ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 03/03/2012/2012 Issue 14401

 14401 السبت 10 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

سواء أكانت وَزارة (بفتح الواو) أي من المؤازرة، أو كانت وِزارة (بكسر الواو) أي من الوزر وهو الحمل الثقيل، فإن الناظر العارف يدرك أن كرسي الوزارة هو «كرسي الأشواك».

التوزير تشريف وتحميل، كتشريف الفرسان بتحميلهم الراية ثم تقديمهم في المهالك.. وكم من فارس عاد من المهلكة وقد كُسرت رايته ليجد قومه وقد بسطوا له النطع لضرب عنقه، أو نصبوا له مشنقة أو مصقلة. والوزارة معضلة، فلا يستطيع الحر رفضها إن كُلف بها وهو قادر عليها، ولا يستطيع الاستعفاء إن واجه الإحباط والتعجيز والتشكيك والطعن، فلا ينسحب من المعارك إلا جبان. وأما لو أُعفي أو استعفى لعذر، فهو يجد في نفسه دائماً ألماً كألم الفارس حين يترجل عن فرسه، أو كألم المطلقة عند حصولها على طلاقها التي حاربت من أجل الحصول عليه.

أصبح الوزراء اليوم يشتكون من عجزهم عن تنفيذ أحلامهم الوردية التي ذهبت بها استيقاظهم على ألم أشواك كرسي الوزارة.. فهذا يشتكي نظام المناقصات، وآخر يشتكي نظام التوظيف والخدمة المدنية، وثالث يشتكي غياب القوانين.. فإذا صبر وهادن وانتظر الفرج، جلس ردحاً من الزمن يتأوه من آلام أشواك الكرسي ويُلمح بالاستعفاء.

أما إذا خرج الوزير عن التقليد البيروقراطي أو التف حوله في مناورات عنترية أو ثعلبية، اتُّهم وعُودي ووضعت له العراقيل حتى يخرج مضطراً.. فعلام يغبط الناس الوزراء؟ حتى أن أحدهم عُين وزيراً لوزارة مليئة بالأشواك، فقال بعضهم: أيوزر فلان ونحن أحق بالوزارة منه! فقلت سبحان الله صدق من قال إن في الناس من يحسدون العمي على كبر عيونه.

أعتقد أن أصل مشاكلنا البيروقراطية تقع في الجمع بين المتناقضات والتفريق بين المتماثلات في النماذج الإدارية، الناتج عن غياب أساسيات النقاش والمناظرات عندنا، فستجد أن هناك المركزية المُعطلة كما ستجد اللامركزية الفوضوية، وستجد فصلاً للمسئوليات الذي يُنشئ مجالات عمياء واسعة غير مغطاة بمسؤولية حكومية واضحة، كما ستجد التداخل والتراكب والتعدد في المسئوليات المؤدية إلى تشتيت الجهود وتضييع الخبرات ونشوء النزاعات بين الوزارات.

عجيب هذه المركزية التي تتدخل مثلاً في مناقصات مختبر طبي لوزارة الصحة، بينما تُسند بناء مبنى الوزارة للوزارة نفسها في لا مركزية فوضوية. لم لا يُتبع نموذج أرامكو في تأهيل المقاولين في التخصصات الفنية، فكل وزارة أقدر بفنها من غيرها، ويُعطى كل مقاول نقاطاً على قدر جودته، ويسمح للوزارة بأن تُرسي عليه المناقصة بسعر غال أو منخفض تبعاً لارتفاع نقاطه أو انخفاضها.

عجيب هذه اللامركزية المُشتتة للجهود والخبرات التي تُجبر وزارة ما على بناء مبانيها بنفسها، وهل هم مهندسون مدنيون؟ لماذا لا تُسلم المباني إلى وزارة مختصة بالإنشاءات المعمارية.. لماذا أصبح غالب الوزراء ومديري الجامعات اليوم مقاولين معماريين؟ أهذا ما ينوون الاشتغال به عند إعفائهم؟ كيف تُطالب وزارة مهنية فنية بإنجاز مهامها الفنية المعقدة، ولا تُعطى إمكانية في تمييز الكوادر النادرة برواتب عالية في نظام كنظام النقاط أيضاً.

من تأمل في إحباط الوزراء وتعثر الإصلاحات أو تعطل المشاريع أو سوء جودتها أو على ما يشاع من بعض التجاوزات في ترسية بعض المناقصات بمبالغ فلكية، تجد أن غالبه يعود إلى النقاط الثلاث المذكورة سابقاً، فلم يبق إلا ضعف الأنظمة وضعف آلية وضع القوانين (ووضع القوانين حديث طويل ذو شجون).

حل هذه النقاط الثلاث عن طريق وضع مؤشرات تحكم المناقصات والأجور وتخصيص المشاريع كل في تخصصه -فلا الصحة تبني مبناها ولا التعليم يجهز المستشفى- ليس بالأمر الصعب وليس بالأمر الغائب عن الوزراء، فهذه هي أهم مطالبهم ولكن المسكوت عنه هنا هو عدم وجود الفارس الذي لا يكف عن المطالبة ولا يستسلم حتى ولو علم أن قومه سيرجمونه عند ترجله وعودته، فهؤلاء هم أبطال الأمم الحديثة الذين نحتاج إليهم عندنا.

hamzaalsalem@gmail.com
تويتر@hamzaalsalem
 

المسكوت عنه
كرسي الأشواك
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة