ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 11/03/2012/2012 Issue 14409

 14409 الأحد 18 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يُردد البعض مقولة إن الكتاب بصفته التقليدية تراجعت أهميته وقيمته بصورة ملموسة باعتباره المصدر الرئيس للمعرفة، تراجعَ لأن مصادر التقنية الحديثة وأقنيتها المتعددة سهّلت سبل الحصول على المعلومة ويسرتها، وفي هذا إيحاء بالتقليل من أهمية الكتاب عند الناس في عصر التقنية، وبالتالي انحسرت الحاجة إلى إقامة معارض الكتاب التي تُقام بصفة دورية في العديد من العواصم، وبطبيعة الحال، هذه المقولة ليست على إطلاقها، فهي مجرد مقولة يؤيدها أولئك الذين لا يعرفون للكتاب قيمته وقدره، ولا يشعرون بروابط الحب، ووشائج الود التي تربط القارئ بالكتاب، وفي الوقت نفسه، هناك من يخالف هذه المقولة ويختلف معها، وهم الأكثر عدداً، والأعرف بما يضيفه الكتاب لهم ولخبراتهم ومداركهم من إطلالة واسعة، ومعايشة حية مع الآخرين تتجاوز حدود الزمان والمكان.

يرى المؤيدون أن للكتاب عبقه، وله بهجته وأُنسه، تشعر القارئ وهو يُقلِّب صفحات الكتاب وكأن المؤلف جالس بين يدي القارئ يستمع إلى آرائه ويخاطبه، يتحاور معه ويناجيه، يتفاعل معه ويشاركه بوجدانه عندما يهز رأسه إعجاباً بمضمون الفكرة، أو ببديع الصياغة، يقول أحد المُغرمين بحب اقتناء الكتاب إنه يسري في جسمه إحساس غريب وهو يلامس صفحات الكتاب يقلِّبها بمنتهى الشوق والحب والرغبة في المزيد من التواصل والاستمرار في تتبع الأفكار، يطرب لرؤية الكتاب أمامه على الطاولة أو على رفوف المكتبة، هذه مشاعر وانطباعات جيل الأمس الذي يعد الكتاب خير جليس لكونه يفتح لهم آفاقاً وأبواباً واسعة من المعرفة بلا حدود.

أما حال جيل اليوم مع الكتاب، فحال عجيبة غريبة، جُلّهم بينه وبين الكتاب قطيعة، يشعرون تجاهه بوحشة ونفرة، لا يرغبون اقتناءه، ولا يعرفون كيف يستخلصون المعلومة من بين أسطره وصفحاته، الكل ولّى وجهه شطر النت، يتصفح أقنيتها المعلوماتية التي أضحت مداخل لكل ما هبّ ودبّ من صالح القول وطالحه، وصار التصفُّح السريع سمة التعامل مع المعلومة، شباب اليوم مستعجلون في كل أمورهم، فالمأكولات السريعة خيارهم الأول، جُلّهم لا يعرف حتى مجرد مسميات الأكلات التقليدية المعروفة، والمشروبات الغازية لا تفرقهم، نسوا اللبنَ والتمرَ، سِماتهم وخصائصهم تختلف تماماً عن جيل الأمس، حتى في بحثهم عن المعلومة التي تُنمي العقل وتصنع الفكر، إنهم يبدون في عجلة من أمرهم، يكفيهم الاستعراض السطحي للصفحات وبنظرات عجلى غير فاحصة، تستهويهم الصور الملونة أكثر من دلالات الأفكار وما تحمله السطور من مضامين عميقة، وعبارات بليغة.

إن حب القراءة والتعود عليها، يُعد من السمات الشخصية التي يمكن اكتسابها، بحيث تغدو سِمة ملازمة للفرد، وخاصية مميزة له بين أقرانه، لكن لا يفهم من هذا أن التحلي بحب القراءة والمداومة عليها أمر سهل المنال، إلا أنها في الوقت نفسه ليست مستحيلة صعبة التحقق، مما يعني أن حب القراءة واكتسابها يُعد من العادات السهلة المُيسرة، المهم أن تستغل المرحلة العمرية المناسبة للبدء في توظيفها ليتم التمكُّن فيها وتملُّك مهاراتها كي تصبح جزءاً لا يتجزأ من الهوايات المفضلة والاهتمامات المتأصِّلة وجدانياً لدرجة يصعب التخلي عن ممارستها مهما كانت الأسباب.

وهذا يعني أن مؤسسات التربية تتحمًّل المسؤولية كاملة في تمكين الناشئة من حب القراءة والتعود عليها، وأخص الأسرة فهي البيئة الأنسب، وهي المَحضن الأخصب الذي تقع على عاتقه مهمة إعداد الأجيال وتنشئتهم على حب القراءة والتعود عليها منذ نهاية السنة العُمرية الأولى للطفل، وهذا يتطلّب رؤية تُؤمن بأهمية القراءة، ووجوب الاستعداد لها كي تتمكن الأجيال من تملُّك مهاراتها، وذلك بتوفير المستلزمات المعينة والأجواء المشوّقة التي تساعد على حب القراءة والشوق لها.

ويأتي دور المدرسة مكملاً ومعززاً للدور الذي سبق أن غرست بذوره الأسرة، وهو دور مهم جداً لكونه يتم في بيئة تربوية تجمع بين المتعة والإثارة والتحفيز والتشجيع على المنافسة والتعلُّم من الأقران وتمثيل الأدوار وغيرها من أساليب التعلُّم الأخرى.

 

أما بعد
القراءة بين جيلين
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة