ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 19/03/2012/2012 Issue 14417

 14417 الأثنين 26 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تجاوز معرض الكتاب الدولي بالرياض أقصى حدود التوقعات المتفائلة، بأكثر من مليوني زائر ومبيعات إلى حوالي 40 مليون ريال. هذه الصورة الزاهية لن تحجب حالة مبيعات الكتاب عالمياً التي تتناقص لدرجة من المحتمل أن يندثر في المستقبل.. فماذا هيأنا لوداع الكتاب؟

المشاهدات العالمية تقول: إن الغالبية لا يشترون الكتب، وأغلب من يشترونها لا يقرؤونها، ومعظم من قرؤوها لا يتجاوزون الصفحات الأولى. في ظني أنه سيأتي زمن لا يقرأ الكتب إلا مؤلفوها، ليصبح الكتاب للزخرفة والترف، رغم أن مشاعرنا تهرب من هذا التوقع الكئيب. لنواجه الأمر، لماذا تشتري كتاباً موضوعه بين أصابعك بالإنترنت مجاناً مع خيارات أكثر وأدق وصور ممتعة؟ يصرّ (يتمنى) عشاق الكتاب الورقي في كل العالم بأن الكتاب سيبقى، أقول نعم سيبقى ولكن مثل بقاء الحصان في زمن السيارة. وحتى الكتاب الإلكتروني رغم أنه في تصاعد، فهو بالمقارنة مع الوسائل الإلكترونية الأخرى يغدو ضئيلا، فمن يبحث عن موضوع يمكنه ضغط زر على جوجل - مثلا- ليدخل في صلب الموضوع، وربما يجد الأجزاء التي يبحث عنها من الكتاب الذي كان يريد شراؤه.

الأرقام العالمية تقول إن مبيعات الكتب تتناقص، ويتفاوت التناقص حسب موضوع الكتاب إذ إنّ بعضها زاد مثل الكتب التعليمية والروايات المثيرة كهاري بوتر. آلاف المكتبات أُغلقت، وانهارت دور نشر كبرى آخرها بوردرز وهي من عمالقة دور النشر الأمريكية، التي أعلنت إفلاسها يوليه الماضي.. يقول جف زوكر المدير التنفيذي ل(إن بي سي) العالمية: إنك حين تصبح رئيس تحرير في العصر الرقمي ستشعر بالحماسة الهائلة والخوف الشديد! زوكر قلق بسبب سرعة انهيار بعض الشركات، وبتأرجح بعضها الآخر بين الصعود والهبوط.. إنه تيه المبتكرات، فنحن نبتكر ونتوه!

المبتكرات تغرقنا بالمعلومات وتعلقنا بالخيوط العنكبوتية.. تلهينا بمواقع التواصل الاجتماعي، تستنزف جهدنا وتستفز أعصابنا.. لا وقت للكتاب! وقتنا ضيق ونحن مستعجلون.. ومن يستعجل يسيء استخدام الوقت! ثمة محطة عالمية متنقلة في جيبك ومنزلك ومكتبك.. في المحفل والمقهى.. في خيمة البر وعلى شاطئ البحر.. محطة تتقد في دماغك.. كل العالم أصبح محطة مستعجلة للنشر والاتصال.. وكل دور النشر والإعلام تائهة لا تعرف إلى أين ستوجهنا المحطات الطارئة..

الإحصاءات تقول إن 70% من الأمريكان لم يزورا محل بيع كتب خلال الخمس سنوات الماضية (ميشيل ليفين 2010).. يقول ليفين إن الأدهى من ذلك أن أغلب مشتري الكتب لا يتعدون الصفحات الأولى من الكتاب.. وقد قضى الأمريكان 109 ساعات قراءة في عام 2001، بانخفاض 12% عن عام 1996. يشير تقرير الوكالة الوطنية للفنون في أمريكا أن 65% من الطلاب الجدد بالكلية في عام 2005 ذكروا أنهم يقرأون قليلا أو لا يقرأون البتة خارج المقررات.

تقارير الحكومة الأمريكية لسنة 2011 توضح أن مبيعات الكتب تتناقص تدريجياً منذ عقد، وانحدرت إلى أدنى مستوياتها. وقد بلغ الانخفاض 23% منذ 2004 بعد تعديل الأرقام حسب التضخم (Foner Books 2012). وكرقم مطلق فقد انخفضت مبيعات كبرى دور النشر الأمريكية من حوالي 17.2 مليار دولار عام 2007 إلى 15.5 مليار عام 2011 أي تقلصت بنسبة 10%. كذلك في بريطانيا فإن عدد محلات بيع الكتب في تراجع مستمر، وفقا لاتحاد باعة الكتب، فعدد محلات بيع الكتب انخفض من 4495 مكتبة عام 2006 إلى 3683 لعام 2011.

عربياً، يذكر خالد عباس صاحب دار نشر سفنكس أن الأزمة المالية العالمية ألحقت أضرارا بالغة بسوق الكتاب العربي، ومع ثورات الربيع العربي تقلصت حجم مبيعات الكتاب العربي إلى 15% خاصة في شهر مارس العام الماضي، وقد ارتفعت هذه النسبة في يونيو الماضي 25 %، وهذا يعني أن دور النشر العربية خسرت ما نسبته 75% من حجم مبيعاتها، (صحيفة عكاظ).

وتعد زيادة مبيعات الكتاب الإلكتروني السبب الرئيس المباشر لتراجع مبيعات الكتاب الورقي. ففي أمريكا تشير تقارير اتحاد الناشرين (AAP) إلى استمرار زيادة مبيعات الكتاب الإلكتروني، حيث ارتفعت بنسبة 193%، مثلت 9% من إجمالي كافة المبيعات عام 2010. بالمقابل واصلت مبيعات الكتاب الورقي تراجعها، منخفضة 3% للنصف الأول من عام 2011 مقارنة بنفس الفترة للعام الذي قبله (تقرير وليم وستون)، وبنسبة 10% حسب مقياس نيلسن. وفي بريطانيا زادت مبيعات الكتب الإلكترونية بنسبة 318? في عام 2010، ومن المتوقع أن تصل إلى أكثر من 50? من جميع الكتب المباعة في العشر سنوات القادمة. كذلك في الصين بلغ الانخفاض في مبيعات الكتب الورقية حوالي 15% لعام 2010 (منذ التسجيل قبل 11 عاماً)، مقابل زيادة الكتاب الإلكتروني.

ورغم الزيادة المتنامية للكتاب الإلكتروني فإن إجمالي مبيعات الورقية والإلكترونية ينخفض تدريجياً، فعندما ندمج انخفاض الكتب الورقية (- 7.5%) مع ارتفاع الكتب الإلكترونية (188%) نحصل على انخفاض عام بنسبة 2% لمبيعات الخمسة قطاعات الرئيسية في أمريكا عام 2010 (AAP).

المفارقة إن الكتب المؤلفة تتزايد بحدة لدرجة الإغراق، لتشكل مزيداً من الانخفاض في مبيعات الكتاب الواحد. فثمة ظاهرة عالمية في غزارة التأليف، فالمؤلفون يزيدون والقراء ينقصون. ملامح الإغراق ظهرت بأمريكا، حيث وصل عدد الكتب إلى أكثر من مليون عنوان عام 2009، ثلاثة أضعاف ما نُشر عام 2005، حسب تقرير بوكر. وقد انحدر معدل البيع للكتاب الواحد سنوياً في أمريكا إلى 250 نسخة فقط. ففي كل تخصص هناك ما بين 100 إلى 1000 عنوان كل سنة تتنافس على رف مكتبة البيع، لذا فالكتاب الواحد له معدل فرصة أقل من 1% ليكون في رفوف البيع حسب الناشر بييرسانتي.

هل سيعجل هذا الإغراق من انهيار سوق الكتب ومعها الجودة النوعية؟ الآن، هناك كتب قيِّمة لا يقرؤها إلاّ بضعة أفراد وكتب رديئة يقرؤها الملايين، وهذه الأخيرة هي التي تغطي خسائر الناشرين! أعرف أصدقاء ألَّف كل منهم ثلاثة كتب في السنة الأخيرة.. قلت لأحدهم: من الجميل أن لديك هذه الغزارة في التأليف، لكني أتوقع أن بضعة مئات فقط سيقرأونها! نظر لي بابتسامة حرقى، وقال بتهكم: سأكون محظوظاً لو قرأ كتابي أكثر من عشرة أشخاص!

alhebib@yahoo.com
 

المؤلفون يزيدون والقراء ينقصون!
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة