ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 12/03/2012/2012 Issue 14410

 14410 الأثنين 19 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كتبتُ أكثر من مرة عن خطبة الجمعة، وكتبَ سِواي الكثير ممّا قد يكون أبلغَ منَّي صواباً، وكنت في كل حال معنياً بمسألة مهمة جداً، ودقيقة جداً، وهي محاولةُ (توظيف) هذا النصِّ الديني الكريم خدمةً لأكثر من غاية، وفي مقدمة ذلك:

(1) تَكوينُ صورة مُشْرقة لخطاب صادق وأمين عن (وسطيّةِ) دينِنا الحنيف بلا غُلوّ ينفّرُ، ولا (تبسيط) يَعيبُ. وفي الوقت ذاته، يجنّب بلادَنا الأَذى المعنويَّ الذي قد يُنسَب إليها زُوراً من أيِّ مكان!

(2) محاولة طَمْأنِة المتلقَّي للنصِّ أن الخطيئَة لا تَعني قَفْلَ أبوابِ التوبة، ولا تَجفيفَ ينابيع الرَّحمة، أو تحكيمَ اليأسِ في وجدان المخلوق!

فرحمةُ الله وسِعتْ كلَّ شيء، والتوبةُ إلى الله توبةً صادقةً ونصُوحاً تجبُّ ما قبلها بإذن الله، عندئذ، يَغادرُ المؤْمنُ بيتَ العبَادة وهو أكْثرُ ما يكون تَفاؤُلاً، وأقْوى إيماناً، وأشدّ عزماً على اتَّباع أوامرِ دينِه، واجْتنابِ نَواهِيه، طَمَعاً في رحمةِ ربَّه وغُفْرانه!

- وفي سياق موازٍ لما ذُكر، أقول إن خُطبةَ الجمعة تُبلغُ قمةَ أثَرها وتأثِيرها الإيجابيّ متى التَزَم قائلُها بخِصْلتيْن:

أولاهما: أن الهدفَ الرئيس لخطبة الجمعة، هو إيقاظُ القلوبِ الغافلةِ من سُبات الاسْتلابِ بمتَاع الحياة، والاسْتِسْلام للذَّاتها، والاستغراقِ في (شَقَاء) نَعيمِها، حتى ليكادُ المرءُ المسْلمُ ينْسَى نفسَه دِيناً ودُنيا! هذا لا يعْني تَزْهيدَ أو تيْئيسَ الناس في التماسِ (زينة الحياة الدنيا) ممّا شرعه اللهُ وأحلَّه لعبَادِه، ما دام أن ذلك لا يُؤثَّر سلْباً على عبَادتِهم وْفقَ ما أُمِرُوا به أو نُهُوا عنه.

ثانيهما: أنَّ من مآثِر خُطبةِ الجُمعة تذكيرَ الناس، بالحكمة والموعظة الحسنة، بما نسوه أو سهوا عنه أو تَماهوا فيه من أمُورِ العبَاداتِ والمعَامِلات معاً، وأنه مهْمَا قسَى المؤْمنُ على نفْسِه باقترافِ الذّنُوبِ والخطَايا، فإن رحمةَ الله وسِعَت كلَّ شيء لمنْ تابَ وأنابَ وعمل صالحاً!

- وهناك أمرٌ آخر يتَعلقُ بخطبة الجمعة له دلالاتٌ كثيرةٌ من الأهمية لا تغيبُ عن كل ذي لبٍّ حصيفِ. وخلاصتُه أن هناك ملاحظات حول بعض ما يُقال في بعْضِ منابر الجمعة بعضَ الأحيان، وَطرْحي هذا ليس تشْوِيهاً لكفَاءةِ أحد من المعْنيّين بها، فَهُم أخوةٌ لنا كِرامٌ نُجلُّهم وندعُو لهم بالسَّدادِ، وهم لا ريبَ مجْتَهدُون، يصيبُون فيما يقُولوُن ويُخْطِئُون، كَكلّ البشر، لكن الاجتهادَ الذي لا يقْترنُ بشفافيةِ الحَذَر وسَلامةِ الطَّرح وحكْمةِ الرُّؤيةِ قد يقُودُ صاحبَه إلى الزَّلَل، وقد يفْرضُ على (الآخرين) فتنةَ تأْويلِ ما يقولُه المجْتهدُ في أكثر من اتّجاه بعيداً عن المقاصدِ النبيلةِ المنْشُودة!

) فمثلاً.. أتساءلُ تساؤلَ مُسْلم غيُور ينْتَسِبُ إلى وطن عزيز المكانةِ والمكان، ويرتبطُ مع معظم شعوب الأرض وحكوماتِها بعلاقات متعدّدة الأطياف والأطراف، مُتَباينةِ المصَالِح والأغْراضِ، سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية، ويتَبادلُ معها المنافعَ المشْروعةَ، أخْذاً وعَطاءً، ويؤثَّر ويتأثّر بتفاعُله معها.. فأقول ترتيباً على ما سبق: أَمِنَ الحكمةِ والعَقْلِ في شيء أن (نعُمَّ) شعوباً تخْتلفُ عنَّا دِيناً ومِلةً، فندعُو عليها فـي خطبة الجمعة بالدَّمار وخراب الديَّار؟! إذْ ليسُوا كلُّهم أعداءً لنا كي ندْعوَ على رجَالهِم بالثّبور، ونسَائِهم بالثّكل، وأطفَالِهم باليُتْم؟ والدليل على ذلك أنّنا نتَعاملُ معهم بندّية متمكنة منذ عشرات السنين، تعامُلاً إيجَابياً مُبَاشِراً في حقُول متفرّقة، على نحو لا ينالُ من ديِننَا ولا من كَرَامتِنا ولا من سَيادِة بلادنا في شيء، مِمَّا أكْسَبَنا الاحترامَ والهيبةَ والصَّدقَ في القول والعمل بين تلك الشعوب عَبْر السنين!

- نعم.. هناك منهم مَنْ يُضْمِرُ أو يُظْهِرُ العداءَ للإسلام وأهْله، وهناك من يُحاربُ المسلمين في عُقْرِ ديارهم أو خَارجها، بل أَكادُ أُوقِنُ أن هناك مسلمين يُسِيئُون أحياناً إلى دينهِم وإخوانهِم في الدِّين، كما يُسيءُ إليه غيرُ المنتمين إليه، هنا، لنَا الحقُّ أن (ندْعَو على) من ناصَبنا العداءَ قولاً أو حَاربَنا عمَلاً بأن يُشْغِلَه الله بنفسه، وأن يردَّ كيدَه إلى نَحْره، مثْلما ندعُو لمنْ شطَّ عن صراط الصواب من أهل مِلّتِنا بالهُدى والغُفْران، أمّا أنْ نُرسِلَ الدَّعاءَ مْطلقاً بلا حُدُود ولا ضوابطَ ولا بُرهَان، فأمر أشكّ في صَوابه وصَلاحِه!

 

الرئة الثالثة
خطبة الجمعة.. جسر رحمة لا صراط عذاب!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة