ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 08/03/2012/2012 Issue 14406

 14406 الخميس 15 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

دوليات

 

آينشتاين الواقعي
ديفيد دويتش

رجوع

 

أكسفورد - اكتشف العلماء مؤخراً أن توسع الكون يتسارع، لا يتباطأ كما كنا نتصور سابقا. فقد كشف الضوء الذي يصلنا من النجوم المتفجرة البعيدة عن وجود قوة مجهولة (أطلق عليها وصف "الطاقة المظلمة") تفوق في جبروتها قوة الجاذبية بمقاييس كونية.

وخلافاً لتوقعات الباحثين، فإن وجود مثل هذه القوة كان متوقعاً في عام 1915 بفضل تعديل اقترح ألبرت آينشتاين إدخاله على نظرية الجاذبية التي وضعها من قبل، أو نظرية النسبية العامة. ولكنه تراجع في وقت لاحق عن ذلك التعديل، الذي عُرِف آنذاك باسم "الظَرف الكوني"، واصفاً إياه بأنه "الخطأ الأكبر" الذي ارتكبه طيلة حياته.

وعلى هذا فقد أعلنت عناوين الصحف ما يلي: "كان آينشتاين محقاً رغم كل شيء"، وكأن العلماء لابد وأن يقارنوا كما نقارن بين العرافين: فمن هو الشخص المتميز عن بقية أفراد القطيع العاديين بمعرفة المجهول - مثل الاطلاع على نتائج التجارب التي لم يتم تصورها بعد، ناهيك عن إجرائها؟ ومن الذي صحت تنبؤاته الآن بعد مرور الوقت؟

بيد أننا لا نستطيع أن ننظر إلى العلم باعتباره منافسة بين العلماء؛ بل إنه صراع بين الأفكار - أو على وجه التحديد، تفسيرات لما هو كائن في الواقع، وكيف يتصرف، والأسباب التي تجعله يتصرف على ذلك النحو أو ذاك. وفي مستهل الأمر لا تختبر هذه التفسيرات عن طريق التجربة، بل وفقاً لمعايير العقل، والمنطق، والقابلية للتطبيق، والتفرد في حل أسرار الطبيعة التي تتناولها. وتستخدم التكهنات لاختبار القلة الضئيلة من التفسيرات التي نجحت في اجتياز الفحص بموجب هذه المعايير.

إن الرواية التي تقص علينا الأسباب التي جعلت آينشتاين يقترح الظَرف الكوني، والأسباب التي جعلته يتراجع عنه، ولماذا عاد علماء الكون اليوم إلى تقديم ذلك الاقتراح الآن، توضح هذه العملية. فقد سعى آينشتاين إلى تجنب العواقب الضمنية المترتبة على نظرية نسبية عامة غير معدلة مفادها أن الكون من المستحيل أن يكون ثابتا - أي أنه من الممكن أن يتوسع (مع تباطؤ سرعة توسعه بفعل جاذبيته)، ثم ينهار، أو يتوقف لحظياً، ولكنه من غير الممكن أن يبقى معلقاً من غير سند.

الواقع أن هذه النبوءة المحددة لا يمكن اختبارها (فمن غير الممكن لأي شكل من أشكال الملاحظة أن يثبت أن الكون توقف عن التوسع، حتى ولو كان الأمر كذلك)، ولكن من المستحيل أن نغير معادلات النسبية العامة اعتباطيا. فهي مقيدة بإحكام بالمادة التوضيحية التي تسوقها نظرية آينشتاين، والتي تزعم أن الجاذبية ترجع إلى انحناء الزمان في المكان، وأن الضوء ينتقل بنفس السرعة بالنسبة لكل المراقبين، وما إلى ذلك.

ولكن آينشتاين انتبه إلى إمكانية إضافة ظَرف خاص - الظرف الكوني - وضبط حجمه بحيث يصبح في الإمكان التنبؤ بكون ثابت، من دون إفساد أي تفسير آخر. إن كل التفسيرات الأخرى القائمة على نظرية الجاذبية السابقة - لإسحق نيوتن - والتي كانت قابلة للاختبار في ذلك الوقت، كانت بمثابة تخمينات تقريبية لتفسيرات النسبية العامة غير المعدلة، مع ذلك الاستثناء المنفرد: ألا وهو أن فضاء نيوتن كان عبارة عن خلفية غير متحركة لأجسام متحركة. وحتى ذلك الوقت لم ينشأ أي دليل يتناقض مع رؤية نيوتن - فلم يكن أي غموض يحتاج إلى تفسير قد نشأ بعد فيما يتصل بتوسع الكون. فضلاً عن ذلك فإن كل ما تجاوز ذلك المفهوم التقليدي للفضاء كان يتطلب حدوث طفرة مفاهمية كبيرة، في حين لم يحدث الظرف الكوني فارقاً يمكن قياسه مقارنة بتوقعات أخرى. ولهذا السبب أضاف آينشتاين ذلك الظرف.

ثم في عام 1929 اكتشف إدوين هابل أن الكون آخذ في التوسع، بشكل متواصل (في حدود دقة الملاحظة في ذلك الوقت) ووفقاً لنسبية عامة غير معدلة. ولهذا السبب تراجع آينشتاين عن مفهوم الظرف الكوني. ولم يكن ذلك متصلاً بكون هابل أقل عُرضة للخطأ؛ ولم يكن آينشتاين مذعناً لقدرات هابل المتفوقة فيما يتصل بالتكهن. الأمر ببساطة أن المشكلة التي كان من المفترض أن يحلها الظرف الكوني لم تعد قائمة.

والواقع أن الملاحظات الجديدة لم تدحض وجود الظرف الكوني، بل إنها جعلته تفسيراً سيئاً فحسب. ثم في عام 1998، جاءت تلك الملاحظات الجديدة لكون يتسارع توسعه. ونتيجة لهذا فإن الظرف الكوني الذي أعيد إلى الوجود بهدف تفسير الملاحظات الجديدة لا يعبر بالضبط عن نفس الاقتراح الذي طرحه آينشتاين ثم تراجع عنه. بل إنه أضخم منه، لأنه من المفترض الآن أن يفسر ليس فقط لماذا لا ينهار الكون، بل وأيضاً لماذا يتسارع توسعه.

كانت ملاحظة آينشتاين حول "الخطأ" الذي ارتكبه مضللة بقدر ما كانت فكرة كونه "محقاً في النهاية رغم كل شيء". أي أن الظرف الكوني لم يكن مجرد اقتراح ما كان ينبغي له أن يطرحه. بل إن طرح ذلك الاقتراح كان بمثابة تقدم كبير في فهم الواقع - وهو ما ينطبق أيضاً على تراجعه عنه في ضوء اكتشاف هابل ثم إعادة طرحه في هيئة منقحة بهدف تفسير الملاحظات الجديدة.

وعلى نحو مماثل، كثيراً ما يساء تفسير "مناقشة بوهر-آينشتاين"، التي دارت في منتصف القرن العشرين حول النظرية الكمية، بوصفها صداماً شخصياً بين نابغتين. ويبدو أن توقعات النظرية الكمية كانت متناقضة مع البديهيات إلى الحد الذي تسبب تحت قيادة أحد روادها، نيلز بوهر، في نشوء وتنامي أسطورة تزعم عدم وجود حقيقة أساسية تفسر هذه التوقعات. فالجسيمات تنتقل من النقطة أ إلى النقطة ب من دون المرور عبر الفضاء الفاصل، حيث لا يوجد من الطاقة ما يكفي لوجود تلك الجسيمات؛ ولكنها "تستعير" الطاقة لفترة وجيزة، لأننا "غير متأكدين" بشأن كينونة طاقتها. أي أن المعلومات تنتقل من النقطة أ إلى النقطة ب من دون أن يمر عبرهما أي شيء - وهو ما أطلق عليه آينشتاين "التحرك الشبحي من بُعد". وهلم جرا.

ومن حسن الحظ أن قِلة من الفيزيائيين، وأنا من بينهم، ينحازون بنفس القدر إلى الواقعية على نحو لا لبس فيه، وذلك بتبني تفسير هيو إيفيرت للنظرية الكمية والذي يقوم على تعدد الأكوان. ووفقاً لوجهة النظر هذه فلا توجد جسيمات حيث لا يوجد القدر الكافي من الطاقة لوجودها.

خاص (الجزيرة)

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة