحة من الأمانة ليست تخرصات، أو توقعات، أو ذات منطلقات عاطفية بل بنيت على دراسات علمية واجتماعات متواصلة من خبراء ومختصين، وبارك نتائجها أعلى المسئولين فيها وعنها. وبكل أمانة فقد وجد الكاتب في هذه الحلول الكثير من المعقولية والمنطقية وأنه يتوجب إطلاع المواطن عليها ولو من قبيل «التسريب» الإيجابي.

تربط دراسات الأمانة بين أزمة العقار وبين قلة المعروض من الأراضي التي تتوافر فيها الخدمات التي تجعلها مهيئة لبناء المساكن، وليس المعروض من الأراضي الخام. وهي ترى أن مربط الفرس في إيجاد حل يكبح الارتفاع المتواصل للأسعار هو زيادة المعروض من الأراض المخدومة. وبما أن توفير الخدمات لجميع المخططات غير متاح حالياً لعدم توفر الموارد فلا بد من آلية لتوفير تنلك الموارد وتوفير الخدمات في وقت مناسب يخدم المواطن ويسهم في اعتدال الأسعار. وعليه اقترحت الأمانة أن تحصل على نسبة من سعي الأراضي التي يحصل عليها العقاريون دون تقديم أي خدمات تذكر من أي نوع للمواطن عدا التوسط بين المالك والمشتري. وقد تكون النسبة، مثلاً، نصف السعي أي 1.5 وتوجه هذه المبالغ لتوفير الخدمات في الأراضي الشاسعة التي تنقصها الخدمات، فهذه الرسوم هي غاية ما يطالب به من طالبوا بفرض ضرائب مع فارق واحد هو أنها لا تذهب إلى الخزينة العامة بل يعاد استثمارها لحل مشكلة الإسكان ذاتها، ولو توافرت الخدمات في عدد أكبر من المخططات لزاد المعروض من الأراضي السكنية ولشكل ذلك ضغطا على الأسعار، فباستصلاح الأرض للبناء تتوقف الأرض عن كونها سلعة فقط تتداول في المضاربات إلى سلعة تستثمر للسكن.

الحل الثاني، وهو لا يقل أهمية عن سابقه، ويبدو منطقياً بكل المقاييس، هو أن يسمح بما يسمى بالتمدد العامودي للإسكان بحيث يسمح للمستثمر، أو الساكن الذي يرغب في الاستثمار، ويكون على شارع عام أن يتمدد عمودياً إلى ستة أدوار، أي أن مساحة أرضه ستتضاعف ويتضاعف معها دخله، مما يضاعف أيضا مساحة الإسكان على الشوارع العامة، ولكن على المستثمر بالمقابل أن يدفع رسوماً سنوية مقابل الأدوار الثلاثة الإضافية إذا هو رغب في استثمارها. هذه الرسوم تكون مقابل الضغط على الخدمات التي سيستفيد منها جراء هذه الإضافة، ويذهب جزء من هذه الرسوم كسابقتها لتوفير الخدمات للمخططات الأخرى ولتوفير خدمات إضافية لمجابهة الضغط على الخدمات الذي يترتب عليه زيادة الأدوار.

الحل الثالث: هو توفير موارد إضافية مقطوعة للأمانة، قد تكون كبيرة ولكنها ممكنة جداً في ظل الوفرة المالية الحالية، لتوفير ما تحتاج إليه كل مدينة كبيرة وهو النقل العام اللائق والميسر الذي سيسهل على المواطن التنقل في العاصمة ومن أماكن بعيدة نسبياً إلى وسط المدينة، دون زيادة الضغط على المرور فيها أو الاختناقات في شوارعها. يقابل ذلك رسوم معينة تفرضها الأمانة على المواقف العامة والخاصة في قلب المدينة وقرب المصالح والوزارات، ورسوم أخرى معينة تسهم في تحسين وتطوير وسائل النقل بشكل مستمر، وذلك لجعل النقل العام وسيلة أكثر جاذبية للمواطن. ومن شأن اقتراح مثل هذا أن يسهم في تخفيف الازدحام والتلوث البيئي الناتج من حرق الوقود الكربوني.

الحل الرابع: ويسهم في تقديم خدمات أفضل سواء من خدمات نقل، وسكن، ونظافة، وتشجير، وتجميل أو حدائق عامة، ومرافق.. الخ. هو أن يسمح للأمانة أن تحصل على رسوم من بعض المصالح التجارية التي تعج بها شوارعنا وتشكل ضغطاً إضافياً على خدماتها بشكل متواصل دون مقابل، فلهذه الأنشطة فائض نفايات كبير، وتضغط على الخدمات البلدية الأخرى، ويشمل ذلك: المطاعم، والمقاهي، والأسواق الكبيرة، والمستشفيات، والعيادات الخاصة التي تسرح وتمرح في هذه البلاد وتعصر المواطن بأسعار باهظة وتلوث المدن دون أن تسهم بأي شيء في تحسينها.. هذه الحلول قد تكون بديلاً ناجعاً ومنصفاً لفرض الضرائب المقترحة وستسهم في رفع مستوى الخدمات والنظافة في مدننا وتقلل من التلوث، وستسهم في توازن الخدمات بين الأحياء المختلفة.

هذه المقترحات موجودة لدى المسئولين منذ وقت طويل وتحتاج إلى موافقة بعض الجهات التشريعية والتمويلية في الدولة، ولو عُجِّل بها لربما استطعنا تدارك تفاقم بعض قضايا النمو العشوائي للأحياء والمدن لدينا، ولأمكن تحسين وتكثيف الخدمات المقدمة من قبل الأمانة والبلديات التابعة لها، فمعروف في جميع أنحاء العالم، خصوصاً في المدن الكبيرة أن لدى إدارات المدن: أمانات، وعموديات، ووزارات وغيرها، صلاحيات تلقائية للنظر في المشاكل التي تواجهها، واقتراح وتبني الحلول ومباشرتها والرجوع إلى جهات أخرى، بما في ذلك صلاحيات فرض الرسوم وتحصيلها، ويتم ذلك بالطبع وفق آليات مراقبة ومحاسبة معينة، فإدارة المدن مسئولية كبيرة، وهي مسئولية تمس المواطن مباشرة وبشكل يومي، ومن المعروف أن مسئوليات جساماً كهذه لا يمكن النهوض بها دون صلاحيات توازنها وتعادلها، وكما يقول المثل: أعطِ الخبز خبازه ولو أكل نصفه، ولو أتيح لأمانات العاصمة لدينا جزء من المبالغ الفلكية المخصصة لوزارة الإسكان، الحديثة سناً وخبرة مثلاً، وذلك لتعميم الخدمات على جميع مخططات الأراضي التي تحتاج إليها مشاريع الإسكان لخفَّ بالتأكيد احتقان الإسكان في المدن الرئيسة بشكل كبير، والله من وراء القصد.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif
 

الأمانة: المسئولية والصلاحية
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة