ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 04/03/2012/2012 Issue 14402

 14402 الأحد 11 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كثرت السرقات في عصرنا الراهن في بلادنا الغالية، وفي كل بلاد الدنيا، وتعددت وتنوعت وتعقدت، فلم تعد عبارة عن تسلق سور المنزل أو فتح بابه، للاستيلاء على ما فيه مما خف وزنه وثقل قدره، بل أصحبت عملاً مقنناً ومدروساً، فالسارق قبل أن يتسلق سور المنزل،

أو قبل أن يلج المنزل يتسلل كالحية الرقطاء، ويراقب المنزل من بُعد، ليعرف هل بالإمكان دخوله، أو أن ذلك من الأمور المستحيلة، وهل مظهر المنزل من الداخل والخارج يوحي بوجود صاحبه فيه أو عدم وجوده، وقد يصاحب السرقة أو يتبعها إذا تمت جريمة أخرى أشد منها من تهديد، وتخويف، أو اعتداء، وربما قتل خصوصاً إذا لقي اللص على غير ما يتوقع مقاومة شرسة من صاحب المنزل، أو المكان الذي يريد سرقة ما فيه.

ثم إن السارق قد لا يكون وحده، بل معه من يشد أزره، ويحمي ظهره، أي أن العملية عبارة عن عصابة يسند لكل فرد فيها مهمته الخاصة به، فهذا يلج الباب، وهذا يشكك الانتباه، وهذا يراقب، وهذا يستعد للانطلاق بالمال أو المتاع المسروق.

وقد تعدت السرقاتُ المنازل إلى سرقة السيارات، والمعارض، والمنشآت، والمؤسسات، ومرافق الدولة، والبنوك، بل ودور العبادة (أعني المساجد والجوامع)، هذا إلى جانب أيضاً طرق النصب والاحتيال التي تفوق حيل بطل مقامات الحريري (أبو زيد السروجي)، وبطل مقامات بديع الزمان الهمذاني (أبو الفتح الإسكندري)، تلك الحيل التي تتم في وضح النهار، وباتفاق بين السارق وضحيته، ومع كثرة ما يُنشر عنها في الصحف المحلية والعالمية فلا زالت تلقى الاستجابة من السذج والمغفلين.

والسرقة (والجريمة بصفة عامة) داء وبيل ومرض عضال، وهي ثمرة الجهل وضعف الوازع الديني، وهي ضريبة الحضارة والتقدم، وهي أيضاً نتيجة لازدحام المدن وتكدس الناس في الأسواق، والحدائق العامة، بل وفي أطهر مكان وأشرف بقعة وهي بيت الله الحرام، وهي أيضاً نتيجة لازدهار السياحة وشغف البعض في السفر والتنقل في أرض الله الواسعة، لقضاء إجازتهم وانشغالهم بزيارة معالم البلد الذي يسافرون إليه، وتنقلهم من مكان إلى مكان، وارتياد الشواطئ والأسواق، وتعرضهم نتيجة لذلك لسرقة أمتعتهم أو أموالهم أو حلي نسائهم، وربما جوازاتهم، من أجل الابتزاز واستخدام كل الحيل للسرقة ونهب الأموال.

وهي أيضاً نتيجة (وهذا يهمنا بالدرجة الأولى) لكثرة الوافدين للمملكة من جهات مختلفة متعددة المشارب والمذاهب، وبعض هؤلاء الوافدين لا يهمه سوى ابتزاز الأموال من أي مصدر كان دون وجل، أو وازع من ضمير، أو خوف من سلطان.

وهي أخيراً نتيجة لإهمال البعض، أو تفريطهم فليس يصح وضع المال الكبير في المنزل، أو في درج السيارة، أو في المكتب، أو حمله في اليد عياناً بياناً، أو وضعه على مرأى ممن يُخاف منه، ولهذا فقد فرق الفقهاء في الحد بين ما يُسرق وهو في حرز مكين، وما يوضع على قارعة الطريق مثلاً، وعدوا الأول من قبيل السرقة، والثاني من قبيل النهب، وإن كان يطلق على كل حالة مسمى السرقة.

وحكومتنا الرشيدة ممثلة في (وزارة الداخلية) التي ترعى نعمة الأمن والأمان في بلادنا الطيبة لا تألو جهداً ولا تدخر وسعاً في ملاحقة الجريمة أياً كان نوعها وشكلها، وقد اصطنعت من الأسباب، والتدابير، والوسائل، ما يتلاءم مع روح العصر، ورجالها الأشاوس قد ضربوا أروع الأمثلة في الشجاعة، والوطنية، والنخوة، والشهامة، بل بذلوا أرواحهم لحماية الوطن والمواطنين.

ولكن ما أود قوله، وأشير إليه في هذه العجالة هو تلك الكلمة الحكيمة التي صدرت من رجل حكيم، وأعني به صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير: نايف بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - عندما قال في إحدى المقابلات الصحفية: (إن رجل الأمن الأول هو المواطن). نعم إن رجل الأمن الأول هو المواطن، فلو أن كل مواطن أحس بالمسئولية (وهو يحس بها) واستشعر التبعة الملقاة على عاتقه (وهو يستشعر بها) تجاه هذا الجانب الحيوي الحساس المتعلق بأمنه وسلامته، وسلامة مجتمعه وأمته ووطنه، لساهم مساهمة فعالة في مكافحة الجريمة، وقطع دابر الشر والطغيان، ومكافحة الإرهاب، لأن من المعروف أن السارق (والمجرم بصفة عامة) جبان رعديد، وأي إحساس أو شعور منه بأن هناك من المواطنين من يراقبه، ويتتبع أعماله، ويأخذ عليه المسالك، ويسد الدروب، ويترصد تصرفاته - يجعله يعدل عن تنفيذ جريمته، ويؤثر السلامة، ويلوذ بالفرار و(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

قضايا اجتماعية.. كلمة حكيمة من رجل حكيم
د. محمد بن صالح الجاسر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة