ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 12/03/2012/2012 Issue 14410

 14410 الأثنين 19 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

هناك إجماع في التحليل السياسي على حدوث تغير مفاجئ في الدبلوماسية السياسية السعودية سببتها الأحداث في سوريا. المعهود والمستقر في الذهن في التعامل مع الأحداث والتقلبات السياسية أن المملكة العربية السعودية كانت تلتزم دائماً بالعمل الصامت وتجنب الإثارة والضجيج للوصول إلى التأثير المنسجم مع رؤيتها الإستراتيجية. ملاحظات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله على موقف روسيا والصين تجاه أحداث الأرض المحروقة في سوريا وكذلك تصريحات وزير الخارجية السعودي في المحافل العربية والدولية أظهرت وجها آخر للدبلوماسية السعودية. أصبح هناك وضوح وحدة وانتقاد مباشر للأطراف المؤيدة لاستمرار الفتك بالمواطنين في سوريا، ومطالب واضحة بمغادرة النظام السفاك طوعاً أو كرهاً وبأسرع وقت. كثرت التحليلات لهذا التغير المفاجئ في الصحف والفضائيات والندوات وأيضاً في المجالس المسائية. استمعت شخصياً لعدة آراء تحاول استقراء ذلك، وكان معظمها إن لم يكن كلها يدور حول العاطفة الدينية السعودية تجاه المسلمين السنة في سوريا والشعور بالذنب المتأخر تجاه الصمت على ما جرى لسنة العراق خلال الغزو الأمريكي، وأن السعودية لا تستطيع أن تتحمل الامتداد الإيراني العراقي السوري إلى سواحل لبنان المطبق بسياسة الحديد والنار، وإخضاع العرب السنة للآلة المذهبية والحزبية والدكتاتورية الطائفية. ثمة من يرى أبعد من ذلك ويستنتج أن السعودية حين صعّدت لهجتها فجأةً أصبحت متأكدة بما لها من مصادر وطرق معلوماتية خاصة من الزوال القريب لنظام الحكم في سوريا وانتهائه في مزبلة التاريخ.

لكن استقراء المواقف السياسية الجريئة من منطلقات عاطفية أو مشاعر الذنب لم يعد منطقياً ولا مقنعاً في عالم اليوم، لأن هناك من القوى العدوانية الأخرى من ينتظر منك أي تصرف عاطفي غير محسوب العواقب للانقضاض عليك واصطيادك.

أعتقد شخصياً كمتابع لا يدعي العمق المتخصص في علوم السياسية أن الدبلوماسية السعودية كانت دائما تتبع مساراً إستراتيجياً قابعاً بوضوح في ذهن صانعيها، هو المحافظة أولاً وآخراً وقبل كل شيء على الكيان الجغرافي والسياسي والوطني للدولة. بناءً على هذه الرؤية الإستراتيجية بدأ يستقر منذ زمن ليس ببعيد في ذهن صانع السياسية السعودية أن الكتلة الغربية (الأمريكية الإسرائيلية الأوروبية) تقطف حالياً ما بذرته وتبذره ماكينتها الإعلامية الهائلة منذ أيام الحرب الباردة حتى اليوم. أول الثمار كان أكبرها، وهو الكتلة الشيوعية الكبرى التي تناثرت إلى قطع متنافرة، ثم تبع ذلك الاتحاد السوفييتي الذي تفكك بدوره إلى عدة كيانات متنافسة، ثم تبعته يوغوسلافيا التي تمت إعادتها إلى مخلفات عصر البلقنة القديم، ولحق بها العراق الذي لفق له الغرب من التهم ما يجعل القلب يتصدع من ألم القهر. بعد أن أشهد عليه كل كلاب الأمم المتحدة الدموية مزقه بالقنابل والصواريخ ووسائل التجويع والتعذيب الرهيبة ثم فككه إلى ثلاثة كيانات هزيلة أصبحت كلها تابعة له.

أخيراً شرف الربيع العربي الحفل بحضوره، وما نحن سوى شهود أحياء على الأحداث ومآلاتها المحتملة كمتفرجين، والراجح أنها تسير كلها في طريق البلقنة والعرقنة والسودنة.

أعتقد أن السياسة السعودية كانت تتابع بصمت ومنذ زمن مآلات التفكك التي انتهت إليها الكيانات التي لا يريد لها الغرب البقاء ويرى مصلحته في تمزيقها إلى قطع صغيرة يسهل إدخالها في الجيب. لم يقتنع الغرب بسقوط الكتلة الشيوعية وكفى، ولذلك لم يساعد جورباتشوف وكادره الانفتاحي على المضي في الإصلاحات الموعودة. الغرب لم يكن أصلاً يريد أن يبقى الاتحاد السوفييتي كتلةً واحدةً، ولا يوغوسلافيا ولا العراق، ولا أية دولة من دول الربيع العربي إن أمكن له ذلك. أعتقد أن السياسية السعودية دخلت مع الأحداث في سوريا مرحلة الاقتناع بما كانت تتوجس منه منذ زمن. لذلك تحاول السعودية استباق الأحداث ومحاولة منع تقسيم سوريا وإنهاء الصراع قبل اتساع الهوة إلى حرب أهلية بين كل مكونات سوريا ثم تسهل بلقنتها أو عرقنتها أو أسرلتها أو تركنتها أو كل ذلك.

على كل حال، ومهما كانت الخلفيات الحقيقية وراء التغير في اللهجة الدبلوماسية السعودية، يتوجب على كل الدول العربية إن أرادت البقاء ككيانات، سواء تلك التي هبت عليها رياح التغيير أو التي لم تصل إليها بعد أن تطرق ملياً وتفكر، لماذا يستطيع التحالف الأمريكي - إسرائيلي - أوروبي تفكيك أي كيان يعاديه ثم يعيد تركيبه مثل قطع الليجو في لعب الأطفال. السبب الأول والأكبر والأهم هو استغلال مظالم ومطالب الشعوب الحقوقية المشروعة، ثم خلط الأوراق في مساربها وقنواتها والانقضاض على الفريسة وتمزيقها بما يخدم مصالحه.

الحلقة بدأت تضيق جغرافياً أكثر فأكثر، ووصلت إلى السودان بعد العراق، ثم ليبيا ومصر واليمن وسوريا. المثل العربي القديم يقول: أنج سعد فقد هلك سعيد، ولا نجاة لأي كيان إلا بترابط كل مكوناته وأطيافه بحبل العدالة الاجتماعية الشاملة وإطلاق الحريات المشروعة.

 

إلى الأمام
توظيف مظالم الشعوب في تفكيك الدول
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة