ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 08/03/2012/2012 Issue 14406

 14406 الخميس 15 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الــرحالــــة الغربيـون يملكون مهـــارة الملاحظة الدقيقة، وعندهــم ملكة الرصد لكل ما تقع عليه العين أو تسمعه الأذن أو حتى يشمه الأنف، فضلاً عن البراعة والقدرة المتميزة على الكتابة لتفاصيل التفاصيل في أسفارهم وحين تنقلهم بين الديار، ومن بين الأدلة على هذا أن أحدهم -لا أذكر اسمه الآن- كتب حين زار حائل في لحظة من التاريخ الغابر، كتب نصيحة غالية لمن يأتي من بعده، فحواها: (عندما تقابل العربي في هذه الديار وصحرائها، وتلقي عليه التحية المعروفة لديهم «السلام عليكم»، سيرد عليك «وعليكم السلام «وسيسألك مباشرة عن أحوالك» كيف حالك» وأحوال أهلك ومن جئت منهم، سيسألك عن صحتك «كيف الصحة»، سيسألك عن.. لا تكلف نفسك عناء التفكير في البحث عن الإجابة المناسبة والصادقة فهو يسأل فقط ليوجد جسراً للحوار بينكما..).

أعتقد أن هذه الملاحظة حق، وفي مكانها حين نتأمل فيها ونطيل التفكير بها، ولكن في المقابل لابد من الاعتراف بأن هناك شريحة ليست هينة في مجتمعنا المحلي تنشغل بالناس، تراقبهم وتحاول أن تمارس معهم الدراسة الاستقصائية المبنية على الملاحظة والرصد والتتبع والتحليل المرتكز على الربط بين الأقوال والأحداث وربما الغوص داخل الذوات والحكم على النوايا والتخوين وإصدار الإحكام سلباً أو إيجاباً.

إن الانشغال بالناس ومراقبتهم يولد في النفس الضغائن ويورث الحقد والكراهية، وهو الأب الشرعي للحسد الذي هو مجمع الشرور وموطن البلاء ولا يمكن أن يكون فيه ولو شيئاً قليلاً من خير ولذا جاء التعوذ منه كله في آخر سورة الفلق «ومن شر حاسد إذا حسد».. ومع أننا جميعاً نعلم ذلك إلا أن هناك ثقافة شعبية سائدة وشائعة في مجتمعنا المحلي يمكن أن ننعتها بالثقافة الاستقصائية مثلها مثل الصحافة الاستقصائية تبحث عّما خفي، وربما اتخذت وسائل محرمة شرعاً ومرفوضة عرفا وقانوناً ولا يمكن أن يقرها عقل فقط من أجل إرضاء ما في النفس من حب معرفة أحوال الغير ومن ثم التشمت أو الحسد وغالباً ما تشيع هذه الثقافة في المجتمعات الصغيرة وتجمعات الأقارب وذوي الأرحام وللأسف الشديد!!.

إن الإنسان مدعو إلى الانشغال بنفسه وعدم تضييع جهده ووقته في الآخرين، يسألهم بمناسبة وبغير مناسبة، وربما التف عليهم وبحث من خلفهم من أجل الوصول إلى معلومات لا تهم في الأساس وليس لها مردود على التنمية التي ينشدها العقلاء في مجتمعاتهم، ولن يستفيد منها هو شخصياً على الحقيقة لا من قريب أو بعيد، يسأل ويتقصى عن «س» من الناس:

• كم يملك من المال والثروات، وكم رصيده في البنك، وما هي الأراضي التي في حوزته؟

• كم أولاده، البنين والبنات؟

• ما هي وظيفته، وكم هو العائد المادي الذي يحصل عليه شهرياً؟

• ماذا يأكل ويشرب ويلبس؟

• إلى أين سيسافر، وأين يسكن حين تنقله في أرض الله الواسعة؟

• من هم أصدقاؤه، ومن ضيوفه هذا المساء، ومع من يجلس؟

وقس على ذلك كثير، وعلى فكره فبعض هذه الأسئلة لا يمكن أن تسألها في كثير من بلاد الغرب فضلاً عن مجتمع مسلم الأصل فيه سلامة الصدر وإحسان الظن بالغير، فهو من الأسرار الشخصية التي يحتفظ بها الإنسان لنفسه.

ولد هذا السلوك الخاطئ المبالغة في التخوف من العين، ونسبة بعض الأمراض المستشرية إلى هذا الداء الثابت والمنصوص عليه في كتاب الله عز وجل وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، كما ولد التقاطع بين بعضنا البعض وربما أدى إلى التفكك الأسري والتخاصم بين الإخوة والأقرباء، ولذا فلا بد - في نظري- من إعادة النظر في سلوكنا المجتمعي، وضبط ميزان العيب الاجتماعي من جديد، وتحديد الفارق الدقيق بين الشخصي والوظيفي، والتوعية الشاملة والكاملة التي تتضمن تحديد مساحة الحرية المتاحة للواحد منا إزاء الآخرين، وليكن همنا بناء أنفسنا، ولتكن مقارناتنا لما نحن فيه من حال مع ما نتطلع نحن الوصول إليه لا ما وصل إليه الغير، ومتى انشغل الإنسان بنفسه عن غير، ومارس القراءة الاستقصائية على ذاته ممارسة دقيقة، واتبعها بالنقد الحقيقي والبناء، ومن ثم المحاسبة والمراجعة وصولاً للتصحيح وإعادة رسم خط السير في حياته من جديد، متى قام بذلك فقد سلم هو بنفسه وسلم غيره منه والنتيجة النهائية وجود مجتمع محلي سليم الصدر متفاءل وبناء وفاعل وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
الثقافة الاستقصائية في المجتمع السعودي
د.عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة