ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 08/03/2012/2012 Issue 14406

 14406 الخميس 15 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تُعيدني باستمرار ذاكرتي لأيام خلت كان لدي فيها الكثير من الأفكار والنظريات والتصورات حول الكون والزمن والطبيعة، يغلف بعضها الخيال الطفولي ويجنح بعضها بعيداً عن الواقع، لكني كنتُ أطمح إلى ابتكار نظرية جديدة في علم

الفيزياء أو الطب أو اللغة، وبدأَتْ رحلة التعمق في قراءة ما يتيسر من تلك العلوم فأمضيت سنوات أصل الليل بالنهار بهدف أن أعرف «كل شيء عن كل شيء» ولكن ذلك يستحيل، فالحياة قصيرة، ومهما عشت فلن أحصّل من العلوم إلا قطرة من محيط، فركنت إلى رتابة حياتي يائساً من تحقيق شيء و بائساً على حلم باكتشاف ما، أضعته، أعيش لحظاتها كغيري وأتمسك بالقلم عل فكرة من هنا تأتي أو من هناك، حتى جف حبره، ثم أيقظني خبر إسقاط مجموعة من العلماء الأمريكيين نظرية كان التشكيك فيها قبل ذلك يُعتبر ضرباً من ضروب المستحيل، وكانت تُعتبر من مسلمات العصر التي لا تقبل التغيير، ولم يجرؤ قبلهم أحد على محاولة إثبات عكسها وهي نظرية دارون التي كانت تسلم بشكل لا يقبل التشكيك بأن أصل الإنسان قرد، لكنهم استطاعوا بالعلم والعمل فقط من إسقاطها وإثبات عكسها.

أظهر هؤلاء العلماء للعالم ضحالة فكر من آمن بها بل ومن روّج لها من علماء في المجال ذاته آثروا أن يكونوا امعات وينقلوا ويدرسوا تلك النظرية عن محاولة الغوص فيها للتأكد من صحتها وما إذا كانت تستحق أن يتم اعتبارها مسلمة من المسلمات العلمية التي لا ينبغي الاقتراب منها أو محاولة دحضها.

ثم علمت بأنه قد تم مؤخراً اكتشاف الخلية الجذعية النخاعية التي - بحسب علمي - تقع في البطانة الداخلية للدماغ، ومن ميزاتها أنها تقوم على إنتاج العديد من الخلايا الجذعية النخاعية الأخرى والتي تزود الجسم أو تنتج كريات الدم الحمراء والبيضاء على حد سواء، وقيل: إن عددا من التجارب قد أُجريت مؤخراً لدراسة إمكانية علاجها لبعض الأمراض المستعصية كمرض باركنسون والزهايمر. وهي تتكاثر أو يتم تنامي إنتاجها بشكل أكبر عند الذكور. والغريب في الأمر أن تلك الخلايا قادرة على التحول إلى خلايا عادية في أجزاء متفرقة بالجسم أي لديها قدرة بالغة على التحول السريع إلا أنني لا أستطيع تأكيد جميع ما سبق بحكم قصر مدة الاختبارات التي تم إجراؤها من ناحية، ومن ناحية أخرى أن معظم التجارب قد تم إجراؤها على حيوانات -أكرمكم الله- ويبقى الكثير من الوقت لتأكيد تلك الاستنتاجات قبل أن يتم الإعلان عنها بشكل رسمي. ومن المتفائلين من ذهب بالقول: إلى أن الخلايا الجذعية الدماغية STEM CELLS أو ما يطلق عليها بخلايا الترميم، ذهبوا للقول بأنها منجاة الجسم القادمة حيث إن لها القدرة على ترميم الجسم ومعالجة عدد من الأمراض بحكم قدرتها على التنقل والتحول كما وقدرتها على دمج نفسها بالنسيج المستهدف والتحول للنوع الصحيح من الخلايا. وتظهر هذه الخاصية المعروفة باسم (الترقع) إمكانية استخدام الخلايا الجذعية علاجيا قبل فهم سلوكها كليا. يعني باختصار إن تم تأكيد تلك الإمكانات والوظائف للخلايا الجذعية فإن ذلك سيكون حدثاً عالمياً وابتكاراً علمياً غير مسبوق لما لتلك الخلايا - كما أسلفنا - من قدرات خارقة في علاج كثير من الأمراض أو تعويض كثير من أنواع الخلايا إضافة لقدرتها على إنتاج كريات الدم. تأكيد ذلك لن يؤدي فقط لعلاج كثير من الأمراض المستعصية كما أسلفت بل أيضاً سوف يؤدي إلى إيقاظ العقول النائمة الصامتة الكامنة التي كانت ولازالت - برغم ما سبق - تعتقد وتُسلم تسليماً لا يشوبه أدنى شك أنه لا مفر من الإيمان بعدم القدرة على علاج تلك الأمراض.

بعد ما تقدم من اكتشافات، بات يحق لنا أن ندلو أيضاً بدلونا، فمن أسقط نظرية دارون ومن اكتشف الخلايا الجذعية لديهم ذات العدد من الساعات التي لدينا في اليوم الواحد ولا يختلفون عنا بشيء سوى أنهم أعملوا أدمغتهم ونموا قدراتهم الاستنباطية والاستقرائية، فتوصلوا لما توصلوا إليه وسيستمر بهم وبغيرهم الحال طالما هم قادرون على تنمية عقولهم وعدم إشغالها بما لا ينفع ولا يفيد.

أكثر ما يزعج الشخصية الواقعية التي يعتمد صاحبها على التحليل والمنطق هو ما يسمى بالمسلمات. المسلمات التي أبعدتنا عن اللحاق بمن سبقنا، المسلمات التي جعلتنا مصدقين تماماً بنظرية داروين وبعدم جدوى علاج تلك الأمراض التي بات علاجها اليوم وشيكاً بفعل اكتشاف الخلايا الجذعية. المسلمات أعزائي هي عبارة عن بعض الأقوال التي لا يمكن نقضها أو دحضها بفعل غياب القدرة على إثبات عكسها والتي تستمر استمرار الزعم بوقوعها وواقعيتها.

يعجز الكثير من الأشخاص عن تفسير عدد مما يعرف بالمسلمات نتيجة خوفهم من المساس بها أو الاقتراب منها أو لعدم قدرتهم على تحليل الأمور وإثبات ما ينفي وجود تلك المسلمات حتى تشكل لدينا عدد كبير منها واندرجت في ما يشبه بقاموس يحتوي على العديد منها. حتى ذهب الكثير إلى استخدام ذلك القاموس لتمرير وتبرير عدد من الرؤى التي يؤمنون بها بل ذهبوا لأبعد من ذلك من خلال توريثهم لتلك الأقوال المزعومة عبر ما يمتلكون من قوى مختلفة سواءً كانوا آباء أو مديرين أو عبر أدوار عملية واجتماعية مختلفة.

إن تسويق بعض الأقوال السلبية وصبغها بمفهوم المسلمات إنما يكرسها ويعززها ويجعل منها ثوابت تُشكل فكرا معينا مع أو ضد قضية ما أو شخص ما أو حتى مجتمع ما، فما يعرف بالقوالب الجامدة ما هو إلا مجموعة من المسلمات التي تم تثبيتها في عقول الناس في صالح أو ضد شيء ما. فيذهب معتنقو تلك القوالب إلى رفض أي محاولة لتغيير تلك المسلمات فيما يحاول المتضررون أن يفعلوا ما بوسعهم لإحداث تغيير في الفكر العام الذي تشكل بفعل تكريس مجموعة من المسلمات التي أحدثت ضرراً مباشراً بهم. إلى لقاء قادم إن كتب الله.

dr.aobaid@gmail.com
 

يومنا مثل يومهم به 24 ساعة
د.عبدالله بن سعد العبيد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة