ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 22/03/2012/2012 Issue 14420

 14420 الخميس 29 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

وزير الحج والأوقاف الأسبق (1329هـ- 1433هـ)
معالي السيد حسن محمد كتبي حياة وذكريات
إبراهيم الحمد

رجوع

 

فقد غيب الموت يوم الخميس 15-4-1433هـ معالي السيد حسن بن محمد كتبي وزير الحج والأوقاف الأسبق عن عمر ناهز (104 أعوام) قضاها في خدمة دينه ووطنه وأمته.. ووري الثرى بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة.. رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته...

ولملازمتي الوثيقة له لأعوام عدة في مكتبه بالمدينة المنورة فأجدني برغبة ملحة لأن أسطر عنه ولو بكلمات معدودات؛ صورة قريبة عن تلكم الشخصية الفذة.. التي فقد العالم الإسلامي برحيلها رجلاً من أهم رجالات الفكر والدين الذين كان لهم الأثر الكبير في وقف مد الشيوعية والأفكار الإلحادية التي كانت تزحف وبقوة نحو العالم العربي والإسلامي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي حيث أخذت الدول العربية والإسلامية تسقط الواحدة تلو الأخرى في أحضان الإتحاد السوفياتي... والتبعية للفكر الشيوعي الإلحادي والاشتراكي الفاشي.

رغم إن الكتابة عن تاريخ الرجال الذين تركوا أثراً إيجابياً كبيراً في خدمة بلدهم وأمتهم وبصمة ظاهرة في خدمة دينهم؛ لا يستوعبه كتاب، أو ربما استغرقت فيه عدة مجلدات، لأن كل يوم من حياتهم هو درس جديد، إنما يُختزل من سُلوكهم وتصرفاتهم لمحات موجزة، هي بمثابة شموع على طريق الحياة الطويلة، تنير نقاط علاّم لمن خَلفهم لكي يستنيروا بضوئها ويتجنبوا المفاجآت وغيرها.

ومن هذا المنطلق ووفق هذا المفهوم لحياة هذه الشخصيات التي كانت مؤثرة في الساحتين الوطنية والدولية لسنوات عدة خلت، سأنقل عدة صور من حياة معالي السيد حسن بن محمد كتبي وزير الحج والأوقاف(سابقا) رحمه الله واسكنه فسيح جناته، خلال عملي سكرتيرا له في مكتبه بالمدينة المنورة لمدة أربع سنوات (1415 - 1419هـ) والذي توطدت علاقتي به خلال هذه الأعوام الأربع، وأطلعني على العديد من مجريات حياته، منذ أن أوفده السيد محمد على زينل رضا ببعثة إلى بومباي في الهند للدراسات العليا للعلوم الشرعية، بعد أن تخرج من مدرسة البعثات بمكة المكرمة، والتي كان يدخلها من أنهى دراسته بمدارس الفلاح بمكة المكرمة، وحفظ القرآن الكريم كاملاً،، وكيف كان يؤم الناس بصلاة التراويح في المسجد الحرام في ذلك الوقت، حيث أنه لم تكن جماعة واحدة لصلاة التراويح، فسافر هو وأخيه السيد سامي محمد كتبي عام 1347هـ وعادا منها عام 1350هـ بعد أن أتم دراسته العليا التي أوفد لها، فاختاره السيد محمد شطا لكي يُدرّس بالمعهد العالي للقضاء بمكة وكيف حثّه على القبول بالتدريس فيه ولازال حينئذ يردد بيت الشعر الذي قاله له:

شباب قنع لا خير فيهم وبورك بالشباب العاملينا ومرورا بمراحل حياته الأخرى، التي ذكر طرفاً منها في كتابه (هذه حياتي) وغيرها من الكتب التي أصدرها في تلك الفترة.

أما حديثي عنه فسيكون بتدوين بعض المواقف التي عشتها معه وتصوير لأهم الجوانب المشرقة من حياة هذا الرجل النبيل وهذا الشخص الكريم.

الصورة الأولى: (الوفاء)

من ألمع الجوانب التي لمستها في هذا الرجل هي صفة الوفاء وأذكر هنا موقفاً هاما يكرره دوما علامة على وفائه لمن أحسن إليه وأكرمه:

(الله يجزيه الخير) هذا العبارة مرادفة تماماً لذكر اسم محمد علي زينل، فلطالما أغرورقتا عينا السيد حسن كتبي بالدموع، عندما يأتي على ذكر اسم ذلك الرجل ؛ فيترحم عليه، ويذكر من صفاته الحميدة الكثير الكثير، ويدعو له، ويأتي على وصف طيب معاملته له ولأخيه سامي، وكيف أنه كان يخصهما بشيء من الحنان، والرفق، دون باقي زملائهما، وكيف أنه أنفق على دراستهما بكل كرم وطيب نفس، يذكر هذا رغم مرور أكثر من ستين عاماً على وفاة السيد زينل رحمه الله، فرغم مرور هذه السنين الطوال، كان يتحدث عنه كمن يتحدث عن شخص عزيز فارقه بالأمس القريب، فلم تُنسِه المناصب، ولا الجاه، ولا المال، ذكر من أحسن إليه -وهذا أدب أصيل وخلق كريم يذكرنا بما كان من خلق للنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يذكر الأنصار دوماً بخير، ويعترف لهم فضلهم فيقول: (أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم وصُدقتم: أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك، وعائلا فأغنيناك). (رواه أحمد).

الصورة الثانية: (التواضع)

فلا تكاد تخفى هذه السمة على أحد ممن عرفه وخالطه، فرغم لباسه الأنيق، وحياته المنعمة، وما وصل إليه من مكانة وجاه، لا يجد أي أحد مسافة بينه وبين السيد حسن كتبي في مخاطبته، أو مجالسته، بل تراه يخالطه ويكلمه كمن يتكلم مع زميل له، أو صديق حميم، أو أب رحيم، ومن أبرز مواقف تواضعه التي رأيتها؛ أنه كثيراً ما يدعو من يعملون عنده من الموظفين، والخدم، والسائقين، وغيرهم إلى مائدته، يأكلون معه على طاولة واحدة، في شقته التي كانت بقرب المسجد النبوي، أو حول الطاولة الأثرية التي في (فيلته) وقد كان يقول: إنها كانت لأحد الزعماء (وهو يضحك) وهاأنتم تجلسون عليها.

الصورة الثالثة: (الكرم):

أما عن صفة الكرم؛ فحدّث ولا حرج، فقد عايشت هذا الرجل وعمره فوق الثمانين عاماً وما رأيته ردّ أحداً طلب منه شيئاً إلَا بما يُرضيه، فكان يواسي الناس بماله، وبجاهه فيكتب شفاعات وتوصيات لجميع الجهات، وكانت أغلبها إن لم أقل كلها تلبي طلبات السيد حسن كتبي، وتحترم خطاباته، سواء الجهات الحكومية وعلى أعلى مستوياتها، أو الجهات الخاصة بكل مستوياتها.

الصورة الرابعة: (الرحمة):

كان رقيق القلب رحيم بمن يعمل لديه، فقد كانت لديه عدة خادمات أسيويات وكان يحرص على أن يأخذهن برفقة عائلته يوم الجمعة، من بعد العصر في فسحة خارج البيت إلى مزارع المدينة وما جاورها إلى ما بعد المغرب، وهو يقول لي: (هن مسكينات أشفق عليهن من الجلوس الدائم في البيت، وخروجهن كل أسبوع لعل فيه تخفيف لغربتهن.. من لا يَرحم لا يُرحم).

الصورة الخامسة: (حبه لعائلته وصلته لرحمه):

كثيرا ما كان بهتم بأمر أسرته، القريبين منهم والبعيدين، فكان يخصص مرتباً شهريا لكل المحتاجين من الأسرة، من الأيتام، والأرامل وغيرهم بل؛ وقام بإنشاء شركة مساهمة بأسمائهم من ماله الخاص، كان يقول: لعلها تدر عليهم ما يكفيهم ويقيهم العوز والحاجة بعد موتي.

الصورة السادسة: (حبه لدينه وبلده ولولاة الأمر فيه):

تتجلى هذه الصورة بوضوح لدى كل المثقفين والمسئولين على حد سواء، وذلك من خلال كتاباته وما تولاه من مهام في خدمة دينه وبلده داخل الوطن وخارجه، خلال تسلمه وزارة الحج والأوقاف وقبلها منظمة مكافحة الشيوعية التي انتشرت- أي الشيوعية والاشتراكية- في حينها انتشار النار في الهشيم، وأصبحت الدول العربية والإسلامية تتهاوى فيها، واحدة تلو الأخرى، ومساهماته التي تعتبر بحق مُؤَسِسَةً للتضامن الإسلامي، الذي أنشأ في تلك الفترة، بل ودوره الهام في تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي ولا يكاد يخفى على أحد في هذه المؤسسات الإسلامية العملاقة، التي أصبحت الآن الرابط السياسي الهام بين الدول الإسلامية.

ومع ولاة الأمر: اتضح لي من خلال اطلاعي على أرشيفه الخاص، حيث عكفت عليه عدة سنوات استخرج منه المكاتبات الرائعة، التي كانت تتم بينه وبين أصحاب الجلالة ملوك هذه البلاد، فخطابه لهم يحمل عظيم الحب، وصدق النصح، ووطنية التوجه، وردّهم له بكل رحابة صدر، وتقدير كبير لكل ما يكتبه، وكل ذلك مثبت في مكاتبات رسمية كانت محفوظة في أرشيفه الخاص وقد جمعتها حينها في مجلد كبير، وكان من تقدير المغفور له -بإذن الله- الملك فيصل له أن منحه وسام الملك عبدالعزيز وهو أرفع وسام يمنح بالمملكة.

وأما تقدير الدول الأخرى الإسلامية منها وغير الإسلامية: فقد منح العديد من الأوسمة الرفيعة والشهادات العلمية العالية ؛ فقد منحته جمهورية تايون أرفع وسام لديها مع درجة الدكتوراه الفخرية، كما منحته ماليزيا وسام (داتو) وهو أرفع وسام لديها، ومنحته الباكستان وساماً رفيعاً مع درجة الدكتوراه الفخرية، كما كان رئيس لجنة الصداقة الكورية السعودية، وقد منحه رئيس كوريا أرضا بُني عليها مركزاً إسلاميا يعتبر الأقدم من نوعه في بلاد غير المسلمين.

كما منحه الناس وسام الحب وهو أعلى وسام يأخذه إنسان من البشر، حيث أن الحصول على هذا الوسام من الناس لا يتأتى بالمال ولا بالجاه.. بل يسقط بذهاب المال والجاه لو كان زائفاً.. وهذا مالا تجده في حب الناس للسيد حسن كتبي رحمه الله ورفع درجاته في عليين.

وفي ختام حديثي أذكر ما كان عليه خلال حياته بالمدينة المنورة:

فقد انصب اهتمامه -وهو المدينة المنورة - على قراءة القرآن الكريم والسيرة النبوية، فكان يختم قراءة القرآن غيباً في يومين وفي شهر رمضان كان يختمه كل يوم مرة، وكان إذا سافر لجدة أجلسني بجانبه وبدأ يقرأ القرآن وأن أتابع له فيقرأ خمسة أجزاء في الطريق بين المدينة وجدة.

فكما كان اهتمامه بقراءة القرآن، فقد كان شغوفا كذلك بقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وخصوصا المعجزات منها وقد أشار عليّ أن أجمع المعجزات من الصحيحين فعكفت على ذلك نحواً من ثلاث سنين وجمعتها في كتاب أسميته (حق اليقين في معجزات خاتم الأنبياء والمرسلين ) - من الصحيحين) وطُبع عام 1422هـ (بمجلد) وقد قدم لطبعته الأولى أثناء انتقاله لمدينة جدة.

كما فتح لي أرشيفه الخاص واستخرجت منه العديد من المقالات والدراسات التي تم نشر قسم منها في حينها بجريدة المدينة المنورة، وأخرجت بعد ذلك بعدة كتب منها ما طبع ونشر ومنها ما لم تسمح الظروف بنشره، وهي:

1-صفحات مطوية من حياتي (مع الملك فيصل رحمه الله).

2-شموع على الطريق.

3- صحف ذهبية.

4- الإسلام لماذا؟.

5- المملكة العربية السعودية ودورها في الزعامة الروحية للأمم الإسلامية.

6-صفحات مطوية من حياتي في وزارة الحج.

وثم عاد إلى المدينة المنورة وقد جاوز عمره العام المئة - ذاكرا لله تعالى وتاليا لكتابه، حتى جاءته المنية في يوم الخميس ليلة الجمعة وصلي عليه بالمسجد النبوي الشريف بعد صلاة المغرب ودفن بالبقيع.. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.. وألهم ذويه الصبر والسلوان.

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة