ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 06/03/2012/2012 Issue 14404

 14404 الثلاثاء 13 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

واستكمالاً لما سبق, فقد تلقيت دعوة كريمة من (وزارة التعليم العالي)للمشاركة في فعاليات (معرض الكتاب الدولي في الدار البيضاء) الذي يخص المملكة بوصفها ضيف شرف، إذ لم يسعها إلا أن تقدم نفسها من خلال نخبها،

وخيراً فعلت، لقد مرت الأيام التسعة بجْر الحقائب، بكل مفيد، ندوات ومحاضرات وأماسي وأصبوحات، وجناح يفيض بالكتب والصور والمجسمات والمرشدين، وبدا جناح المملكة كخلية نحل، كل من فيها مضطلع بمسؤوليته على وجهها،لقد قدمت المملكة لزوار المعرض أطرافا من منجزاتها، ولقي جناحها إقبالاً مشرفاً، والمملكة حين تضع العمامة يعرفها الجميع، لقد كانت منجزاتها ومبادراتها على مختلف الصُّعد ذات بهجة، فالمواطن حين يرى أن نماذج مثمنات وطنه تسر الناظرين، تنداح أسارير وجهه، ويشعر بالإعتزاز، ويسعد حين يتقرَّى الانطباعات في وجوه زوار الجناح، ومن ذا الذي لا يحب الثناء، و(حب الثناء طبيعة الإنسان).

كانت مشاركتي عن دور الأندية الثقافية في تنشيط الحركة الأدبية، بوصفها واحدة من مؤسسات شتى، تعج بالأداء الثقافي والأدبي والفكري المتنوع، ولكل مؤسسة موفدها الذي يُعرِّف بها، إنها تظاهرة ثقافية مختلفة الأشكال والألوان. والمغاربة الذين يحنون إلى المقدسات، ويتطلعون بشوق إلى جذورهم الأولى، يودون لو حُملوا على الطائر الميمون إلى بلاد الحرمين الشريفين لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ، وحين لا تسعفهم ظروفهم يرضون من الرحيل بمشاهدة تلك العينات، وكم نحن بحاجة إلى مثل هذه الكُوى التي يطل منها أبناء الدول الشقيقة والصديقة، ليروا بعض ما أنجزناه على أديم الأرض وفي الأنفس ،فالإعلام اليوم سيد الموقف، ودولة يُفترى عليها، ويتعمد أعداؤها تحريف الحقائق من بعد مواضعها بأمس الحاجة إلى أن يقول كل واحد منا ها نحن، وما حطت رحالنا في موقع، وقلنا قولاً كريماً إلا وجدنا التحولات الإيجابية في المشاعر والانطباعات، فكم من طالب للحقيقة تلقفه مُغْرض لا يرقب فيه، ولا في المملكة إلاًّ ولاذمة.

وما لم نَحل بين هذا الصنف وما يشتهى، فإن تشكيل الوعي عن المملكة سيظفر به المتربصون.

والفعاليات التي نفذت في مواقع كثيرة من الدار البيضاء وما حولها من مدن، أجابت على تساؤلات كثيرة، والمرشحون لتنفيذ تلك الفعاليات استبقوا الخيرات، واجتهدوا في إبلاغ الرسالة التي ينشدها وطنهم، ولأن المغرب يعج بالكثير من الاتجاهات والتيارات والمذاهب، ولأن معرض الكتاب تلتطم فيه المعارف والأفكار، وتلتقي تحت قبته آداب العالم العربي وثقافاته وأفكار فلاسفته ومعارف علمائه.

فقد تنازعتنا مسؤوليات المهمة ورغبات النفوس، وتاقت أنفسنا إلى شيءٍ من المتع واللهو البرئ على شواطئ تحكي أمواجُها زفرات الضنك العربي، والبحر الذي يطفو زبده مع كل موجة تتكسر على الشاطئ، يجسد تململ الإنسان العربي وخوفه من مصيره المظلم.

لقد وقفت على رمل الشاطئ وانغمست قدماي في الماء وبلغ الموج الزبى،لقد كانت مناسبة تفيض بمختلف المناشط والمباهج،ومن ثم نفذ على هامش الاستضافة عدد من الفعاليات الأدبية والثقافية والأماسي الشعرية واللقاءات الأخوية، ولقيت الفعاليات إقبالاً من زوار الجناح، ومن بين المحاضرات محاضرة نقدية اعتمد المحاضر فيها على منهج النقد المقارن.

فقد ألقى الأستاذ عبدالله الناصر محاضرة عن سرقة أدبية عالمية تمثلت برواية (الخيميائي) بطلها مرّ بتلك الديار، مثبتاً بالمقارنة أنها مسروقة من حكاية أوردها (التنوخي) في كتابه (الفرج بعد الشدة)، وهذا الاكتشاف يذكر بتسرب التراث العربي إلى الآداب الغربية، وإقبال أدباء الغرب ومفكريه على الاستفادة منه، وبخاصة ما وضعوا أيديهم عليه، وما نفذ إليهم من الفردوس المفقود. وكم كان بودي لو وسَّع الناقد دراسته، وأمعن بتوثيقها وإخراجها في كتاب يقرؤه الناس، ويترجم إلى عدة لغات، لدفع الحيف عن موروث عربي استطاع أن يعيد نفسه بلغات شتى، وممن تحدث وأجاد معالي الدكتور (النملة) والشيخ (العبودي) و(المعطاني) والدكتور (العوفي) وآخرون لم نسعد بحضور إسهاماتهم، وكل المتحدثين شدوا الانتباه، وأثاروا التساؤلات.

وكعادتنا فقد عمد بعضنا إلى توهين تلك الفعاليات، وتلك خليقة لا تخفى على الراصدين، وما كنا نود أن يتعمد هذا البعض التقليل من شأن المناسبات التي تحييها بعض الوزارات أو الجامعات، والنقد الموضوعي مطلب حضاري، ولكن ما نشاهد وما نسمع لا يمت بصلة إلى الموضوعية، لأن المجترحين للتشنيع لا يسلطون الضوء على الهنات، ولا يطرحون البديل، ولا يقدمون النصيحة، ولا يحسنون الظن، ومثل هذا المراء الظاهر والباطن يوغر الصدور، ويثبط العزائم،ويغري بمزيد من المناكفات، والذين ابتدروا النقد أو التصريحات في جريدتي: (الحياة) و(الشرق) لم يكن نقدهم محدداً، ولا موضوعياً، ولست هنا مصادراً لحقهم في القول، ولا مجارياً لهم بالتنقص، ولكنني متمنياً عليهم أن يعرفوا قدر أنفسهم ومكانتهم، وحق من يوجهون اللوم إليهم، والحكماء تقول :- (تكلم حتى أراك) و(البلاء موكل بالمنطق) وتصحيح المسارات لا يكون يمثل هذه اللجاجات والإطلاقات العامة، وكم كان بودي لو أن قنوات الاتصال ملئت بالنقد والتوجيه والتقويم والتساؤل والمشورة والنصح، ولكن مثل هذا المراء لا يمت بصلة إلى مثل هذه الرغبات، وما أنشده لا يقتصر على تلك الفعالية، وإنما يمتد ليشمل كل المناشط التي تبادر إليها الجهات والمؤسسات، فواجبنا التفريق بين اللجاجات والمناكفات من جهة والنقد الموضوعي الرفيق من جهة أخرى. ولعلنا نذكر ما قيل عن (ملتقى المثقفين) و(ندوة السلفية) ومع أننا لا نزكي أحداً، فإننا نناشد الكتبة بتوخي الحق، والبعد عن الإطلاقات العامة والأحكام المطلقة.

لقد طفنا وشفنا، واستعدنا مخزون الذاكرة عن معارض سلفت في الرياض والقاهرة والشام والعراق،أعاد الله لها الاستقرار والنماء، فلم يكن معرض الدار البيضاء يداني شيئا مما سلف، إذ لم يكن المعرض بحجم معارض الرياض ومن حولها من حيث السعة والتصريف فـ(المتفرجون) كثيرون، وبخاصة طلاب المدارس، الذين يأتون جماعات كالأمواج المتدفقة، والقوة الشرائية دون المؤمل، والأسعار فوق المتوقع، والمساومات على أشدها، لعدم تحديد الأسعار، ويظل جناح المملكة العربية السعودية الأكبر والأبرز والأكثر فعاليات.

لقد لاحظنا كثرة المرشدين في جناح المملكة، وتلك مبادرة تحسب لوزارة التعليم العالي وللملحقية الثقافية في المغرب وللمشاركين من المملكة من مختلف القطاعات والأطياف، ولأن المملكة تعيش حضوراً فاعلاً في كافة الأوساط، فإنها عرضة للمنافسة غير الشريفة،التي تدفع بضعفاء النفوس إلى النيل منها والتعريض بها، ومن ثم لابد من تكثيف الحضور في مثل هذه التظاهرات الثقافية، وتنفيذ المناشط وتنويع اللقاءات،واختيار الكفاءات الوطنية التي تمتلك القدرة على إعطاء الصورة المشرقة عن المملكة، وليس من المصلحة أن نمر دائماً باللئيم الذي يسب، وكأنه لا يعنينا، إن الإعلام اليوم له تأثيره، وله إمكانياته، بحيث يصل إلى المتعقب في بيته، ونحن بأمس الحاجة إلى تقديم أنفسنا، دون أي مناكفات، فالمنجزات الحضارية والمدنية حين يراها الآخر رآي العين تصحح كثيراً من الانطباعات التي تشكلت من زائف القول.

ولكيلا تأخذنا غفلة المؤمن أمام جلد الفاجر فإن علينا أن نعترف بأن صورتنا عند الآخر ليست كما نود، وواجبنا أن نستبق إلى تصحيحها،وألا تأخذنا العزة بالإثم، ولما كانت تلك الرحلة من أطول الرحلات إلى المغرب، فقد تبدت لي أحوال ما كنت أعرفها من قبل،لقد كانت المغرب هادئة وجميلة، وأهلها طيبون،وليست في مدنها زحمة المدن الخليجية، وإن كان مستوى المعيشة مرتفعاً على الرغم من الدخول المتواضعة، ولم تكن مدنها على شاكلة العواصم الإفريقية المختنقة.

المزعج أن اللغة العامية المغربية غير مفهومة وأن اللغة العربية الفصيحة غير مستعملة في كافة المرافق العامة،وغربة اللغة من إشكاليات الدول التي أوغل الاستعمار في تغريبها.

لقد سعدت بمقابلة عدد من أساتذة الجامعات، ولمست الجدية والعمق وتنوع الثقافة والانفتاح الواثق على الآخر، ظواهر الأسلمة في السلوكيات والأزياء بادية بكل وضوح على طالبات المدارس والجامعات، إذ ليس هناك تبرج مثلما كنا نشهده في بعض العواصم العربية.

والمغاربة يكنون للإنسان السعودي احتراماً وتقديراً، ويشمون فيه عبق المقدس، وواجبه أن يعطي صورة مشرفة، بحيث لا يحطم تلك الصورة الجميلة،لقد لمست ذلك الحب الديني الدفين،وهذا التطلع الواله إلى أرض القداسات، إن بلدا كالمملكة تهوي إليها أفئدة الملايين من المسلمين، وتعلق الشعوب الإسلامية على إنسانها آمالاً جساماً تتضاعف معها المسؤولية،ولهذا تكبر أعباء المسؤولية على سفير أمته عابراً أو مقيماً.

السفارة في المغرب حاضرة، تراها بموظفيها ومسؤوليها، وبخاصة الملحقية الثقافية رأي العين، والسفير(محمد البشر) خير من يمثل بلادة، ولقد كفتنا إشادة الأستاذ عبدالله الناصر به في جريدة الرياض والملحق الثقافي عاش المناسبة بكل إمكانياته، ومن لحق به من وزارة التعليم العالي سدُّوا خلالاً كثيرة، فللجميع الثناء والشكر والدعاء،ولقد تكون لي عودة أكثر معرفية وموضوعية حين أفلي ما عدت به من كتب قيمة.

 

تداعيات الرحلة المغربية..! 2/2
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة