ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 22/03/2012/2012 Issue 14420

 14420 الخميس 29 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بدأت الديمقراطية بتجربة بالغة البساطة تأخذ بها مدينة أثينا اليونانية، حيث كان يجتمع الشعب المعترف به كشعب من قبل منظري الديمقراطية الأثينية، لا هيئة منتخبة عنه، ولا طائفة أو طبقة، يجتمعون في جمعية شعبية تضم من تتوافر فيهم الشروط، وهي: “أن يكون مواطناً أثينياً حراً ذكراً يبلغ العشرين من عمره”. وتتولى هذه الجمعية سلطات البرلمانات الحديثة التشريعية، ومراقبة أعمال الحكومة.

أما رجال الحكومة أنفسهم وغيرهم ممن يشغلون الوظائف العامة كالموظفين العموميين، والقضاة، وقادة الجيش، والضباط، فيختارون بالانتخاب، حيث يتم انتخاب ضعف العدد المطلوب، ثم تجري القرعة بينهم لاختيار العدد المطلوب.

ومع مرور الأيام اكتسب الطرح الديمقراطي الجديد شعبية ومكانة قوية للغاية، وأصبحت الكثرة الغالبة من الأثينيين يعتزون كل الاعتزاز بنظامهم الديمقراطي، ويدعون غيرهم إلى وجوب الأخذ به، رغم وجود من يعارضه وينتقده من اليونانيين أنفسهم، ومن أشهر المنتقدين له الفيلسوف اليوناني “سقراط” الذي كان يشجع رفاقه على الاستخفاف بالنظم الديمقراطية في مثل قوله (... إنه من السخف أن يتم تعيين الحكام “الأراخنة” بالقرعة، بينما لن تجد إنساناً يقبل أن يعمل لديه ملاحاً أو نجاراً أو عازفاً تم اختياره بالقرعة، علماً بأن الضرر الذي ينجم عن سوء اختيار هؤلاء أقل كثيراً من الضرر الذي ينشأ من أخطاء سياسة الدولة).

وكما سخر “سقراط” من قاعدة اختيار الأفراد لكثير من المناصب والأعباء العامة بطريق القرعة، سخر هذا الفيلسوف الفذ من أهم مؤسسة في النظام الديمقراطي كله، وهي “الإكليزيا” أو “الجمعية الشعبية”، مصدر السلطات في الدولة.

لقد دار حوار بين “سقراط” وأحد تلاميذه حول العمل السياسي، نفهم منه أن التلميذ كان متردداً بشأن قدرته على اقتحام مجال السياسة، لشعوره بالرهبة من مخاطبة الجمهور، وخوض المناقشات العامة أمام الملأ.وهنا يعاتبه “سقراط” مفصحاً عن احتقاره الشديد للجمعية الشعبية “الإكليزيا” قائلاً :( إنك لا ترهب مخاطبة أكثر الناس ذكاء ومقدرة، وها أنت تخجل من مخاطبة جمهور من التافهين والبلهاء، ممن تخجل..من حلاجين وإسكافيين ونجارين وحدادين وفلاحين وتجار وأصحاب حوانيت في الأسواق، أناس كل همهم أن يشتروا بسعر أقل ليبيعوا بسعر أعلى ؟هؤلاء هم أعضاء الجمعية الشعبية “الإكليزيا”).

وممن هاجم الديمقراطية أيضا “أفلاطون” تلميذ سقراط، وتشاءم من نتائج تطبيقها، (لأنها إن جعلت الناس جميعاً سواسية في الحقوق والقوى، فلن يستطيع الدهماء - بحكم تربيتهم- أن يحسنوا اختيار حكامهم، وقد يوضع الأمر في أيدٍ طائشة جاهلة تسير بسفينة الدولة في بحر متلاطم الموج، ولا تزال الأنواء تتنازعها حتى ينتهي “الحكم الديمقراطي” إلى “أثوقراطية” مستبدة)، وعلى مصطلح “ الثيوقراطية Theocrcty “يوناني الأصل، مؤلف من “Theos” بمعنى إله و “Kratia” بمعنى حكم، فهي تعني حرفياً “حكم الله” أو “الحكم لله” إما مباشرة أو من خلال رجال الدين، وهو مصطلح صاغه لأول مرة المؤرخ اليهودي “يوسفوس Josephus” ليدل به على التصور اليهودي للحكومة على نحو ما جاء في التوراة، ، كما حذر من هذا النظام الذي يسوق له الآن على أنه النظام الأمثل والأصلح لحياة البشر على هذه الأرض “أرسطو” فهي في نظره (حكم طالح شديد الخطر، حكم العامة والرعاع، يقوم مهرِّجٌ خداعٌ يفسد عقيدة الأمة ويغرر بها فتنتخبه عن رضى وطواعية، وهو في الواقع طاغية لا يصلح لشيء، والذين ينتخبون هذا الطاغية - في العادة - هم العامة أكثر الجماعة عدداً، ومعهم قلة من ذوي المصالح الشخصية، والأطماع الخاصة).

لقد ساد النظام الديمقراطي أثينا اليونانية ردحاً من الزمن، وبسبب أخطاء داخلية وخارجية عديدة سواء على مستوى التنظير أو التطبيق، إضافة إلى أسباب أخرى عالمية أمتد أثرها إلى المدنية الأثينية أدت جميعها إلى انتهاء العهد الديمقراطي الأثيني، ومن ثم انزواء هذا المصطلح، وقلة تطبيقاته العالمية بشكل ملفت للنظر، خاصة بعد أن تعرضت تجربة “الديمقراطية الرومانية” للصعوبات نفسها، التي عانت منها التجربة اليونانية فحدَّت هذه الصعوبات في بداية الأمر من انطلاقها، وما لبثت أن أودت بها.

ويعود السؤال من جديد.. ترى هل هذه الأحداث التي تدور في عالمنا العربي تولد لدى العقلاء نفس القناعة التي خرج بها أعظم فلاسفة التاريخ أم أننا نصدق الأكذوبة الأمريكية التي غرست في عقولنا أن السبيل الأوحد لاجتماعنا ونهضتنا ورقينا وتقدمنا هو النظام الديمقراطي والذي يعني كما هو معرف (حكم الشعب بواسطة الشعب لمصلحة الشعب) وللحديث بقية عن الديمقراطية العربية.. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
سقراط يعلن إفلاس النظام الديمقراطي الجديد
د.عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة