ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 22/03/2012/2012 Issue 14420

 14420 الخميس 29 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

العالم يتغيَّر، والشعوب تستفيد من تجارب بعضها البعض؛ فما يحصل هناك من مكتسبات شعبية سيجد بالضرورة آذاناً صاغية له هنا، والعكس صحيح. ولا يمكن لعاقلٍ يعيش في عصرنا إلا ويلحظ أن تأثّر الشعوب بتجارب الآخرين أصبح حقيقة بسبب تقارب العالم، وسقوط الأسوار بين الشعوب والثقافات، التي أحدثته ثورة الاتصالات، هذه الحقيقة لا يمكن إلا أن تتعامل معها مضطراً بغض النظر عن قناعتك من عدمها، فالسياسة هي فن الممكن ولم تكن قط فن ما يجب أن يكون.

بشار الأسد ظنَّ أن بإمكانه أن يجعل عقارب الساعة (بالقوة) واقفة لا تتحرك، وأن يُبقي زمن والده ومنطق والده وأسلوب حكمه قائماً، فثار عليه شعبه بعد أن رأى الإنسان السوري أنَّ بإمكانه الضغط نحو التغيير والمطالبة بحقوقه مستفيداً من تجارب الآخرين، مُحتذياً حذوهم، ومُتخذاً من تجاربهم له أسوة؛ فأصرَّ على إبقاء زمن والده، وأصرَّ شعبه على التغيير؛ وبين شد وجذب بين شعب متعطّش للتغيّر ورئيس مُصر على التكلّس والثبات، خسر بشار الجولة تلو الأخرى، وهو الآن في طريقه إلى أن يخسر بالضربة القاضية، بعد أن دبَّ الترنح والإعياء إلى أجزاء جسده وهو يتلقى الضربات التي لا يكاد يقف متماسكاً من واحدة حتى تأتيه أخرى أقسى وأشد.

محمد السادس ملك المغرب كان الأذكى والأكثر واقعية وعراقة؛ قرأ اللحظة واستشرف المستقبل فتواءم معه، واستعدَّ له بالتغيير قبل أن يُداهمه على حين غرّة، فما إن وصلت العاصفة إلى بلاده إلا وكان قد أعدَّ لها عدته، وهيأ لها الطريقَ مُعبّداً لتعبر وتمر دون أن تجتاح في طريقها المؤسسة الحاكمة مثلما حدث في بقية دول الربيع العربي؛ فمرت على بلاده مرور الكرام. الفرق بين محمد السادس وبشار الأسد هو فرق في الواقعية والعقلانية، وقبل ذلك كله فرق في العراقة بين مؤسسة ملكية تضرب شرعيتها في أعماق تاريخ المغرب، ونسيجه الاجتماعي، وجمهورية طارئة، مفبركة، قفز إلى سدة الحكم فيها الأب من على ظهر دبابة في ليلة حالكة الظلام، فورّثها للابن خلسة بعد مؤامرة شارك فيها المستفيدون من إبقاء الأب حياً بعد موته لتستمر مصالحهم وقوتهم ونفوذهم، ونسوا أنهم كانوا بفعلتهم تلك يخرقون نواميس الحياة، ويعبثون بمنطق الأمور، ويعيثون في البلد فساداً، فكانت النتيجة أن تهاوى العرش الذي كانت قوائمه أوهى من أن تتحمّل الابن الوريث، وكان من المفروض منطقياً أن يسقط ويتلاشى.

كثيرون أولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم فرض التكلّس والثبات ومحاربة التغيّر بالقمع والتخويف، وأحياناً بالوعود والتسويف؛ ثم يكتشفون - في الغالب متأخرين - أن نواميس الحياة هي التي تنتصر في النهاية وتفرض منطقها رغماً عن أنوفهم؛ فالجسم الذي لا يتغيَّر إما أنه ميت أو هو في طريقه إلى الموت، وليس ثمة احتمال ثالث.

ولك أن تتصور لو أن القذافي أو مبارك أو ابن علي أو حتى علي عبد الله صالح قد أدركوا أن التغيير والتطوير من سنن الحياة، وأن بقاء الحال من المحال، وأن المبادرة يجب أن تأت منهم قبل أن تفرض عليهم، هل سيصل أي منهم إلى ما وصل إليه؟.. غير أنه الإنسان الذي لا يتعلّم في الغالب من أخطائه، ولا يتعظ بغيره، فيصر على أنه يختلف، وأنه الأدهى، والأقدر على التعامل مع الواقع، وأنه مُحصن من تقلّبات الزمان وغوائل الدهر، وأن لديه من المبررات ما يجعله يصر على إبقاء الراهن كما هو عليه، ثم يتنبه متأخراً إلى أنه كان مخطئاً، ولكن التراجع قد يزيد الطينَ بللاً، ويُظهر ضعفه، فيتشبث بموقفه مضطراً هذه المرة، ويحاول البقاء بأي طريقة، حتى يجد نفسه خارج السلطة وربما خارج التاريخ.

إلى اللقاء.

 

شيء من
التغيّر شرط البقاء
محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة