ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 01/03/2012/2012 Issue 14399

 14399 الخميس 08 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

المقامات جمع مقامة، وقد وردت في اللغة بعدة معانٍ، واستعملت في المجلس ثم أطلقت - مجازاً مرسلاً - على ما يذكر في المجلس من علم أو أدب، أو نحوهما من قبيل إطلاق المحل وإرادة الحال، ثم قصر معناها عند الأدباء العباسيين على القصة القصيرة التي تروى على لسان شخص، وتنسب وقائعها لشخص آخر.

وأول من كتب أو أنشأ المقامات - فيما يقال - أبوبكر بن دريد، ثم جاء بعده أحمد بن فارس الرازي، ولكن المقامات قد ازدهرت وتطورت حقيقة على يد بديع الزمان الهمذاني الذي وضع أربعمائة مقامة لم يصل إلينا منها سوى ثلاثة وخمسين.

وبعد بديع الزمان الهمذاني - جاء ابن نباته السعدي، ثم عبد الله بن محمد، ولكنهما لم يحظيا بالشهرة التي حظي بها أستاذهما بديع الزمان الهمذاني، أما النقلة الواسعة في هذا المجال العجيب من الفن - فكانت على يد الحريري الذي أنشأ خمسين مقامة تعد من أروع ما بلغه هذا النوع من الأدب، وكثرت المقامات بعد ذلك، وتناولها كثير من الأدباء حتى عصرنا الراهن.

هذا عرض سريع لتاريخ المقامات في الأدب العربي، وبلا شك أن المقامات ليست من قبيل القصص، لأنها لا تتوفر فيها عناصر القصة: من عقدة، وحبكة، وحوار إلى آخره لكنها - على كل حال - كانت مقدمة لكتابة القصة، أو هي محاولة ساذَجة لكتابة القصة، أو إن شئت فقل: إنها كانت عوضاً عنها عند من لم تنضج قريحته لكتابة القصة الفنية التي نراها عند كبار كتّاب القصة في الوقت الحاضر، ولكن بعض الأدباء، والنقاد يرى أن المقامات نوع هابط من الأدب، لأن الغرض منها ترويج الخلال السيئة، وبثها بين الناس وتشجيعهم على ارتكابها، وتبصيرهم بطرقها، فبطل مقامات بديع الزمان الهمذاني (أبو الفتح الإسكندري) رجل نصاب غايته أن يصطنع الحيل ويضحك على الناس، من أجل سلب أموالهم فهو مرة قرٌاد، ومرة واعظ مزيف، ومرة مشعوذ، ومرة مهرج وفي المقامة القردية يرد على من لامه على دناءة نفسه وخسة طبعه بقوله:

الذنب للأيام لا لي

فاعتب على صرف الليالي

بالحمق أدركت المنى

ورفلت في حلل الجمال

وبطل مقامات الحريري (أبو زيد السروجي) لا يقل عن صاحبه بطل مقامات بديع الزمان الهمذاني خسة، ودناءة نفس، حتى ليبلغ به الأمر أن يشحذ ثمن كفن لميت يدعيه، ويوهم الناس بأنه أعمى، ويطلب من امرأة أن تقوده للمسجد، من أجل إثارة عطف المصلين، وابتزاز أموالهم.

ولهذا ففي نظر هؤلاء النفر من الأدباء والنقاد، أن المقامات لا أهمية لها، ولا قيمة لها فكريا إلا من ناحية واحدة، وهي حفظ مفردات اللغة، وغريبها من الضياع والاندثار، ومحاولة تقريبها من العقول، والعمل على علوقها بالأذهان، ومحاولة محاكاة أسلوبها المسجوع الجميل في بعض الأحيان.

والواقع أن هذا الحكم قد يكون جائرا، لأن المقامات لا تخلو من العبرة أو العظة أو الفائدة في جانب من الجوانب.

ثم هذا الذي يخشاه هؤلاء الغيورون من تأثيرها السيئ في نفس من يسمعها، أو يقرؤها لا يمكن أن يؤدي نتائجه، أو يؤتي ثماره إلا في نفس من خف عقله، ووهنت إرادته، أي بتعبير العصر أو بتعبير علماء النفس من لديه الاستعداد التام لتقبل ما يسمع، أو يقرأ ولو كان من قبيل المزاح والدعابة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

 

أدب ونقد المقامات ورأي العصر فيها
د. محمد بن صالح الجاسر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة